علي جبار عطية
الأربعاء 16-05-2012
يعجب المرء وهو يراجع احد المستشفيات كيف يمكن للعاملين فيه أن يتناولوا وجباتهم الغذائية وهم يعايشون المرضى والأمراض والعمليات الجراحية ونزف الدماء ووفيات من انقضت آجالهم في حين أن رائحة الديتول في ممرات المستشفى تسبب الغثيان لبعضهم والتقيوء أحياناً لذوي النفوس المرهفة!
لكن يزول العجب بكلمة واحدة هي الاعتياد! فمن اعتاد شيئاً فانه يفقد تأثيره عليه سواء أكان هذا الشيء جميلاً أم بشعاً! قفزت هذه الفكرة الى المقدمة وأنا أطالع حواراً قديماً مع شيخ الجراحين العراقيين الدكتور خالد ناجي أُعيد نشره مؤخراً في احدى الصحف المحلية اذ انه يقول: (كنت أجد في بيتنا هيكلاً عظمياً وأشياء طبية مثلما كنت أُشارك أخي (اسماعيل) في الاطلاع على جثث الموتى في المستشفى الذي تدرب فيه ولم أكن أخشى رؤية الموتى بل أعد تشريحي جثثهم حفلةً ساهرة!!(
اذن المسألة لاعلاقة لها بالجمال ولا بالبشاعة وانما بفايروس الاعتياد ومثل هذا الامر ينطبق على من امتهن مهنة دفن الموتى وصار رزقه على المصائب فبمجرد انتهائه من عمله فانه يتناول طعامه بشهية ربما يفتقدها من يتبوأ منصب مدير عام في احدى الوزارات المهمة! وهكذا يمكن تصور مشهد العامل على تسليم جثث صرعى حوادث الطرق وهو يضع في ثلاجة الموتى رقية بانتظار تبريدها!!
وقد يقرأ هذا الموضوع شخص حساس فيستبشع هذه الاعمال التي تجعل المرء متبلد الاحساس ذا مشاعر باردة وقلب قد من حجر! لكنه لو راجع نفسه سيكتشف انه مستمر بحياته بفضل هؤلاء الأشخاص الذين اعتادوا رؤية الدماء والجرحى والموتى وتكيفوا مع أماكن عملهم وزبائنهم فعملهم ضروري جداً لديمومة العيش حتى وان ادعوا ان للضرورة أحكاماً وانهم اضطروا لهذه الاعمال لمواجهة متطلبات الحياة ومعنى هذا انهم لو وجدوا عملاً أفضل لتركوا عملهم الحالي وقد يكون بعضهم محقاً في ذلك ولكن غالبيتهم نراهم منسجمين مع أعمالهم ويتعاملون مع الجسد البشري بمشاعر محايدة وهم مستمرون في العمل طالما يحقق ايرادات جيدة مما يكشف قوة وحجم تأثير الحافز المادي في أغلب مفاصل الحياة!
التعليقات (0)