فتاة ومناكير .
إذا نقدت حادثة المناكير المشهورة والقيت بالسبب على الفتاة وعلى سوء تصرفها وسلوكها فأنت انسان غيور على دينك وذو عقل راجح وحكيم أثابك الله ، أما إذا انتقدت أسود الحسبة نقد بناء فأنت جاهل أعمى بصر وبصيرة ضال هداك الله في أحسن الأحوال .
لكنني لن انتقد الفتاة ولن انتقد رجال الحسبة الذين كانوا متواجدين في قلب الحدث وسأخذ الحدث من زاوية أخرى ، فالمجتمع خاصة فئة الشباب تنظر الى الهيئة وكأنها ميليشيا مسلطة عليهم ويرون أن ذلك الجهاز ما وجد إلا لقمعهم والحد من حركاتهم وسكناتهم ، فأصبح جيب الهيئة غول مفزع للغالبية العظمى ، والسبب الذي أفزع المجتمع أو بالأدق بعض افراد المجتمع هو التجاوزات والأخطاء التي ارتكبها بعض المنتسبين للهيئة أخطاء فردية وتجاوزات صورت الأشياء بغير صورتها الحقيقية .
المجتمع ليس ضد وجود الهيئة وليس ضد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنه ضد التجاوزات والتشكيك في النوايا ومراقبة الناس ورصد تحركاتهم وسكناتهم فتلك تصرفات غير أخلاقية وغير دينية حتى وإن كانت بحسن نية ، الهيئة جهاز حكومي يخطيء افرادة ويصيبون فهم بشر لكنهم مكلفون ويخضعون لأنظمة الدولة ويخضعون لشرع الله وعملهم وجهدهم يشكرون عليه لكن ليس من حق أي فرد منهم رصد تصارفات الناس وتفتيش الجوالات ورمي الناس بالتهم وتغليب بعض الأفكار وأسقاطها وإلزام الناس بها ، لقد أصبحت الحاجة ملحة لتحرير مفهوم المنكر وإعادة صياغة بعض المفاهيم ودراسة الواقع دراسة جيدة حتى لا يصطدم المجتمع بجهاز حكومي ويعيش الجميع في قلق دائم .
بعض التجاوزات السلوكية التي يمارسها الشباب والفتيات لابد أن يتم التعامل معها بأساليب تربوية بعيداً عن التعنيف والصراخ والطرد والتوقيف ، تلك التجاوزات السلوكية التي يمارسها البعض هي في الأساس نتيجة طبيعية للتغير والتحول المعيشي والاجتماعي ونتيجة طبيعية لضعف دور الأسرة التوجيهي والرقابي لكن من واجبات الدولة البحث عن الأسباب وإيجاد العلاج السليم الذي يحقق نتائج مرضية للجميع .
صدام الهيئة مع المجتمع ونظرات المجتمع لذلك الجهاز الذي وجد لحماية المجتمع وليس لقمعه ينذر بكارثة سلوكية واجتماعية وأمنية إن لم نغلب الواقع على العواطف فالبعض يمشي وفق عواطفة وليس وفق الواقع الذي يعيش حالة احتقان نتيجة لبعض الممارسات والتجاوزات.
تحرير مفهوم المنكر وإيجاد مفاهيم عملية للقضايا الخلافية فقهياً التي هي في الغالب تسبب الصدام وربط عمل الهيئة الميداني بأجهزة الأمن وقصر العمل الميداني على أصحاب الشهادات العليمة العلياوالمؤهلين تربوياً ونفسياً سوف يخفف من حالة الاحتقان حزئياً فالوضع لايحتمل التأخير والتسويف فالأحتقان وصل لمرحلة متقدمة لا توقفه أو تحد منه بعض القرارات التجميلية التي لم تغير من الواقع شيئاً.
بعض الشباب أصبح يشتم الهيئة ليل نهار وشتمه ذلك مقرون بتجاوزات تعرض لها دون أدنى خطاء منه فتلك التجاوزات ارتكبها رجال الهيئة بحق ذلك الناقم واستندوا على قاعدة درء المفاسد وبنوا اتهامهم على أساس مخجل يشكك في النوايا والله بها عليم .
لسنا ضد الهيئة كجهاز ولسنا ضد شعيرة من شعائر الإسلام فجميعنا آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر كلُ حسب فهمه واستطاعته لكننا ضد التجاوزات التي تُرتكب باسم الدين وضد التدخل في الخصوصيات والتشكيك في النوايا وضد تغليب قول غير راجح على قول غير راجح آخر فالأمانة الأدبية والعلمية تقتضي البعد عن الزام الناس بقول غير راجح وتركهم يأخذون ما يميلون اليه دون إفراط أو تفريط فهم أدرى وأعرف بواقعهم .
نظام الهيئة الذي لم يتغير منذ ما يقارب النصف قرن وسلطتها الضبطية والتوجيهية بحاجة لتغيير وتعديل فالمجتمع لايريد كل يوم ضحية وفتاة مناكير أخرى.
أسأل الله أن يصلح الحال والى الله المشتكى.
التعليقات (0)