فتح القدس كان خطة متكاملة وضعها النبي وواصلها أبو بكر واكتملت في عهد ابن الخطاب
أثار الدكتور عبد الله معروف، المُتخصّص بشؤون القدس والمقدسات، الكثير من المسائل التي اختلف حولها جمهور المؤرخين حول فتح مدينة القدس، والإستراتيجية التي تم إتباعها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في عملية الفتح.
وأكد د. معروف، في محاضرة له بملتقى القدس الثقافي بالعاصمة الأردنية عمّان حول إستراتيجية الفتح العمري لفتح بيت المقدس، بأن الفتح العمري أثار إشكاليات لدى المؤرخين، وتناول كل واحد منهم عملية الفتح بطريقة تختلف عن الأخرى.
وشدّد د. معروف على أن إستراتيجية الفتح لم تبدأ بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقال:"لا أرى من الصواب أن نقول أن إستراتيجية الفتح هي إستراتيجية عمر لوحده، بل كانت في إطار خطة متكاملة وضعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستمرت بعهد الصدّيق أبو بكر واكتملت بعهد الخليفة عمر بن الخطاب".
ولفت إلى أنه وفي نفس الوقت الذي فتح لهم النبي الطريق؛ لم يُحدّد لهم كيفية فتح بيت المقدس، وقال: "أستطيع أن أقول أن إستراتيجية التفكير بفتح بيت المقدس وتحضير الأمة لهذا الفتح كانت فكرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم".
وتساءل: "هل كانت فكرته باعتباره نبيا أم قائداً سياسيا؟"، ثم أجاب قائلاً: "علينا أن نأخذ بالصفة التي أقام بها الحكم المدني وهي شخصية النبي وليست العبقري، أو السياسي فقط".
وأكد "أن إستراتيجية التفكير بفتح بيت المقدس كانت خطة نبوية محضة، لكن أسلوب الفتح تطور بعد النبي محمد بعهد ابو بكر ثم في عهد عمر، ومن الصعب أن نقول خطة منْ هي".
وأشار إلى أن أبي بكر حينما أرسل عمرو بن العاص إلى المنطقة قال له: عليك بفلسطين وإيلياء ففصل بين كيانين.
وقال: "إن ابو بكر كان ينوي التعميم ثم التخصيص فحتى ذلك الوقت كانت المسالة غير واضحة، كما أنه كان من الصعب في ذلك الوقت معرفة من أين تبدأ فلسطين وما المقصود بفلسطين".
ولكن الدكتور معروف عاد وأكد أن الخليفة ابو بكر كانت لديه فكرة واضحة عما يريد أن يفعله، والدليل أنه أرسل ثلاثة جيوش من طريق واحد، وجيشٌ من طريق آخر.
وقال: "هناك آراء كثيرة تقول أن أبي بكر كان يريد فتح المنطقة بشكلٍ عام، لكن اعتقد أن أبي بكر كان يريد بشكلٍ خاص فتح المنطقة المقدسة".
ولفت إلى محاصرة المسلمين لبيت المقدس، وبشكل غير مُشدّد وما أن انتهوا من فتح سائر المناطق توّجوا الفتوحات بفتح القدس.
وأوضح "أن البعض تحدث عن صراع المسلمين لفتح مدن أكبر من القدس باعتبارها "القدس" لا تمثل ثقلاً سياسيا". لكنه أكد أنه يجب ألاّ ينظر للأهمية السياسية دون النظرة الدينية والتي تثبت أنّ هدف أبو بكر الأساسي من تحركات الجيش هو ديني بحت، وهناك الكثير من الأدلة والشواهد على ذلك.
وبخصوص من الذي كان مسؤولاً عن فتح القدس بشكل أساسي، قال: "لا اعتقد أن هناك إجابة واحدة على ذلك، وهناك مصادر كثيرة ذكرت الكثير من أسماء القادة الميدانيين، لكن عدم تطرق المؤرخين إليهم بكثير من التفصيل يعود للعديد من الأسباب منها: تعاقُب الكثير من القادة على حصار القدس أدت بالنهاية لاختلاف المؤرخين حول هوية منْ فتح بيت المقدس. كما أن هناك إشكالية تتمثل بأن كتبنا التاريخية تُغلّب الدور السياسي على التاريخي، وهناك إغفال لكثير من القادة".
وأشار إلى أن آخر رواية حول بعض التفصيلات وردت حتى الآن هي الرواية السريانية وترجمها تيسير خلف كانت رواية أشخاص حاربوا مع الروم ضد المسلمين ثم حاربوا مع المسلمين ورووا أسماء قادة أغفلها الكثير من المؤرخين.
وأوضح أنه لم يتحدث أحد أبداً عن خطة لدى ابو بكر وعمر لفتح بيت المقدس، والسبب، حسب نظر د. معروف، "لعله تفاهم بين أبي بكر والقادة العسكريين الميدانيين، ودليل ذلك معرفة كل قائد جيش أين يتحرك: شرحبيل شرق الأردن، يزيد إلى أقصى الشمال، ابو عبيدة باتجاه بصرة إلى دمشق، فكل واحد عرف أين يتحرك وهذا ليس اجتهاد بل اعتقد انه كان مرتبا مع الخليفة، ولعل وفاة الخليفة كان السبب لعدم كشف القادة واستكمال الفتح".
وشدّد الدكتور معروف على أن الذي حدّد هذه الأمور هو أبو بكر، وقد يكون ابو بكر أخذها من رسول الله لأن فتح الطريق وتحضير الفتح حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم".
وطرح الدكتور معروف جملة من الاستفسارات، منها: هل يكون النبي قد حدّد لأبي بكر من ينطلق وكيف؟، وقال أنها تبقى مسالة مطروحة للبحث، ولماذا تحرك المسلون بهذا الشكل حول مدينة القدس ولم يفتحوها إلا بالنهاية؟، ولماذا كانت القدس الوحيدة التي ذهب عمر بنفسه لاستلامها؟.
وقال: "إن الأصح، أن عمر انتقل إلى القدس لفتحها ثم إلى الجابية "الجولان" على اعتبار ترتيب المكان إداريا".
ولفت الدكتور معروف إلى "أن إستراتيجية الفتح لم تكن فكرة عمر بل كانت فكرة الفتح كخطة إستراتيجية سار عليها المسلمون، وهي خطة النبي محمد عليه الصلاة والسلام من خلال الوحي، وأبو بكر كان صاحب إستراتيجية عسكرية، وقد يكون استمدها من النبي، وهي مجرد فرضية، ثم أن عمر سار على نهج ابو بكر وانفرد بتغيير قادة الجيش، وقد يكون من الممكن أن يقوم أبو بكر بنفس ما قام به عمر وهو تولية أمر الجيش وفتح القدس لأبي عبيدة باعتباره رجلا دبلوماسيا وليس حربيا بحتا".
وخلص الدكتور معروف في نهاية محاضرته إلى مُطالبته بإعادة النظر إلى الأسماء التي فتحت القدس والقادة الميدانيين الذين تم إغفالهم.
إلى ذلك، جرى في نهاية المحاضرة نقاش مستفيض شارك فيه نخبة من الإخوة والأخوات وناقشوا الموضوع من كافة جوانبه، واتفقوا على استكمال نقاشه بمزيد من المحاضرات والمداولات مع الدكتور عبد الله معروف المتخصّص بشؤون القدس والمقدسات.
ـــــــــــــــــــ
المصدر
http://www.alquds-online.com/index.php?s=news&id=4774
التعليقات (0)