فارس الحوّاري العزّوني
المؤلف:
أ. عبد العزيز عرار
فارس الحوّاري العزّوني
أ. عبد العزيز عرار
لمحة في جغرافية وتاريخ عزون:
نشأ الثائر “فارس” محمد الحواري في قرية عزون، وهي تقع على المرتفعات الجبلية القريبة من الساحل الفلسطيني وترتفع عن سطح البحر في بعض مواقعها 176مترا، وتمتاز بكونها نقطة اتصال مهمة على خطوط المواصلات بين نابلس وقلقيلية وطولكرم ورام الله، و تتوسط مجموعة قرى.
تعددت الآراء حول تسميتها بهذاالاسم ففي رأي البعض أنها سميت لكثرة الأشجار المحيطة بها، وعرفت بعز ثم عزين وحرفت لعزون، ومن قائل إن عزون كلمة آرامية وتعني الصلب والشجاع، وقد ثبت من خلال الحفريات أنها قديمة، ولها جذور ضاربة في العهد الكنعاني (2).
(قلت بل هي فعلون كخلدون وزيدون من الصل اللغوي ع ز ز لدلالة تقع على معنى الصلابة والصالة، ومن ذلك عِز الشجرة؛ اصلها. يحيى جبر)
امتدت أراضي عزون حتى السهل الساحلي وهي لصيقة بأراضي مدينة قلقيلية وكانت لها خربة تتبعها دعيت غابة عزون أو تبصر ورويسون (3).
بلغ عدد سكأنها (994)نسمة في عام 1934، ومنهم عائلة مسيحية بلغ عددها 14 نسمة (4).
تم فتح أول مدرسة في العهد العثماني عام 1912 (5).
تعرضت عزون لمحاولة احتلال من قبل الفرنسيين الذين ساروا في حملة متجهين نحو مدينة عكا في عام 1998 وقد توجهت كتيبة من الجيش يقودها دوماس لغرض احتلال القرية ولكن جموع قرى بني صعب والتي تضم( كفرجمال، كفرزيباد، كفرعبوش، كفرصور، الرأس، فرعون، الطيبة، الطيرة، قلنسوة، جيوس ) بقيادة شيخ قرى الصعبيات الشيخ محمود الجيوسي ومركزه قرية كور، وقتل القائد الفرنسي دوماس على يد فلاح من عزون يدعى عابد مريحة العدوان، والذي اغتنم فرصة احتساء دوماس لكأس من القهوة وعندها صوب بندقيته واقتنصه، مما بعث الذعر في صفوف الجيش الفرنسي، كما أن الهزيمة دبت في نفوسهم بعد أن أشعل أبناء الجبل النار في الأحراج فأحاطت بهم ألسنة اللهب ودخأنها من كل جانب. ففروا مذعورين إلى يافا حيث صب نابليون جام غضبه عليها، وكانت معركة فاصلة ردت الجيش الفرنسي عن جبل نابلس الذي أطلق عليه من يومها لقب: جبل النار وهي معركة خلدها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان:
سائل بها عزون كيف تخضبت بدم الفرنجة عند بطن الواد (6).
شارك أبناء عزون في معظم الثورات الفلسطينية وكان لهم السبق فيها. ففي ثورة 1921 هاجموا مستعمرة ملبس إلى جانب قرى أخرى، وبرز دورهم في ثورة 1936 وقدموا الشهداء وحدثت معركة وادي عزون في 26/6/ 1936، واستشهد من أبنائها:
1ـ فاطمة خليل غزال وهي أول فلسطيينية تستتشهد في الثورة وكانت تنقل الماء والخبز.
2ـ أحمد عبدالله القدومي.
3ـ محمد مصطفى عنايا (أبو حمدة ).
4ـ عبد همشري عدوان.
وبعد أن فك الإضراب في تشرين أول 1936 وبعد أن حضرت لجنة بيل في العام اللاحق وصل إلى عزون رئيس اللجنة، والذي استمع لرأي السكان فرد عليه مختار البلدة الشيخ مصطفى سرور قائلاً ( من جرب المجرب عقله مخرب. لقد جربنا بريطانيا ولم تصدق في وعودها وتعهداتها ) وعندما تجددت الثورة في عام 1937 قام الشاب يونس الشايب بإطلاقالنار على سمسار عربي عمل على تسريب الأراضي العربية لليهود، ولكنه قبض عليه بعد أن فر باتجاه البحر وقامت حكومة الانتداب بشنقه وقد دفن في قريته عزون وكتب على قبره.
