مواضيع اليوم

فاهِمْ غَلَط

شيرين سباهي الطائي

2010-06-10 20:07:15

0

إقحامُ الفلسفة اللُّغوية في مصطَلَحات نستخدمُها عرَضاً أو قصْدَاً أمرٌ يُزعِجُ الكثيرين من القُرّاء والمُتابعين،ولكنّ الحقَّ أحقُّ أن يُتّبَعْ،وإرجاعُ الغريبِ إلى مصادِرِه الأصليّة منهجُ الباحثين ومسلكُ النّاس أجمعين،والفَهْمُ الخاطئ إنَّما يعُدُّه الكُتّابُ فهماً من بابِ التّناظُر والجدَل والافتراض رغبةً في الوصول لما يرونَهُ فهماً صحيحاً ..

وفي نفسِ المَجال يستخدُمُ بعضُ المفكّرين تحليلاً نفسيّاً وآخر اجتماعياً لتفكيك المصطلحات وإعادة تركيبها سعياً لأن يكونَ استقبالُ المستمعين لهم أوفرَ حظّاً من جُمودِ أهل اللغة وأصوليّة أتباعِ سيبويه،لذلك قد يجدون عُذراً في تسمية الفهمِ الخاطئ فهماً بأنّ تلك حالةٌ نفسية لقائلها يقرُّ بأن محاورَه قد فهِمَ ولكنّ ليس كما كانَ يرجو ..

وحينَ يكونُ الفهْمُ هو الإدراكُ ربّما ينحو بالفاهمين منحى بعيداً عمّا يُريدُ منهم المُناقِشُ أو المعترِضُ أو المُخالِف في الرأي،وهنا بيتُ القصيد ومركزُ الارتباط بين العلوم بشتى أشكالها وعلى اختلاف هيئاتِ مُدَّعيها،فالقضيّة لا تخرُجُ عن قَوَامَةٍ يفرِضُها من أُعطِيَ صوتاً عالياً أو سّوْطاً غالباً على البشريّة إن هُم فَهِموا ..

لو رأيتَ رجُلَ السّياسة يدخّن أمامَ نُظرائِه السياسيّين رغمَ أنّه صوَّتَ في برلمان دولتِه لصالح قرارٍ يمنعُ التدخين في الأماكن العامّة فلا "تفهم غلط" واعلم بأنّ تلكَ الأنفاس التي ينفُثُها العزيز إنّما هي كثيرٌ من حماقاتِ شعبِه التي ظلّ يمتصُّها ويحتويها وهو معهم ويريدُ الآن أن يفرّغَ شُحنَةً سالبةً في غيرهم ويعودَ إليهم بنفَسٍ عميق طويل ..

وإنْ أخبركَ ابنَكُ بأنّ المعلّمَ قد وصفَهُ بأنّه حمارٌ أو كلبٌ فلا "تفهم غلط" فما من إنسانٍ إلا وهو حيوانُ ناطق،وما من حيوانٍ إلا وهو دابّة،والدابّةُ كلّ ما يدبُّ على وجه الأرض،وحقوق الحيوان محفوظة،وحقوق الإنسان معروفة،وابنُ عمّكَ العربي القديم قد قالَ لممدوحِهِ "أنتَ كالكلبِ في حِفاظِكَ للودّ وكالتَّيْسِ في قِراعِ الخُطوب" وما يقصدُه المُعلّمُ هو جذبُ انتباه الطالب ليستفزَّ منه سؤالٌ يعقُبُه تبرير ..

وحينَ تقرأ في إحدى الصُّحف خبرَ عمالةٍ أجنبيّة في بلادٍ خليجيّة تُضرِبُ عن العمل بسبب تأخّر الرواتب فلا "تفهم غلط" فإنّما هم عمالةٌ فاسدة قادمة بتخطيط وترتيب كَيْديّ لتنالَ من هدوء واستقرار هذا البد أو ذاك وتُحاولُ أن تنقُلَ ممارساتها الباطلة والمرفوضة كالإضراب والتّظاهر في وطنٍ لا يؤخّرُ حَقّ أجير ..

إذا صُدِمَتْ سيّارتُكَ من قِيَلِ سيّارةِ شرطةٍ كانت مسرعةً معاكسةً للسّير ونزَلْتَ لتُعايِنَ الأضرار فلا "تفهم غلط" واطمئنّ بأنّ الشرطة في خدمة الشعب واستغفر ربّكَ أن عطّلتَ هؤلاء عن اللحاقِ بمجرمٍ هاربٍ من العدالة وادعُ الله تعالى أن يُذْهِبَ عنكَ السّهوَ والسَّرِحان حتى تلمحَ رجالَ الأمن الأشاوس فتُفسِحَ لهم الدّنيا بأسرها ..

