مواضيع اليوم

فتاة الساعة الخامسة

 فتاة الساعة الخامسة
عندما هبطت الطائرة ارض مطار هذا البلد الرائع الذي يحمل تاريخا موغل بالقدم وآثارا لحضارات رومانية ويونانية وإسلامية ،أحسست بأن الطقس قد تغير وكأنني في فصل الربيع وليس الصيف الحار في بلادي .
ختم جوازي وخرجت من بوابة المطار احمل حقيبة الملابس ، وإذا بسيارات الأجرة تقف في صف منتظم ، وكان من نصيبي أن اركب سيارة يقودها رجل في منتصف العمر.
وتحركت السيارة إلى المدينة ،فقلت للسائق :أريد فندقا في مكان راقي أو شقة صغيرة في مكان هادئ .
فنظر ألسائق إلى وجهي يتفحص ملامحي فبتبسم وقال : عند صديقي عصام شقة جميلة وموقع جيد ، وأتمنى أن لاتكون مسكونة لأننا في عطلة صيفية ويكثر الزوار من الخليج .
وهناك ميزة رائعة في الشقة وقوعها في آخر الحي الارستقراطي ويفصلها عن حي الكادحين –الحي الشعبي – شارعا فقط .
ووصلنا الشقة ولله الحمد لم تكن مسكونة ، وكانت في الدور الثاني ولها منور عندما تجلس فيه تكشف الحي الشعبي كاملا لأنه أخفض من الحي الارستقراطي الذي يتكون من عمارات وبيوت وجدران سميكة وخلف هذه الجدران لا نعلم ماذا يجري ، أما الحي الشعبي فهو مكشوف للجميع بسبب الجدران التي لعبت فيها عوامل التعريةوالصفيح الذي يوجد فيه الكثير من الفتحات والذي يعلوه إطارات قديمة وحجارة حتى لايطيرعندما تهب الرياح.
في الحي الشرقي الناس يعرفون بعضهم ويجلسون في المساء امام منازلهم رجالا ونساء يتناولون القهوة والشاي عكس الحي الغربي الذي لاترى الا الاشجار شامخة على رصيف المنازل والورود بألوانها الجذابة تمتطي الجدران وتتسلق البنيان .
الساعة الجدارية تعلن الساعة السابعة مساء ،والليل يسير قدما ...والنجوم تتلألأ في السماء الواسعة والشارع تسوده الحركة ذهابا وايابا وملامح الكادحين تقرأها من تقاسيم الجسم وتجاعيد الزمن المرسوم على الخدود ... اما اصحاب الكروش في الحي الارستقراطي فهم لايأتون إلى الشارع ،فلهم اماكنهم الخاصة .
جلست في البلكونة افكر في هذا العالم الفسيح وبدأ شريط الذكريات يمر من امامي ويداعب خيالي ومشاعري ، احيانا اكون متفائلا وأقاوم حالة اليأس التي تمر في الشريط ،فالمال وحده لايجلب السعادة وهذه حقيقة لايؤمن بها الفقراء ......
عندما دقت الساعة الثانية عشر ليلا ، حضنت سريري ولم افتح عيناي الا عندما دقت الساعة العاشرة صباحا ، فأخذت حماما باردا حتى انفض غبار التعب والتفكير في الليلة السابقة .
نزلت من شقتي ابحث عن مطعم قريب ، فكان العم ابواحمد يتفنن في صنع الفلافل والحمص والفول وقريب من الشقة ، واكثر مالفت انتباهي في العم ابو احمد أنه يعرف في السياسة الشئ الكثير ويملك ثقافة عامة هائلة رغم كبره في السن والتعليم البسيط فهو خريج جامعة الحياة ..
اوقفت سيارة أجرة وبدأت اتجول في المدينة والاماكن السياحية والاسواق التراثية الرائعة ...
في الخامسة تماما كنت في البلكونة احتسي القهوة التركية بعد جولة في معلم المدينة ، وإذا الشارع يتحول الى خلية نحل فمن الشباب من يرش الشارع بالماء ومنهم من يرتب الكراسي ومنهم من يمدد اسلاك الكهرباء ، فعرفت إن هناك زواجا لأحد ابناء الحي الشعبي ، فكنت في بلكونة الشقة من المدعوين بدون كرت دعوة بحكم الحفلة ستكون اسفل الشقة .
وعند الثامنة مساء بدأ الناس يتوافدون على الحفلة وكل يأخذ مكانه وهناك من يصب القهوة العربية ومن يوزع الشاي على المدعويين ، وبدأ الشباب بتشابك الايدي والعازف يتفنن في العزف على الة النفخ الموسيقية التي تسمى القربة ويأتي بألحان رائعة مع اغاني جماعية من الذين يدبكون .
انتهت الحفلة الساعة الثانية عشر ليلا ، واقل من نصف ساعة اصبح الشارع يلفه السكون ولا اسمع الا اصوات صراصير الليل .
وفي اليوم الثاني يتكرر المشهد ، وفي اليوم الثالث قاموا بزف العريس وهو يتوسط الشباب ويسيرون في الشارع العام وينشدون اناشيد خاصة في زفة العريس .
انني احببت المكان جدا وكأنني اعيش فيه منذ زمن ، واصبحت عادة يومية إن اجلس على البلكونة واحتسي قهوة المساء وتبدأ الجلسة في الخامسة مساء حيث إن الشارع تزدحم به الناس وانا بطبعي اجتماعي الى درجة انني لااستطيع الأكل لوحدي .
كنت انظر الى الحي الشعبي وإذا بفتاة تجلس مع امرأة –عرفت فيما بعد انها امها – على باب منزلهم ، ماشاء الله نور وجهها كأنه خيطا من اشعة الليزر وشعرها كأنه ليل غاب عنه ضوء القمر ، وابتسامة تكشف عن قلب يحمل مآسي الحياة .
وفي السابعة تماما تدخل الى منزلها ، وكل شيء كان طبيعيا ولم احس في شيء .
وفي اليوم الثاني في الخامسة تماما اراها جالسة هي وامها على باب المنزل ،فتجرأت ورفعت فنجان القهوة كتحية لها ففهمت وبادلتني التحية ترافقها ابتسامة اخترقت قلبي وبدون عائق .
ومرت الأيام سريعا ، وفي يوم كان من اصعب الأيام التي مرت علي في حياتي ، رأيت امها وهي تحملها وتضعها على كرسي متحرك ودفعتها ودخلت منزلها ،احسست بأن الدنيا الواسعة اضيق من بيت النملة .
سألت المعلم سميح معلم القهوة فقال : هي فتاة جميلة ماشاء الله وصابتها عين .
كانت مع والدها عندما انقلب الباص بعد اصتدامه في سيارة نقل صغيرة وعلى اثره توفي والدها- رحمه الله- وهي كما ترى صابها شلل نصفي في اطرافها السفلى .
ودائما تجلس امام منزلهم من الساعة الخامسة الى الساعة السابعة ، وثم تدخل المنزل ولها سنة منذ اصابتها وهي على هذا الحال .
بصراحة اردت ان اراها عن قرب واتكلم معها ولكن ........................
وسافرت الى بلدي واصبحت عضوا في جمعية رعاية المعاقين حركيا .
انتهت




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !