حكاية ساذجة هي اقرب الى الاسطورة منها الى الواقع، كبقية حكاياتهم الوهمية، يتحدثون بها بمناسبة او بدون مناسبة، وخصوصا عندما تصيبهم المصائب ويحاصرون بالهزائم والنكبات، فلا يجدون امامهم الا اجترار اكاذيب الماضي لشحذ نفسيتهم المنهزة واكسائها بلهيب خادع من المشاعر والاحاسيس المزيفة، التي سرعان ما تنطفئ بعد اصطدامها بارض الواقع المرير الذي لا مفر منه.
فمرة يقولون ان هناك امرأة مسلمة اسرها الروم، في احدى المعارك وصاحت، وامعتصماه، وحرك على اثرها المعتصم بالله الخليفة العباسي جيوشه، لفتح عمورية، ومرة اخرى يقولون، ان امرأة عربية كانت تسير في الاسواق، فرآها احد رجال الروم فتحرش بها وكشف جلبابها فصاحت وامعتصماه، فسمعها المعتصم في سامراء، مكان اقامته وعاصمة دولة خلافته، فطار جنونه وجند الجيش للثأر لكرامتها، وغيرها الكثير من الاساطير التي يريدون ان يبرروا بها حروبهم وغزواتهم.
من المؤسف جدا ان نرى، اسلوبا بدويا متخلفا مثل هذا مازال له تاثير كبير في فقدان الانسان لتوازنه وخروجه عن طوره، وتهوره في ارتكاب حماقات قد تكلفه ليس حياته فحسب، بل حياة كل من حوله، ويندم يوم لا ينفع الندم. نفس الاسلوب المتخلف كان يستعمله العرب قديما عندما كانوا، يخرجون الى الحروب والغزوات، فتراهم يأخذون نسائهم معهم لسببين رئيسيا، الاول انهم لا يستطيعون الاستغناء عن الجنس، العقدة الاهم في حياتهم، والثاني هو استبسالهم في القتال من اجلهن لكي لا يذهبن فريسة للاسر والاغتصاب، وهذا يذكرني بالطرق التي يتبعها بعض الصيادين لاصطياد بعض الحيوانات بواسطة اغرائها بالانثى، ان سبب هذا التصرف حسب وجهة نظري هو عدم عدالة القضية الحقيقية التي خرجوا يقاتلون من اجلها، وكلنا يعلم ان من لا يقاتل من اجل قضية يكون موقفه ضعيفا، لذلك اخترعوا لانفسهم قضية وهمية يبررون بها قتالهم.
احاول من خلال هذا البحث، ان ادرس الظاهرة من منظار آخر غير ذاك الذي فرضوه علينا في مناهجنا الدراسية، مع قليل من التحليل والاستنتاج.
لقد احتل العرب هضبة الاناضول (آسيا الصغرى) في زمن الخليفة عمر بن الخطاب عام 641م، وكان اول هجوم على عمورية في العام 644م، ولكنهم فشلوا في احتلالها، وتمكنوا من السيطرة عليها لاول مرة في زمن الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان في عام 668م، ولكن احتلالهم لها كان قصيرا جدا فسرعان ما استعادها اليزنطيون مرة اخرى. وفي عهد الخليفة الاموي سليمان بن عبد الملك كانت هناك محاولة لاحتلال المدينة في عام 616م، ولكنها فشلت على يد الامبراطور البيزنطي ليو الثالث.
وفي زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد، كان هناك هجوم فاشل على المدينة في العام 796م، وكانت هذه هي اخر المحاولات الاسلامية لاحتلال عمورية، قبل ان تدمر على يد المعتصم.
لم يبق من مدينة عمورية اليوم الا خرابة، تقع على بعد 12 كيلو مترا من مدينة عمرداغ التركية على الطريق المؤدي الى يوناك.
بقايا مدينة عمورية
بقايا مدينة عمورية
فتح عمورية
لم يكن فتح عمورية بسبب هذه القصة الخرافية التي يحكيها لنا العربان، بل كان للاسباب الرئيسية التالية:
ـ انتقاما لاحتلال البيزنطيين لمدينة زبطة مسقط رأس الخليفة المعتصم، والذي حدث قبل عام فقط من فتح عموريا.
ـ الغنائم والجواري.
ـ تعتبر مدينة عمورية من اهم المدن الستراتيجية المهمة عند البيزنطيين، فلقد كانت محصنة تحصينا جيدا وبسور يحيطها بالكامل، ولقد فشل المسلمون من احتلالها ولمرات عديدة كما اشرنا الى ذلك سابقا.
ـ تحريض قواد الجيش (الاتراك) للمعتصم بسبب الثارات والمعارك المستمرة بين الاتراك والبيزنطيين.
حاول الخليفة المعتصم استشارة العرافين وقارئي الطالع، الى ان اكدوا له ان النحس سوف يكسر فيما لو حاول فتحها في هذا العام 838م، فلم يكذب المعتصم خبرا، واعد العدة وخرج بجيش قوامه تسعون الف مقاتل، ولم تسقط المدينة الا بعد ان تم محاصرتها لمدة 55 يوما وضربت بكافة انواع الاسلحة من مجانق وغيرها، ولم تستبعد المصادر التاريخية نظرية المؤامرة في اسقاطها. ثم دخلوا المدينة وقتلوا منهم ثلاثين الفا، ودمروها تدميرا كاملا، وبعدها نهبوا ما نهبوه اقصد غنموه ـ حتى ابواب المدينة ـ وسبوا منهم ثلاثين الفا الى مدينة سامراء وكان بينهم 42 من نبلائهم، الذين اعدموهم فيما بعد في العام 845م، وبقي هؤلاء لهم قدسيتهم في العقيدة الكاثوليكية حيث اطلق عليهم "الشهداء الـ 42".
مخطوطة بيزنطية تعود للقرن الثالث عشر الميلادي تصف حصار عمورية عام 838
فهل من يذهب الى مدينة ويدمرها هذا التدمير الوحشي ويتركها انقاضا، يمكن ان نسميه فاتحا؟
نتابع في السطور القادمة بعض المحطات في حياة المعتصم، الخليفة العباسي الثامن، وسوف نلاحظ ماكان يملك من سيئات قد غفرها له الناس ولم يغفروها لغيره.
هو أبو إسحاق محمد بن الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة، وامه هي جارية تركية من جواري الرشيد اسمها ماردة
الامية والجهل
يحكى انه كان لا يحب العلم والتعلم، فلقد كان يدرس مع غلام في الكتّاب، فمات الغلام، فاخبره ابوه الرشيد بذلك، فقال له المعتصم، لقد مات وارتاح من الكتاب، فقال له الرشيد لا اجبرك على شيء تفضل الموت عليه، فبقي دون تعليم، وهناك روايات كثيرة عن استعصاء الكلمات العربية عليه، حتى انه لم يجد من حوله من يستطيع شرحها له، فكل حاشيته تقريبا من العنصر التركي، وفي احدى المرات عصت عليه احدى الكلمات فسال كاتبه وجميع من حوله فلم يعرفوها، واخيرا سال الطباخ فعرفها فعينه وزيرا.
جبروته وظلمه
وكان من أشد الناس بطشاً، إذا غضب لا يبالي من قتل، كان يجعل زند الرجل بين إصبعيه فيكسره، وقال ابن أبي دؤاد كان المعتصم يخرج ساعده إلي ويقول يا أبا عبد الله عض ساعدي بأكثر قوتك فأمتنع فيقول إنه لا يضرني فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلا عن الأسنان، ولقد هجاه الشاعر دعبل الخزاعي بالابيات التالية:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة وما جاءنا عن ثامن لهم في الكتب
وكذلك أهل الكهف في الكهف سبعة كرام إذا عدوا وثامنهم كلب
على إني أعلي كلبهم عنك رفعة لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبها مطالع الشمس قد يغص بها الشرب
وهمك تركي عليه مهانة فأنت له أم وأنت له أب
وهذه الابيات وحدها كافية لتروي لنا طبيعة الحياة التي عاشها الناس في كنفه، فلقد وضع الشاعر الخليفة المعتصم بمنزلة اقل من منزلة الكلاب، كما لاحظنا.
ويروى عن المعتصم أنه اعتنى باقتناء الترك فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم وبذل فيهم الأموال وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب فكانوا يطردون خيلهم في بغداد ويؤذون الناس وضاقت البلاد فلقد عاثوا في الارض فسادا ولم يسلم منهم احد حتى اجتمع اهل بغداد للمعتصم يشكوه، وهددوه بان يحاربوه، فاضطر اخيرا ان يرحل بهم الى سامراء وبنى لهم مدينة وحدهم يسرحون ويمرحون بها فانتقلت عاصمة الدولة ولاول الى هناك، واتعجب هنا ان يسمع المعتصم هذه المستغيثة التي نادته من عمورية على بعد مئات الكيلومترات منه، ولا يسمع نداء المغتصبات والمباحة اعراضهن من قبل جنوده في بغداد التي لا تبعد سوى امتار عن قصره، ولكننا تعودنا على هذه الازدواجية من حكامنا.
اما عن رجال الدين وظلمهم وتعذيبهم فحدث بلا حرج، وسنكتفي بحادثة تعذيب المعتصم لاكبر فقيه عرف في زمنه وهو احمد بن حنبل، الفقيه المعروف الذي يسير على فقهه الكثير من المسلمين، ففي موقف مروع يزدحم الناس ليشاهدوا مشهدا رهيبا، الخليفة على كرسيه، ويقف أحمد بن حنبل بين يديه والسيوف قد جردت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نصبت، والسياط قد طرحت، فيطلب منه المعتصم القول بخلق القرآن فيرفض، ثم يقول له ابن ابي دُؤاد : اقـتله حتى نستريح منه ، هذا كافر مُضِـل، فيوافقه على ذلك ولكن بالسياط الموجعة، وهذا اكبر دليل على سادية هذا الرجل، فهو يتلذذ بتعذيب الناس، حاله حال كل الطغاة والمجرمين، ويستمر الضرب وتزداد شدته، وتسيل الدماء حتى يقع احمد بن حنبل على الأرض في غيبوبة، لا يدري ما يفعلون به.
وعندما تعود لأحمد ذاكرته،يتقدم إليه ابن أبي دؤاد، قائلا: يا أحمد قل في أذني القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة؛ فيقول له أحمد: يا بن أبي دؤاد قل في أذني القرآن كلام الله وليس بمخلوق حتى أخلصك من عذاب الله عز وجل، فيقول المعتصم: أدخلوه إلى الحبس، فيحمل إلى الحبس وينصرف الناس.
مثليته وشذوذه!
قبل ايام نزلت علي الشتائم من كل صوب وحين، عندما كتبت انتقد السكوت على الجرائم التي تقترف بحق بعض المثليين في العراق، بعد ان قام الناس بقتلهم، متجاوزين كل القوانين وبسكوت متعمد من قبل الحكومة والشعب في نفس الوقت، نعم هذا جائز لو كان المثلي او الشاذ هو صعلوك من الصعاليك ولكن عندما يكون خليفة رسول الله فالامر يختلف، فمن حق هذا الملك اقتناء ما شاء من الولدان والتمتع بهم او معهم انى شاء.
فلقد أخرج عن محمد بن عمر الرومى : كان للمعتصم غلام يقال له عجيب لم ير الناس مثله قط، وكان مشغوفاً به فعمل فيه أبياتاً ثم دعاني وقال، قد علمت أني دون أخوتي في الأدب لحب أميرالمؤمنين لي وميلي إلى اللعب وأنا حدث فلم أنل ما نالوا وقد عملت في عجيب أبياتاً فإن كانت حسنة وإلا فاصدقني حتى أكتمها ثم أنشد شعراً
لقد رأيت عجيبا يحكي الغزال الربيبا
الوجه منه كبدر والقد يحكي القضيبا
وإن تناول سيفاً رأيت ليثاً حريبا
وإن رمى بسهام كان المجيد المصيبا
طبيب ما بي من الحب فلا عدمت الطبيبا
إني هويت عجيباً هوى أراه عجيبا
فحلفت له بأيمان البيعة أنه شعر مليح من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء فطابت نفسه وأمر لي بخمسين ألف درهم. فهذا المتخلف الامي الذي لا يجيد العربية، فجأة وبقدرة قادر تتفتح قريحته شعرا على غلامه المتيم. فهنيئا لكم شواذكم من اولياء اموركم وملوككم وسحقتم امة ضحكت من جهلها وتخلفها كل الامم.
المراجع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) مقدمة ابن خلدون
2) الطبري ـ تاريخ الرسل والملوك
3) تاريخ الخلفاء للسيوطي
4)( The Amorium Excavations Project (http://www.amoriumexcavations.org/index.htm
5) الكامل لابن الاثير
6) المنهج الاحمد لابي اليمن العليمي
التعليقات (0)