وأيُّ امرأةٍ رأَتْ أخرى في مناسبةٍ أو دهليز عمَلٍ تقتربُ من ثالثةٍ قُرْبَ الزّوج من زوجتِه فلا "تفهم غلط" ولتتأكّدْ بأنّ الجنسَ آخرُ ما يُفكّرُ فيه متّحدي الجنس،والشّذوذ أمرٌ في غاية النُّدرة حولنا وفينا،ولتربُط هذا المَشهد باحتضانِ الأم لابنتِها وعِناقِ الغائبِ لمنتظريه والتحامِ الأجساد حولَ الكعبة،فالنّفوس طيّبةٌ والشيطانُ بعيد ..

أوصيكَ أيضاً أن تصطحِبَ فهماً صحيحاً لهدايا تصلُ المسئول الفلاني أو المدير العلاني ولا "تفهم غلط" فالهديّة تزيدُ الحبّ والحبّ عاطفة والعاطفة تخفّفُ من حدّة روتين العمل وضغط الانشغال والاتصال الفعال بين الناس تغذيه الهدايا والتعامل مع الآخرين يتطلّب لباقةَ حديث ولياقة تعامل وبطاقة وصول،ولو أنّكَ كنتَ المَهدي لهُ لما انزعجْتَ ولتبسّمْتَ ملأ شدقيك وترقّبتَ القادم بحرارة ..

لا تفهم تأخيرَ معاملة لك في مؤسسة حكوميّة ما غلط،فهيَ محلُّ اهتمام السيّد المُدقّق،ولا تفهم بَتْرَ الممرّض للعضو الذكر لطفلك المولود أثناء الختانِ غلط،فالفسادُ قد ظهرَ في البرّ والبحر وخيرٌ لابنك أن يعيشَ عِنّيناً من أن يضيعَ مفتوناً،ولا تفهم أبداً انقطاعَ الكهرباء في زمن الصّيف في بلادنا الحارة غلط،فالمُعاندةُ تزيدُ الأقوى قوّة وتفقِدُ الأضعفَ المقاومة واحتراماً لسمةِ المناخ الصحراوي لابدّ أن تمتثلَ مولّداتُ الكهرباء العربيّة لنظرية الرضوخ الصيفي ..

أمّا إن تحرّشَ السائقُ بابنتك الصّغيرة أو تخطّى بائعُ الورد حدودَ الأدب مع ابنك اليافع وقبّلهُ في وجنتيه فلا "تفهم غلط" واجعلْ من ديمقراطيّتِكَ حكَماً ومن حضَارِتِكَ مُسلّياً ولا تُفْسِدْ على النّاس اهتمامَهم بالصّغار وحُبَّهم لبراءة الأطفال وشغفَهم بالدّلال الذي افتقدوه صغاراً واشتاقوا لهُ كِباراً،واطلُب من ابنِكَ أن يصبِحَ رجلاً ومن ابنتِكَ أن تُحافِظَ على هدوئها حتى لا يلحقَها ممّا جرى عارٌ أو مذمّة ..

إنّ مُروّجَ المُخدّرات يعاني من "فهم الناس له غلط" فهوَ يروّجُ التخدير ليُنسيَهم التدمير ويسوّقُ للمُتعة الوقتيّة ليُريحَ العالم من المصائب الدّائمة ويجلب المادّة سريعة المفعول ليحظى البطيء بقوة دفعٍ رُباعيّة والسائرُ بمُحرّك نفّاث والمُبدِعُ بمجموعة خُرافيّة من تشكيلات الخيال وصنوف الأحلام ..

إنْ قالَ لكَ المُفتي بأنّ الاختلاطَ حرام فلا "تفهم غلط" فهوَ يعلمُ سخونة الغرائز عندَ السائلين وعُلوَّ كعبِ الفتنة عندَ المتربّصين ففضّلَ غلقَ الباب على مراقبة الأفعال،وإن قالَ لك مُفتي آخر بأنّ الاختلاط حلال فلا "تفهم غلط" فهوَ يقصدُ التواجد مع التوجّس والحذر،ويعني المجاورة مع المحاورة من وراء حجاب،ويرى ما لا ترى ممّا قد جرى في مجتمعات تقدّمتْ بالاختلاط وتحضّرتْ بالحرّية ..

لكنّ من يوقِف خلْقَ الله على ذمّة الاشتباه لم "يفهَم غلَط" ومن يُقصي رأي العامّة فيما يعنيهم لم "يفهم غلط" ومن يتّهم كلّ صاحِبَ مبادرة بأنّه خائنٌ لوطنه وتراب بلده لم "يفهم غلط" ومن جعَلَ من قضيّة فلسطين تعويذة الرّبح لم "يفهم غلط" ومن أجبرَ العالم النّفطي على دفع فواتير اليونان لم "يفهَم غلط" وإسرائيل التي قالت بأنّ قافلة أسطول الحرّية يحملُ أسلحةً بيضاء ودماءً حمراء ونيّةً خضراء لم "تفهم غلط" ..

أن تكونَ فاهِماً فتلكَ شهادةٌ من عدوّك أو المتربّص بك أنّك تُشاركه العقل،وأمّا "الغلط" فهو وصفُه لاطّلاعِك على الحقيقة الذي لا يُسمَحُ به في عالمٍ يحتكِرُ الفَهْم ..
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات