فاز الحزب وخسرت مصر – فهمي هويدي
صحيفة الشرق القطريه الخميس 3 المحرم 1432 – 9 ديسمبر 2010
شاء حظي أن أشارك في مؤتمر دولي حول الحوار بين الحضارات عقد بمدينة فاس المغربية، وقت إجراء انتخابات الإعادة التي تمت يوم الأحد الماضي (4/12)،
بحسن نية ذهبت، ولم أكن مشغولا بشيء في الانتخابات. إلا أني اكتشفت بعد وصولي ولقائي بالمشاركين من الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة واليابان، أن موضوع الانتخابات وفضائحها على كل لسان
إذ فوجئت بكم غير عادي من الأسئلة الحائرة وسمعت سيلا من التعليقات المحزنة، التي أغرقتني في بحر من الانكسار والخجل، حتى تمنيت في بعض اللحظات أن تنشق الأرض وتبتلعني حتى لا أظل هدفا لتلك الأسئلة والتعليقات.
كانت المشكلة أن عددا غير قليل من المشاركين من المتابعين الجيدين لما يجري في مصر، ومنهم من عاش فيها زمنا ووعى خرائطها، أثناء عملهم في السفارات الأجنبية والملحقيات الثقافية. أما الباقون فقد سمعوا بالفضيحة من الصحف والإذاعات ووكالات الأنباء التي لم تترك كارثة مما وقعت أثناء الانتخابات إلا ورصدتها وعممتها على أنحاء الكرة الأرضية.
ولأننا عشنا فصول القصة في مصر، وتابعنا وقائعها في الصحف القومية والخاصة وفيما تيسر في القنوات الفضائية، فإننا لم نلتفت إلى الأصداء التي تتفاعل في الخارج، وبالتالي لم ندرك حجم الضرر الخارجي الذي أصابنا جراء الممارسات الهوجاء التي تمت، وما استصحبته من قمع وبلطجة وتزوير، وتلاعب في الأصوات،
ومن الواضح أن الذين أداروا اللعبة الانتخابية لم يتجاهلوا الشعب المصري ويديروا ظهورهم له فحسب، ولكنهم أيضا تجاهلوا الرأي العام العالمي، ولم يكترثوا بنظرة العالم الخارجي لنا. وذلك أمر غير مستغرب، فالذي لا يحترم شعبه حري به ألا يحترم العالم الخارجي أيضا.
آية ذلك أنهم شكلوا لجنة من المهتمين بالإعلام لمتابعة ورصد كل ما يجري في الداخل، وتولت تلك اللجنة لفت نظر البعض والتحقيق مع آخرين من الإعلاميين المصريين، لإحكام الرقابة على الأداء الإعلامي في الداخل، لكن تلك اللجنة لم تأبه بما يحدث في الخارج، ولم تنقل إلى أولي الأمر شيئا من الصور المشينة التي رسمت للحياة السياسية في مصر في وسائل الإعلام الأجنبية.
إليك نماذج من الأسئلة التي تكررت على ما مسامعي خلال الأيام الأربعة التي قضيتها في مدينة فاس،
كيف استهانت السلطة والحزب الحاكم في مصر بإرادة الشعب المصري وأصرت على تزوير الانتخابات بتلك الصورة الفجة التي حدثت؟
ــ ما هي تلك الأحزاب الصغيرة التي لم يسمع بها أحد، وهل صحيح أنها واجهات للأجهزة الأمنية والحزب الحاكم؟
ــ هل يعقل أن تكون شعبية حزب التجمع اليساري في مصر خمسة أضعاف شعبية الإخوان المسلمين؟
ــ أليس ذلك الاستعراض المبالغ فيه لمظاهر القوة السياسية علامة على ضعف النظام؟
ــ بعد إلغاء المعارضة في داخل مجلس الشعب، هل يمكن القول بأن المعارضة الآن أصبحت داخل الحزب الوطني الحاكم نفسه، بين جماعة صفوت الشريف وجماعة جمال مبارك؟
ــ إلى أي مدى يمكن الربط بين حالة القمع والتزوير الشديدة التي حدثت في الدوائر وبين الإعداد لانتخابات رئاسة الجمهورية؟
ــ وهل لهذا الذي جرى علاقة بمشروع التوريث الكامن وراء الأستار؟
ــ وألا يشكك ما جرى في بطلان انتخابات مجلس الشعب، وبطلان انتخابات الرئيس القادم في مصر؟
ــ إلى أين مصر ذاهبة؟
لاحظت أن مشاعر المشاركين العرب لم تختلف في بؤسها عن مشاعرنا في مصر، ذلك أن هؤلاء على اقتناع بأنه إذا كان هناك أمل في المستقبل وفي الأمة، فينبغي أن تلوح إرهاصاته في مصر. وكلما انسد باب الأمل وأجهضت أحلامه ــ كما حدث في الانتخابات ــ أدركوا أن أفق المستقبل يزداد قتامة في بلادهم، حتى سألني أحدهم بصوت كسير:
هل نكف عن الرهان على مصر ونسلم بأن العجز تمكن منها بحيث لم يعد هناك أمل في أن تقوم لها قيامة؟
أما الذي وخزني حقا، فهو تعليق الدبلوماسي الفرنسي الذي أقام في مصر زمنا ثم انتقل منها إلى عواصم عربية أخرى، والذي قال:
هل أصبح الحزب الوطني خطرا على البلد، بحيث كان لابد أن تخسر مصر لكي يتحقق الفوز للحزب ويظل قابضا على السلطة؟،
وهو سؤال لم أجب عنه، لكني وجدته مهما وجديرا بالتفكير
التعليقات (0)