سقى الله رمساً حل فيه مجاهد شهيد غدت أعماله خير مؤنس
فدا وطن غال يقهر العدا شكو إلى القهار متجسس (7)
طفولة “فارس” العزوني
ولد “فارس” في "خربة تُبصُر " من أعمال عزون، وهي أحدى الخِرَب التي نزلها أهالي عزون بعد عام1810، ودعيت أيضاً "غابة عزون " والتي أقيمت على أراضيها مستعمرة رعنانيا وبجوارها مستعمرة كفار سابا، و قد دمرت خربة تبصر وأجبر أهاليها على الرحيل في الثالث من نيسان عام 1948 (8).
عاش “فارس” يتيماً، وتلقى تعليمه في مدرسة عزون، ودرس فيها حتى الصف الرابع، وقد تعهدته والدته بالعناية، وقد عمل في الزراعة والفلاحة وكانت والدته وإخوأنه يديرون بيارة زرعت بالبرتقال.
عرف عنه ولعه المبكر بالسلاح، وقد اعتقل مرات عديدة قبل بلوغه سن الرشد،، وحينما بلغ سن السادسة عشرة من عمره، توجه إلى قرية المزيرعة من قرى قضاء اللد مع صديقه مصطفى غزال سويدان، الذي يكبره سنا بهدف شراء بندقية، حيث وجد شخصا تعّود بيع بندقيته للباحثين عن سلاح.
وكان يبيعها ومعها طلقات مغشوشة، ثم يفاجئ من يشتريها بعمل كمين، وتحت تهديد السلاح يقوم باستردادها، ويسلبه ما لديه من مال وتكرر هذا الأسلوب مع عدة أشخاص(9).
سمع “فارس” الحواري وصديقه مصطفى غزال بقصة هذا الرجل، وحكاية سلاحه فخططا للحصول عليها فتجهزا بطلقات احتياطية وذهبا إلى المزيرعة وحدث معهما كما يحدث مع الآخرين، واعترضهما خارج القرية فحّذراه من مغبة صنيعه، ولكنه لم يتراجع عندها أردياه قتيلا (10).
بعد التحاق “فارس” بالثورة عاد إلى قرية المزيرعة، وقبل دخوله القرية أرسل مندوبين يستأذنون له بالدخول كزائر وضيف، وأذن له أهلها بالدخول وأكل بها وشرب، وقاموا بإجراء مصالحة، وتفهم أهل القرية حادثة القتل التي كان سببها ابن قريتهم.
حدثتني أرملة “فارس” السيدة عيشه جودة نقلا عنه:
" سجنت عدة مرات وخرجت من السجن، توجهت إلى قرية المزيرعة ومعي صديقي مصطفى غزال، واشترينا بندقية ورجعنا لقريتنا، واقتربنا من بئر ماء يقع في مدخل القرية، وعليه يقف أحد الرعاة الذي كان يسقي دوابه، وحدق بي وطلب مني خلع بارودتي وقد طمع فيها واستهتر بي وظن أني صغير، واتجه نحوي وحذرته أن يقترب مني لكنه لم يرتدع، فأطلقت عليه النار مضطراً وسقط المهاجم على الأرض، وهربت ومعي مصطفى غزال" ( 11).
و حدثنا عبدالله جوده من بلدة عزون نقلاً عن أبو علي ناصر أحد مواطني قرية المزيرعة أن “فارس” اشترى بندقية من قرية المزيرعة، ولكنه تعرض لمحاولة تقشيط (سلب) من نفس الشخص الذي باعها له، ورغم أن “فارس” حذره من الاقتراب منه إلا أنه اندفع باتجاهه مما حمل “فارس” على إطلاق النار عليه فأرداه قتيلاً، وقد تسبب نزيف الدم الذي أصاب جسمه في موته( 12).
بعد مقتل الرمحي من المزيرعة أصبح “فارس” وصديقه مصطفى فارين تبحث عنهما سلطات الاحتلال البريطاني، وتقتفي آثارهما للقبض عليهما ، حيث بقيت خلفهما بعض آثار العملية، ومنها عثورهما على قطعة من أهداب الكوفية.
حضرت قوات الشرطة إلى قرية كفرثلث المجاورة لقرية عزون، ظناً منها أن القاتل منها، وقامت السلطات بعمليات تحقيق مع بعض الأشخاص، وقد اتهمت سليم عيسى بأنه وراء حادثة قتله، حيث كان يلبس كوفية وعقالاً تشبه لباس “فارس”، وقد نفى التهمة المنسوبة إليه وانتهى علم المخابرات البريطانية ورجال الشرطة أن القاتل من قرية عزون ويدعى “فارس” محمد الحواري، الذي يقطن خربة تبصر (غابة عزون ) ويرتدي نفس اللباس فأسرعوا بالتوجه إليها، وطلبوا من مختار خربة عزون أن يصطحبهم إلى بيت “فارس”، حيث تم اعتقاله.
أجرت السلطات البريطانية تحقيقا مع “فارس” وصديقه مصطفى، ووجدت بعد التشخيص أن أهداباً قد مزقت من كوفيته، واعترف بالتهمة المنسوبة إليه، وأنه هو القاتل ؛ لكن السلطات البريطانية أعدمت صديقه مصطفى غزال، وحكم “فارس” الحواري بالحكم مدى الحياة بسبب عدم بلوغه السن القانوني.
حدثني محمد كايد عواد سويدان ـ صديق “فارس” في طفولته ـ فقال :ـ
"هو من أجيالي تعلق بحمل السلاح، وسجن لفترات عديدة، وفي أحدى فترات سجنه سمع عن شخص في المزيرعة يبيع السلاح. وبعد ها ذهب مع مصطفى غزال، وكان أكبر منه سنا، حيث قاموا بشراء قطعة السلاح المطلوبة، وبداخلها رصاص مغشوش، وقب لذهابهم لشرائها أحضرا رصاصا حيا واشتروا البندقية،، وعادا إلى بلدتهم ، وفي طريق عودتهم فاجأهم المحتال (بائع البندقية ) بمحاولته تجريده البندقية ولكن “فارس” لم يمهله طويلا حيث أطلق النار عليه من الرصاص الحي فأرداه قتيلا. أخذ أهل القرية قتيلهم وأحضرو البوليس البريطاني، وأخبروهم أن القاتل من عزون. ودافع عنهم المحامي الإنجليزي أبو كاريو، وأعدم مصطفى لكبر سنه، وحكم “فارس” بالمؤبد لأنه لم يبلغ سن الرشد " (13)
هوامش الفصل الأول:
1) الدباغ، مراد مصطفى، بلبادنا فلسطين، إصدار دار الهدى كفرقرع، 1991، ص 617.
2) مقابلة أجريت مع عبدالخالق سويدان، معلم متقاعد في قرية عزون بتاريخ 1/ 5/ 2003.
3) المصدر السابق.
4) المصدر نفسه.
5) المصدر نفسه.
6) النمر، إحسان، تاريخ جبل نابلس والبلقاء، ج1، مطبعة جمعية العمال التعاونية، 1975، ص 219.
7) رواية عبدالخالق سويدان، تاريخ سبق ذكره.
8)المصدر نفسه.
9)المصدرنفسه، وهي رواية تترددعلى ألسنة الكثيرين في كفرثلث وعزون.
10) المصدر نفسه.
11) مقابلة أجريت معها في 10/ 5/ 2000.
12) مقابلة مع عبدالله جودة من قرية عزون بتاريخ 6/5/ 2003.
13) مقابلة أجريت معه بتاريخ 2/1/2000
التحاق “فارس” بالثورة وقيادته "فصيل الموت "
فرار “فارس” من سجن عكا:
سُجن “فارس” في معتقل المسكوبية في مدينة القدس، وانتقل إلى سجن عكا، وبعد أن قضى بضعة أعوام في المعتقلات والسجون، سمع أخبار الثورة الفلسطينية التي اندلعت في عام 1936، فقرر الهرب من سجنه في صيف عام 1938.
فكر في طريقة ملائمة للهرب فهداه تفكيره بالتعاون مع رفاق السجن وأقام علاقات وطيدة مع السجّانين العرب، وبفضل هذه العلاقة نجح في الهرب.
حدثتنا أرملة الثائر “فارس”: "بعد إعدام صديقه مصطفى وقضائه مدة في المعتقل، طلب نقوداً من أمه لشراء أسلاك ومنشارة حديد، وقام برشوة السّجانين وكانوا عرباً، وفي الليل قطع قضبان الشباك، وتدلى بحبل من الأسلاك الشائكة، وشاركه بعض المسجونين من العرب، ونجح “فارس” بالقفز خارج الخندق المحيط بالسجن لكن يديه انسلخت من الأسلاك أثناء الهبوط بينما وقع أحد أصدقائه في الخندق وكسر ظهره، و وقع آخر وكسرت يده، أما “فارس” فقد وصل لأقرب منزل إلى السجن، حيث قام أهل البيت بعلاجه بعدها بقليل طرق الجيش باب البيت، وقامت ست البيت ولفّت “فارس” بالحصيرة، وأوقفته في زاوية الدار كأنه جزء من أثاث البيت. بحثوا عنه في جميع أنحاء الدار ولكن لم يجدوه، بعد يوم أو يومين توجه “فارس” إلى منطقة طولكرم واختبأ عند صديقه الثائر عبد الله الأسعد من عتيل، الذي كان مسجوناً معه وبقي عنده قرابة عشرة أيام. وفي الليل اتجه “فارس” لغابة عزون وانتظر في موقع سيل الماء عند بيارتهم حتى حضر أخوه حامد وأعمامه يوسف وعبد الجليل "(1).
وتتفق رواية الحاج محمد كايد مع رواية أرملة الشهيد لكنه يذكر تفاصيل أخرى حدثنا:ـ
"أودع في سجن عكا في الطابق العلوي، قام برشوة البوليس الذين أحضروا أسلاكا ومنشارا، وأخبرهم بنيته للهرب وكان معه عبدالله الأسعد من عتيل، و”فارس” الطوباسي. نجح عبدالله الأسعد في الهرب، بينما فشل “فارس” الطوباسي الذي وقع على ظهره في الخندق وتكسرت أضلاعه وباغت “فارس” مدير السجن ولبس ملابس غسيل وهرب إلى غابة عزون ووصلها ليلاً ، وأخذه أخوه حامد، وصديقه أسعد القاسم إلى القائد عارف عبدالرازق كي يلتحق بالثورة" (2).
تأسيس "فصيل الموت " في جنوب طولكرم:
نجح “فارس” في الهرب من سجنه في أوائل صيف عام 1938، حيث ساعده الشرطي أحمد شطارة من قلقيلية والذي عمل في الشرطة البريطانية.
وبعد نجاحه في الهرب من سجن عكا، لمعت في ذهنه فكرة تشكيل فصيل ثوري، وقد سماه باسم فصيل الموت، بينما كان الآخرون يسمون فصائلهم باسماء القادة و الصحابة المسلمون أو معارك الفتح الأولى أو باسم فصيل محمد صلى الله عليه وسلم.عمل “فارس” على تجنيد أبناء عزون وكفر ثلث وغيرهم من منطقة قلقيلية ومعهم عرب سعوديين ويمنيين وسوريين، وفي غضون فترة قصيرة بلغ عددهم ما لا يقل عن خمسة وسبعين إلى مائتي ثائرً (3).
ويظهر أن عدد عناصر الفصيل كانت في تغير من وقت إلى آخر، ويرتبط ذلك بالمناسبات والمعارك؛ ففي مؤتمر ديرغسانة الذي عقد في منتصف أيلول 1938 كان عدد عناصر الفصيل 200 عنصر حسبما يذكر أحد الباحثين (4).
أجمع الرواة الذين قابلتهم على أن الرقم تجاوز سبعين شخصا، حدثني أسعد القاسم أن عدد فصيل “فارس” بلغ خمسة وسبعين رجلا،، وأتفق مع هذا الرأي لأن هذا الشخص كان أحد مرافقيه والمقربين منه. وحول عدد عناصر فصيل الموت حدثني عبدالعزيز إسماعيل الأعرج أنه بلغ في أحد المرات سبعين رجلا والدليل على ذلك أن “فارس” طلب إحضار سبعين دجاجة لإطعامهم، وأخرجت له كفرثلث هذا العدد .
ضم فصيل الموت عناصر عديدة من قرى طولكرم، و دخلت إليه عناصر أخرى من الأقطار العربية المجاورة، وبعضهم عمل مع عارف وتركه لينضم إلى فصيل الموت، وهذه هي بعض الأسماء التي شاركت فيه:
1) قرية عزون: التحق كل من محمود أبو غزال ابن الشهيدة فاطمة غزال التي استشهدت في معركة عزون في 26/ 6/ 1936، وعبدالله القنبر، ونمر القنبر وكامل الحواري، وزعل بدران، وابراهيم الكيوي، وسعيد أبو حلاوة، وعبد الرحيم الرياشي، وعبد العزيز الجودة، وأحمد البدوان، وقاسم الشايب الطحلة من عزون واّخرين .
2) قرية عِسلة: أسعد القاسم، وجاسر سليمان، وابراهيم البم راضي.
3) قرية سنيريا: عمر أبو طبنجة، وسليمان فرح .
4) كفرثلث: إسماعيل أبو هنية، ورشيد أبو هنية، وموسى مقبل، وحسين شقير، ويونس أبو خالد.
5) دير بلوط: محمود قرعوش.
6) كفر الديك: الأخوين حافظ عبد المجيد علي الأحمد، ومحفوظ عبد المجيد علي الأحمد، وأحمد عودة علي الأحمد.
7) كفر قاسم: علي بدير وآخرين، وتعاون المختار وديع أبو دية مع الفصيل.
8) كفر قدوم: فهمي صوفان، وكان بمثابة سكرتير الثورة وكاتبها ، وأحمد القدومي.
9) مسكة:المعلم إبراهيم عبدالحفيظ الذي كان يتولى مهمة الكتابة على الآلة الطابعة الخاصة بالثورة.
10) خريش: حسن أبو عمر، ومهمته تصنيع الكبسولات.
11 ) قلقيلية: انضم إلى الفصيل: عبد الرحيم الدكة، وقام بالتنسيق مع الفصيل مسؤول اللجنة القومية حسين جميل هلال، والذي لعب دورا هاما في إحضار الذخائر والتمويل للفصيل وتوجيههم نحو أهداف محددة في محطات سكة الحديد، والمستعمرات القريبة، ومنها: كلمانيا، وهاكوفيش ومحطة رأس العين وغيرها، وقد لاقى “فارس” الترحاب والحفاوة من آ ل زيد في ديوأنهم بمدينة قلقيلية(5).
التحق به من البلدان العربية سوريون، ويمنيون، وسعوديون، ومنهم:ـ جميل السوري وعبدالرحيم السوري والحاج عبده والحاج محمد مسلم، والحاج محمد اليمني، والجدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة الأخيرون كانوا مدعاة للشك في أن يكونوا عربا، وقد قابلت أشخاصاً شاركوا في الثورة من جبل الخليل و قلقيلية، وطولكرم، ورام الله وفي رواياتهم اتهام للحاج محمد مسلم، والحاج محمد اليمني، والحاج عبده كانوا مدسوسين في الثورة ويعملون لحساب الحركة الصهيونية (6 ).
توزعت مهمات أعضاء الفصيل بين مهمات قتالية، وعمليات مختلفة مثل: الاغتيالات، وشراء الأسلحة والذخائر والمناظير، ومن الأمثلة على ذلك تكليفه موسى مقبل عودة من كفر ثلث بشراء منظار من مدينة نابلس، بينما قام فهمي صوفان بتسجيل أحداث الثورة بصورة يومية، وكلف عدد كبير من الناس بتنظيف الرصاص القديم الذي بقي من الحرب العالمية الأولى .
حدثني توفيق أبو صفية: كنا صبيانا، وتوظفنا قي تنظيف الرصاص ومسحه (7).
اهتم “فارس” باتخاذ لباس عسكري موحد لفصيله حيث لبس المقاتلون اللباس الخاكي (الكاكي ) والحذاء البني الطويل والشروال الواسع مقلدين الثوار السوريين فيه، وحمل “فارس” مسدسين، ومما قام به تكليف البعض بتأدية مهمات عسكرية كالاغتيالات وأجرى تحريات عن بعض الأشخاص، وقام أحيانا بالتخفي وملاحقة بعض أبناء بلده وأقربائه للتأكد بنفسه إذا كانوا جواسيس أم لا ؟.
كان “فارس” يشعر بالتقدير والامتنان للدروز السوريين، الذين ضمهم" فصيل الموت "، وعرف منهم جميل السوري، وعبدالرحيم السوري، وعبر عن إعجابه وتقديره لهم بأن لقب نفسه ب "أبي معروف ".
أبرز الأعمال الثورية لفصيل الموت:
قام فصيل “فارس” بالعديد من العمليات العسكرية إلى جانب قتل عملاء وجواسيس يعملون لحساب الاحتلال البريطاني كانت أولى العمليات التي قام بها فصيل الموت هي زرع ألغام على الطريق الترابي الواصل بين نابلس ومدينة قلقيلية، الذي كانت تمر منه مركبات الجنود والسيارات الفلسطينية وهي قليلة ونادرة.
حدثني عبد الخالق سويدان، و محمد كايد سويدان في مقابلتين منفصلتين أنه كلف عبدالله القنبر بوضع لغم على الجسر القريب من قريته عزون ووقف الثوار من الجانبين ودمرت دبابة مرت من هذا المكان وبها ثمانية أشخاص وغنموا منها أسلحة وذخيرة (8).
أما أرملة الشهيد “فارس” فقد روت للباحث أن أولى العمليات التي قام بها فصيل “فارس” ومن معه كانت في تعرضهم لسيارات ودوريات إنجليزية عند كفرلاقف في موضع "القرنين "، الذي تقوم عليه الآن مستعمرة قرني شومرون. حيث أقام الثوار حاجزاً من الحجارة في وجه الدوريات الإنجليزية المارة من المكان، وقد راح فيها العديد من القتلى والجرحى وربح فيها الثوار الأشخاص والأسلحة والمناظير، التي استخدمها “فارس” فيما بعد، وقد شارك فيها فصيل حمد زواتا (9 ).
ويرى راوٍ آخرـ والذي عمل تاجرا متجولاـ أن أولى العمليات التي قام بها “فارس” كانت في عملية اختبار وجهها له القائد عارف عبدالرازق، الذي كلفه للقيام بعملية مستقلة ليختبر فيها شجاعته، وليكون مؤهلا لقيادة فصيل حيث سبق ل”فارس” أن طلب منه ذلك.
فتوجه “فارس” إلى نقطة حراسة أقامها اليهود حول مستعمرة مجدييل اليهودية القريبة من بيار عدس ومدينة قلقيلية، وكمن خلف أرض مرتفعة من الرمال، وانتظر حتى تم تبديل حراسها من شرطة اليهود الإضافية وأطمئن إلى سكون الليل، وقد جلسوا على غير عادتهم خارج تحصيناتهم، فأطلق عليهم النار وقتل منهم ثلاثة، وجرح اثنان، وأسرع إلى مدينة قلقيلية . وكانت هذه الشجاعة كافية لأن يسلمه عارف قيادة فصيل (10).
كتب أحد الباحثين: واقتحم المجاهدون مراكز البوليس الإضافي في مجدييل (قلقيلية ) بعد أن قتلوا بوليسا اضافيا يهوديا وجرحوا غيره، وعلى أثر ذلك دخلت قوة كبيرة من البوليس البريطاني قرية بيارعدس القريبة من المستعمرة، ونكلوا بأهلها مما اضطرهم للفرار تاركين ورائهم بيوتهم (11).
لم يقتصر العمل الثوري على هذا الكمين فقد جرت اشتباكات أخرى كان منها اشتباك جرى عام 1938 على جانبي وادي عزون الجنوبي حيث وقف الإنجليز شرقي قرية عِسلة في شمال وادي عزون، في حين رابط الثوار إلى الجنوب بجوار "خربة الخراب"من أراضي كفر ثلث، وجرت اشتباكات سقط خلالها الثائر يوسف عوده من قرية بديا شهيدا.
حدثنا توفيق أبو صفية: " كنت إصغير يوم استشهاد يوسف عودة من بديا، وقد جاء أهله وحملوه على جمل وتحمست نساء القرية وقلن في الأفراح:ـ
يوم معركة الخراب انقتل يوسف شيخ الشباب "
ومن أعمال " فصيل الموت " القيام بوضع ألغام في خط سكة حديد حيفا ـ رأس العين بالقرب من جلجولية التي أدت إلى انحراف القطار عن مساره وانقلابه. وقد تخصص فرح عوده من سنيريا في وضع الألغام، حيث استفاد مما تبقى من أسلحة وقنابل العثمانيين، التي كانت مخبأة في مغارة قريبة من خربة خريش، وظل عودة يضع الألغام حتى جاءت قوة بريطانية إلى خريش وتوجهت إلى مغارة قريبة منها، وجمعت القنابل المخبأة بها منذ عهد الأتراك والتي اعتاد الثوار استخدامها كلما دعت الحاجة لوضع الألغام (12).
كما اعترض “فارس” وعدد من رفاقه إلى دورية إنجليزية مرت بالقرب من رأس العين، التي قتل فيها 8ـ12 إنجليزيا، ومما قام به الثوار الهجوم على بنك باركليز البريطاني في مدينة يافا وحرقه، وقام “فارس” بمهمات سرية واستطلاعية وتكليف أشخاص باغتيال سماسرة في مدينة يافا، حيث أرسل قاسم الشايب لاغتيال أحد السماسرة فيها و قام فصيل “فارس” بتصفية عدد من العملاء والجواسيس وسماسرة الاحتلال البريطاني في منطقة رام الله ( 13).
لم يقتصر نضال فصيل “فارس” العزوني على العمليات المذكورة بل شارك في معركة الهجوم على القدس لتحريرها برفقة الثوار وقادتهم، ومنهم: عارف عبد الرازق" أبو فيصل "، ومحمد عبدالكريم النوباني "ابو شوكت"، وحمد داود زواتا " أبو فؤاد "، وآخرين كانوا داخل المدينة المقدسة.
كتب فيصل عبدالرازق نقلاً عن الثائر حمد زواتا والثائر سعيد الناشف أن عارف أعد خطة لتحرير القدس، وبناءَ على ذلك طلب من فصيل حمد، وفصيل “فارس”، وفصيل محمد عمر النوباني، وفصيل عارف عبدالرازق العمل على تحرير القدس و نظمها عارف وجهزها لاحتلال القدس القديمة، وأمر كلا من “فارس” الحواري وحافظ عبدالمجيد أن يدخلا سراً إلى المدينة لترتيب الفصائل الثائرة تحت إمرتهم، ووضع فصائل على مقربة من الطرق المؤدية للخارج لتقف في وجه أي قوات تجلب لداخل الأسوار، وتم ترتيب الإعداد للمعركة مع ضابط الشرطة العربي جميل العسلي، ومع بهجت أبو غربية، وفوزي القطب، وشكيب القطب، وقد ساعد هؤلاء في نجاح المعركة لمعرفتهم بأسرار المدينة. نجح الثوار في تحرير المدينة لمدة ثلاثة أيام وسيطروا فيها على مركز الشرطة وحرقوا مستنداته، وقد استخدم الجنرال هايننغ السلالم لإرسال قوة للنجدة ، وقد قوبل دخول الثوار بالفرح والتهليل والزغاريد، وأخيراً اضطر الثوار للانسحاب من المدينة (7).
وكان لفصيل “فارس” حضوراً في اجتماع عقده رؤساء مجموعة كبيرة من الفصائل الفلسطينية في قرية ديرغسانة في 15 ـ 18 أيلول 1938، الذي جرى فيه بحث أمور الثورة وتنظيم عملها بانتخاب " مجلس قيادة الثورة " وعن اجتماع دير غسأنه، والتحضير له حدثنا حسن حسين:ـ
"جاء إلى كفر ثلث عدد من قواد الفصائل كان منهم: عبد الرحيم الحاج محمد، وكان لباسه يشبه لباس الشاميين، جاكيت طويل، وسروال واسع، وحطة وعقال، وجاء عارف عبدالرازق، و”فارس” العزوني، وعبدالرحيم المرداوي، واستراحوا في كفرثلث، عند حيط دار سعيد عبدالسلام، وأحضر الناس كراسي من بيت المختار سلامة عودة، والثوار رايحة جاية داخل البلد كأنهم في عرس، وبعدها توجهوا للجنوب، وهناك أطلق “فارس” وجماعته طلقات على طياره إنجليزية، ويقال أنهم أسقطوها في مطار اللد، ثم حدثت معركة استشهد فيها الثائر محمد صالح " أبو خالد" (15).
غمرت القرى التي مر منها الثوار مظاهر البهجة والسرور بعد قدوم الثائر عبدالرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة وعارف عبدالرازق وعبدالحميد المرداوي، وعبدالقادر الحسيني، حيث أقيمت الدبكات الشعبية.
حدثنا محمود أسعد خطيب، فقال: جاء عبدالر حيم الحاج محمد (أبو كمال ) إلى كفرثلث. ومعه ثوار يحملون العلم الفلسطيني وهم يغنون :
حطوا البيارق على الجبل وتباشري يا بلادنا
ويا كافر والله ما نطيح حتى تشوف فعالنا
عاداتنا حمل السيوف وذبح العساكر كارنا (16).
أظهر “فارس” ميلاً وحماساً ظاهرا نحو أسلوب التصفيات الجسدية للمعارضين والعملاء، وبعث عمله الذعر والخوف في نفوس المخاتير خاصةً في قرى رام الله الغربية والشمالية وقرى قلقيلية.وقد سببت هذه الأحداث لجوء البعض للقوات البريطانية ورافقوهم في عمليات مطاردة للثوار وتعقبوا قادة الفصائل، حيث عملوا جنباً لجنب مع قوات الجيش البريطاني، وركبوا دباباتهم.
حدثنا أسعد القاسم أن “فارس” أعطى أوامره بتصفية طاهر عبد سعيد من قرية بديا، والذي شعر بأنه مستهدف من قبل الثوار فهرب وسلم نفسه للإنجليز، وشارك فيما بعد في مرافقة قوة إنجليزية اشتبكت مع ثورة “فارس” في معركة الوادات، ويقال إن هذا الشخص كان مسؤولاً عن قتل كامل البعنة في هذه المعركة التي جرت بالقرب من عزون، حتى أن هذا الشخص كان يفخر بقوله:"ما أحلى قتل الثوار على ظهر الشجر "، وقد راح مقتولاً في أواخر عام 1948 (17).
وقام “فارس” بالتخطيط وسعى جاهداً لاغتيال قائد الجيش الأردني البريطاني كلوب باشا، الذي أشرف على الجيش الأردني بتكليف من بريطانيا، وكان يتعارض وجوده مع الطموحات القومية العربية، ولا بد أن “فارس” أدرك الدور الذي يلعبه هذا القائد البريطاني المسيطر على الجيش الأردني، والذي كان يعيق حركة الثوار والمجاهدين الذين عبروا إلى فلسطين.
حدثنا الثائر أسعد القاسم: " ذهبنا إلى قرية قريبة من طوباس، وكنا قرابة عشرين وكان قائد المجموعة من قرية جلبون من أصدقاء “فارس”، واستضافنا شيخ قبيلة الزيناتي لمدة يومين، وأراد “فارس” القضاء على كلوب باشا، وكان يساعده رجل من الأردن، عمل كدليل له، واستطلعوا المنطقة فوجدوها ملغومة ويستحيل الوصول إليه، حيث يحيط به حراسه، ووجدنا من الصعوبة بمكان قتله، وقوتنا لا تعادل قوته، ورجعنا من هناك ووجدنا عارف عبدا الرازق، وحمد زواتا قد قاموا بقتل حسن أبو نجيم، ربما بسبب تفوقه عليهم، وقد شعر “فارس” بالانقباض وتأثر تأثراً شديداً " (18).
هوامش الفصل الثالث:
1) مقابلة أجريت بتاريخ سابق ذكره.
2) مقابلة أجريت بتاريخ سابق ذكره.
3)مقابلة أجريت مع عبدالعزيز إسماعيل الأعرج في كفرثلث بتاريخ 7/5/2002
4) عبدالرازق، فيصل، أمجاد ثورية فلسطينية، مطبعة ابن خلدون، 19995. ص 135
5) مقابلات أجريت مع عبدالخالق سويدان بتاريخ سابق.
وأسعد حسن القاسم من قرية عِسلة بتاريخ 1/5/2000
6) مقابلة أجريت مع إسماعيل القيسي من بيت جبرين في منزله بمخيم عايدة بتاريخ 1/10/ 1993.
7) مقابلة أجريت بتاريخ 3/4/ 1995.
8) مقابلات أجريت بتاريخ سابق ذكره.
9) مقابلة أجريت بتاريخ سابق ذكره.
10) مقابلة أجريت مع داود أحمد الأشقر بتاريخ 12/6/ 2003
11) زعيتر، اكرم، الحركة الوطنية الفلسطينية 1930ـ 1939، ص425.
12) مقابلة أجريت مع توفيق أبو صفية بتاريخ سابق ذكره.
13) مقابلات أجريت مع عبد الخالق، وكايد سويان، وتوفيق أبوصفية في تواريخ سبق ذكرها.
14)عبدالرازق، فيصل، أمجاد ثورية فلسطينية، ص177ـ 178.
15) مقابلة أجريت مع حسن حسين خالد بتاريخ 7/5/1999
16) مقابلة أجريت معه عام 1985
17) مقابلة أجريت مع أسعد القاسم بتاريخ سابق ذكره.
18) المرجع السابق نفسه.
التعليقات (0)