مواضيع اليوم

ـ قصة من ألأدب الصيني ـ ترويض صقر ـ

عوني قاسم

2012-10-19 10:54:58

2

لم يستطع كاتب الحوار العجوز ( تشين ) مقاومة ألإجهاد فتهالك جالسا على أقرب مقعد. فالحوار الذي قدمه تداولته أيد عدة فقد قرئ بدقة وانتقد وصحح وعدل ورفض وقدم مرة أخرى ونوقش ونقح وانتقد ثم تمت الموافقة عليه بعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وثلاثة أيام وثلاث وثلاثون مناقشة مختلفة. فوجد ( تشين ) نفسه محاطا بجمع من الناس كل يدعى انه شريك في النص بعد ان كان هو المؤلف الوحيد لعمله . وبفضل جهد كل هؤلاء الشركاء شرع أخيرا في تصوير الفلم .
كان العجوز تشين قد مل وشارف على حافة ألانهيار فقرر ان يأخذ إجازة ويسافر إلى سهول ( منغوليا ) لتجديد نشاطه باستنشاق الهواء النقي ورؤية السماء الزرقاء والسحب البيضاء والعشب ألأخضر على مد البصر والصقور المحلقة بكامل حريتها ، فلربما أنعشه البعد عن العمل وعن المدينة . فهناك هي الحياة ألأصيلة. تعرف فور وصوله على الصياد ( زهاولين ) ذلك الصياد العجوز الذي يسكن بيتا مربعا واسعا على النمط ( البكيني ) حتى انه يظن من ينظر للبيت أنه في ضواحي العاصمة ( بكين ) ، ولكن العجوز ( تشين ) كان يفضل العيش في خيام جلود الثيران المنغولية المفروشة باللباد محلي الصنع والعربات التي تجرها الثيران . كان ( زهاولين ) يخرج للصيد كل يوم راكبا فرسه وصقره يقف على قبضة يده ، وهو صقر قوي قادر على اصطياد أي شيء ، ألأرانب والثعالب وصغار الغزلان والذئاب وتساءل العجوز ( تشين ) ما دام الصقر قادر على اصطياد أي شيء فلماذا يقبل ان يقدم له هذا القدر القليل من الطعام ؟ ، لماذا لا يستأثر بكل ما يصيده ؟ لماذا لا يأكل ما أقدمه له أنا ؟ فرد ( زهاولين ) بنبرة فيها الكثير من الفخر ( لأنه صقر مروض ) لا يأكل إلا من يدي فهو لا يعرف إلا أنا .
ذات يوم رأى العجوز (تشين ) مضيفه يأخذ كمية من أحشاء ألأرانب ويربطها بسلة بخيوط القنب القوية ثم يضعها على سطح منزله فسأله ( تشين ) ماذا تقصد من عملك هذا ؟ فأجابه ( زهاولين ) وهو يغمز بعينه : لقد شاخ صقر صيدي . وبعد حين شوهد صقر شاب يحوم في المكان ، في البداية اكتفى بمراقبة السلة من بعيد وفجأة انقض كطائرة حربية كاشطا ما على السطح حاملا ألأمعاء والسلة الكبيرة ومرتفعا بها بالهواء . لقد وقع الصقر بالشرك حيث اشتبكت مخالبه في فتحات السلة وراحت خيوط القنب تلتف عليها كلما حاول الصقر التخلص ، ومع ذلك فقد دفعه الغضب والجوع إلى ألاستمرار في التحليق دون توقف ودون عناء ولكن السلة حجبت عنه الرؤية فلم يعد قادرا على تمييز أي شيء تحته لا القرى ولا السهول ولا ألأشجار فاستمر بالتحليق وشيئا فشيئا راح يفقد قوته وبلغ ألإعياء به فأسبل ذيله وجناحيه وهوى على بعد ماية متر من بيت الصياد فخلصه الصياد من السلة وامسك به وربطه على مجثم معلق في الهواء وكأنه ميزان صغير مما اضطر الصقر رغم تعبه وحاجته للراحة للتشبث بمجثمه بكل ما بقي عنده من قوة ناشرا جناحيه للمحافظة على توازنه . وفي الليل أضاء الصياد مصباحا قرب المجثم مما أبقى الصقر على وضعه ولم يكن باستطاعته ان يرتاح ولا ينام . هكذا بدأ الترويض . وفي الصباح وجد الطائر صعوبة في ان يرتاح فما أن يضم جناحيه ليريحهما تنهال عليه فرقعات صوت الصياد فيفرد جناحيه ويحاول ان يتفادى الضربات وبعد اليوم الثالث بلغ الطير من الإرهاق شدته وقد تغير لون عينيه أما معدته فلم تعد قادرة على مقاومة الجوع وراح يطلق صيحات الم فاتحا منقاره باستمرار طالبا الطعام . كانت تلك هي اللحظة التي تدخل بها جار الصياد فقد ألقم الطائر كرة من خيوط القنب مغموسة بزيت السمسم ابتلعها الطائر دفعة واحدة وكان طرف خيط الكرة بيد الجار وما إن استقرت الكرة ببطن الطائر حتى اخذ الرجل يسحب الخيط مما سبب الكثير من ألألم للطائر وتكررت العملية من جار آخر وآخر ، وتعرف الطائر عليهم ولم يعد يقبل طعاما من إنسان رغم جوعه، عندها ظهر ( زهاولين ) ليبدي للطائر كبير شفقته وعطفه وفتح منقار الطائر وألقى فيه قطعة لحم ضأن طازجة ما تزال تقطر دما وتكرر ألأمر ومنها اخذ الصقر ينظر إلى سيده الجديد نظرة المعترف بمنته عليه وكأنه المنقذ له من مصير محتوم . وهكذا تحول الصقر المتوحش إلى صقر صيد مطيع يرافق سيدة للصيد كل يوم وكما أحس بالجوع استعجل العودة إلى مجثمه لأنه لم يعد يثق في أي غذاء إلا ما يقدمه له مدربه وسيده الذي ابعد عنه الم كرات القنب بزيت السمسم .
مات الصقر العجوز للصياد ( زهاولين ) فحنطه وباع جثته لأحد المتاحف ، أما الكاتب السينمائي العجوز ( تشين ) الذي كان قد استعاد نشاطه فيبدو انه أدرك شيئا ما من تجربة الصقر فغادر السهل عائدا إلى العاصمة .
 

 




التعليقات (2)

1 - بالتاكيد

عوني عارف - 2013-09-30 15:38:39

اخ عوني فعلا بالغذاء مقابل العمل والى اخره من المسميات هناك من استطاع ان يرودنا لك خالص تحياتي

2 - خاف على نفسه

رضا التونسي - 2013-10-01 21:01:47

تشين الذي استعاد نشاطه يبدو أنه أدرك شيئا من تجربة الصقر ... يعني أنه خاف من الموت وخاف أن يحنط جثته ذاك العجوز زهاولين ويبيعها للمتحف ههه

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !