كان يعمل معنا عامل نشيط متقدم في السن ، وكان يلف رأسه بكوفية دائما ولا يظهر منها إلا دائرة وجهه ، وبحكم عملي كان لي اتصال مباشر معه وكنا أثناء ألاستراحة نتحدث بأمور شتى حول العمل والحياة ، ويوما كنا نشرب الشاي فبادر في الحديث وقد كان حديثه فكها مسليا ومعظمه عن حياته داخل بلده في فلسطين المحتلة ، فسألته لماذا يضع الكوفية بهذا الشكل مع أن الوقت صيفا والحرارة شديدة ، فتفاجأ وقطع حديثه ونظر إلي مليا والأسى باد على وجهه وقال : يا معلمي ألأفضل أن لا تعرف ، ولم ألح عليه . وفي اليوم الثاني وكأنه عز عليه أن يحمل همه لوحده ، فلما جلسنا في ألاستراحة قال : يا معلمي ، هل تريد أن تعرف حقا لم أضع الكوفية دائما ، فقلت : كما تريد أنت فقال انظر ، ورفع الكوفية وأدار جانب وجهه وإذا هو بأذن واحدة وأما الثانية فكانت مقلوعة وكأنها لم تكن لولا الفتحة التي تدل على مكانها وكأنها حفرة صغيرة في رأسه ، فقلت هكذا إذن قال نعم وسأروي لك سبب ذلك قال : كنت ونحن في داخل البلاد وفي عز شبابي قويا ويهابني الناس وأشكل فتوة بلطجيا ولا أترك أحدا من شري ، وكان يطلب مني أعمال غير جيدة مقابل أجر فأعملها دون أن يجسر أحد أن يقف في وجهي . ويوما جاءني رجل من قرية مجاورة وقال لي هل تعرف البلد الفلاني ، قلت نعم . قال : أريد منك أن تذهب إلى بيت في تلك القرية وستجد كل أبوابه مفتوحة وأريد منك أن تدخل إلى غرفة نوم صاحب البيت فستجده نائم هو وزوجته وقد وضع في الفراش بينهما بندقية ، فأريد منك فقط أن تحضر لي البندقية وهو يترك أبواب داره مفتوحة عزة وأنفة ولاعتقاده أن أحدا لن يجسر أن يدخل بيته فأنا أريد أن أكسر نفسه وأفهمه أنه مهما كان حريصا فلا بد أن يقع ووعدني بمبلغ من المال عند عودتي .
وذهبت في الليل وفعلا وجدت باب ساحة البيت مفتوحة إلا من باب صير لمنع الحيوانات التي بالساحة من الخروج فقفزت عن باب الصير ودخلت الساحة وبها الكثير من الغنم والبقر وعدد من الخيول وصعدت الدرج إلى الطابق العلوي حسب ما وصف لي الذي أرسلني ودخلت غرفة نوم الرجل فإذا هو كما وصف لي ينام مع زوجته في سرير وبينهما البندقية مددت يدي وأخذتها ثم رأيت صيغة الزوجة على طاولة فأخذتها أيضا وخرجت وأنا أقول هذا هو صاحب العزة والله إنه ينام ويشخر مثل دب . ومشيت أريد قرية الرجل لأسلمه البندقية وآخذ أجري ، وفي واد بين القريتين وتحت شجرة تميل على الطريق وأنا أتخبط في الظلام وإذا بشيء يمسك بي من كتفي ويثبتني حاولت الفرار ولكنه قفز علي وألقاني أرضا وأخرج حبلا وربط يداي خلف ظهري ثم أوقفني وقال لي : تدخل بيتي وتكشف حريمي وتسرق بندقيتي ومالي والله أنك تستحق الموت ولكن إن قتلتك لن تشعر إلا بألم القتل ولكن ..... وسكت قليلا وفك قيدي وقال : سأضع فيك علامة كلما تراها ستذكرني . فقلت له ولماذا لم تمسك بي وأنا في بيتك ، فقال : ويقول الناس أن كلبا مثلك دنس داري لا والله لا يجوز . ثم مد يده نحوي وأمسك أذني وقلعها مثل ما يقلع الجزرة وناولني إياها ، وأخذ بندقيته وصيغة زوجته وتركني أداوي جرحي ورجع لداره .
التعليقات (0)