فتش عن الدوحة
.. هناك مقولة فرنسية شهيرة وهي (cherche la fame) أو فتش عن المرأة, كلما تحدث مصيبة لابد أن في الأمر امرأة, وقد أصبح مبدءاً عاماً لدى رجال البحث الجنائي في محاولاتهم إماطة اللثام عن الجرائم (البحث عن المرأة).
ومرأتنا هنا في الدوحة, وما حدث ليلة الأمس عندما أعلن الاخوان المسلمون الدفع بمرشحهم (خيرت الشاطر) النائب الأول للمرشد ووزير المالية والإقتصاد ومحافظ البنك المركزي للاخوان لخوض سباق الرئاسة المصرية لم يكن نابعاً من مجلس شورى الاخوان بل جاء من الدوحة مباشرة !!
وحتى لا نسترسل بغير خلفية, نعود بالذاكرة قليلاً إبان فورة ثورة يناير عندما هبطت الطائرة القطرية في مطار القاهرة حاملة الشيخ يوسف القرضاوي القطب الاخواني المقيم في قطر والحامل لجنسيتها وخروجه مباشرة من المطار برفقة مستقبليه من الاخوان إلى مكتب الإرشاد والاجتماع المطول معهم ثم إلقاء خطبة الجمعة في ميدان التحرير والعودة مباشرة للدوحة.
في هذا الاجتماع فتح القرضاوي قناة اتصال مباشرة بين الاخوان والدوحة وأبلغ الجماعة التأييد القطري المادي والمعنوي لهم, وتوالت الاتصالات والزيارات والتي كانت آخرها زيارة خيرت الشاطر نفسه للدوحة.
ولكن لماذا دفعت الدوحة خيرت الشاطر للترشح للرئاسة؟
ما كان مخططاً له سلفاً هو أن يتولى الشاطر رئاسة الوزراء في حكومة إخوانية بدستور ونظام برلماني, وهو الأمر الذي تم التخطيط الجيد له ولكن جائت الرياح بما لا تشتهي السفن, وتسلسل الأحداث جاء كالتالي:
الدفع بشخصية فاشلة (عصام شرف) لتشكيل حكومة تفشل في إدارة البلاد بل وتدفع الأمور للأسوأ (ضياع نصف الاحتياطي المركزي في لاشيئ, وانعدام الأمن).
تحريك الجماهير والمطالبة بحكومة إنقاذ وطني, وهو الأمر الذي كان متوقعاً أن تصب نتائجه في صالح حكومة الاخوان, عندما شكل شباب الثورة وبعض الأحزاب الليبرالية حكومة إنقاذ في التحرير, واصطدم معهم المجلس العسكري بعد تكليف الجنزوري بتشكيل الحكومة, وأعلن الاخوان مراراً استعدادهم لتشكيل تلك الحكومة وترقبوا نتيجة الصراع الدموي (أحداث مجلس الوزراء) لتكون الحكومة الاخوانية (لا حكومة الثوار ولا حكومة العسكري), ولكن جائت الرياح بما لا تشتهي السفن وانتصر المجلس العسكري ورأس الجنزوري الوزارة.
وابتعد الاخوان تماماً عن الولوج في الصراع بين المجلس العسكري والثوار استعدادا للجولة التالية وهي الدستور (وهو خطأ استراتيجي), وكان المخطط أن يقوم الاخوان باعداد الدستور على أن تشرف وزارة الاخوان على آليات (الاستفتاء على الدستور) وأيضاً على آليات (انتخابات الرئاسة), ولكن أيضاً جائت الرياح بما لا تشتهي السفن, حيث قوبلت لجنة المائة لإعداد الدستور والتي شكلها الاخوان وصوت عليها أعضاء مجلسي الشعب والشورى بطريقة (الورقة الدوارة), برفض مجتمعي شديد وبدأ البساط ينسحب من تحت أقدامهم شيئاً فشيئاً وانخفض مؤشر بورصتهم.
فجاءت التعليمات من الدوحة بالتصعيد الفوري مع المجلس العسكري واللعب بسياسة الحافة للحفاظ على مكتسباتهم والابقاء على الرصيد المتبقي في الشارع.
وهو الأمر الذي تطلب سحب الثقة من حكومة الجنزوري واقالته بالرغم من أن المتبقي من عمر حكومته (شهرين فقط), ولكن كان المقصود هو إحداث نوع من الضغط الشعبي الشديد على المجلس العسكري وتحريك الأحداث السياسية الراكدة لينتهي الأمر باقالة الجنزوري وتولي خيرت الشاطر رئاسة حكومة اخوانية تشرف على آليات الاستفتاء على الدستور وانتخابات الرئاسة معاً!!
وأيضاً جائت الرياح بما لا تشتهي السفن لم تلاقي الدعوة استجابة شعبية واضطر الاخوان لإلغاء مليونية الجمعة الماضية حيث رفض الجميع المشاركة بها.
فجاء التصعيد الأخير وهو ترك موضوع رئاسة الوزراء والتصعيد لأعلى والدفع بخيرت الشاطر لخوض انتخابات الرئاسة وهو الأمر الذي يعد كالقشة التي قسمت ظهر البعير ليخسر الاخوان ما تبقى لهم من أرض للآتي:
فقد الاخوان أي مصداقية لهم في الشارع لكونهم بدلوا مواقفهم ووعودهم التي قطعوها على أنفسهم.
وضعوا رقبة خيرت الشاطر بين يدي المجلس العسكري, فهو محكوم في جناية غسيل الأموال في عصر مبارك والافراج عنه كان بدوافع صحية, وبالتالي لا يجوز له ممارسة السياسة أو الترشح للرئاسة إلا بعد صدور قرار بالعفو من (المجلس العسكري) !!
فشل أي محاولة مستقبلية من الاخوان لتقليب الشارع على المجلس العسكري أو تظاهرات أو حتى الاعتراض.
وبالتالي لم يعد لديهم سوى طريق واحد وضعوا أنفسهم فيه وأغلقوا من دونهم باقي الطرق وهو المواجهة الدموية مع المجلس العسكري والتضحية بمجموعة كبيرة من شباب أولتراس الاخوان حتى يحصلوا على التعاطف الشعبي لكونهم (ضحايا العسكري).
فهل تدفعهم الدوحة لذلك ؟؟
فقط قادم الأيام تحمل ما يستجد من الأحداث المتسارعة, ولا نملك سوى الجلوس في مقاعد المشاهدين ومتابعة ما يصدر عن مكتب الارشاد والدوحة والجزيرة الوثائقية.
مجدي المصري
التعليقات (0)