لم يتجاوز الثلاثين من عمره وكان قد سقط معظم شعره فلم يبق ألا دائرة من الشعر أسفل جمجمته من الخلف وخلف أذنيه وأما باقي رأسه فقد أصبح أملس لامعا يعكس كل أنواع ألإنارة من ضوء الشمس وحتى ضوء أصغر شمعة . كان أحد زملائنا في العمل وكنا نتندر بصلعته ولا يسع الواحد منا إل أن تنفرج شفتاه إما عجبا أو لسبب ما عندما نراه وكان ذلك يغيظه كثيرا وخاصة أن بيننا بعض الزميلات وهو لم يتزوج بعد فكان أولا يحاول أن يطيل شعره الباقي إلى أبعد حد ثم يحاول فرده على قرعته ولصقه بشيء ما ومع ساعات النهار ينفصل بعضه ويتدلى خلف أذنيه ويبقى مكانه دون شعر فكنت أتصور أن قطا قد عبث بشعره أو أن سيلا تشعب وجرف بعض شعره وترك البعض ألأخر أو أنه فتاة أفريقية ظلت طول الليل تجدل شعرها في ضفائر رفيعة ولكن ما إن تخرج وتهب ريح حتى تنتثر الجدائل ويتبعثر الشعر ، كان يقف بدورة المياه لفترات يحاول إعادة ترتيب شعيراته ولكن عبثا ما إن يخرج حتى تعود لتتبعثر ولسان الحال يقول وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.
يوم مناسبة ميلاده كتب أحد ألأصحاب وبمعرفتنا أبياتا من الشعر نقلها من مكان ما ووضعها في مغلف وكتب عليه إهداء من الزملاء ووضعه على مكتبه وكذلك بطاقة معايدة من أفلام الكرتون عليها صورة بباي وتحت الصورة أبيات الشعر.
لصديقنا في رأسه صحراء جفت فلا عشب بها أو ماء
تزداد ما ازداد الزمان مساحة وصديقنا من كبرها مستاء
فكأنها البيداء من بعد الوغى خليت فما عادت بها أحياء
بالشمس تلمع أو بنور يراعه مثل المراية أو صحيفة باء
فلما وصل ورأى المظروف فطن للملعوب فأخذ الظرف ورماه في سلة القمامة دون أن يفتحه ، وأغلب ظني أنه غافلنا وقرأه .
التعليقات (0)