حقا إن الذي لا يعمر الحب قلبه ليس جديرا بالحياة ، إن حب الله هو الذي يعمر القلوب وما دمنا نحب الله فليس صعبا أن يحب بعضنا بعضا ، هذا ما كان يردده ( سيمون ألإسكافي ) الفقير عندما ترك قريته وراح يضرب في فضاء الله حتى وصل هذه القرية التي جاد عليه أهلها ببيت أقام فيه مع أسرته وراح يعمل بمهنته واحدث نوعا من الحركة بين جيرانه الفقراء فقد راح يصنع لهم ألأحذية ولا يطالبهم بالدفع فورا وإنما عندما يتوفر لديهم المال ، وكان سيمون بطبعه كريم النفس حسن المعشر فأحبه الناس وأصبح كأنه فرد منهم .
مع قدوم الشتاء وعد سيمون زوجته أن يشتري لها معطفا رخيصا ولم يكن لديه مال فخرج يطلب من مدينيه فاعتذروا بفقرهم ولم يحصل على شيء يشتري به المعطف فقرر العودة إلى بيته والألم واليأس ينغصا عليه يومه ، وفي الطريق مر على مقبرة القرية فجلس وأسند ظهره لجدار ليستريح فرأى هيئة آدمي لا يغطي جسمه شيء ينظر إليه وينطلق من عينيه بريق حائر أخاف سيمون ، فحاول أن يبتعد ولكن كأن قوة خفية ثبتت رجلاه إلى ألأرض فتقدم من ذلك الجسد العاري وهو يحدث نفسه بشفقة ترى من يكون هذا المسكين وكيف يحتمل كل هذا البرد عاريا وخلع معطفه البالي وغطاة وقال له هيا بنا إلى البيت فالبرد قارص هنا ، ولكن من تكون وما الذي أتى بك إلى هنا ، وما اسمك ؟ فرد الرجل إنه ليس من هذه القرية وإن اسمه ( مايكل ) ولم يقل شيئا زيادة فاحترم سيمون رغبة الرجل وصحبه إلى بيته .
في البيت كانت زوجة سيمون تنتظر المعطف وتهيئ نفسها لذلك ، فلما سمعت صوت قدومهما أطلت فرأت زوجها ومعه رجل آخر فتساءلت من يكون هذا ولما رأت زوجها لا يحمل شيئا غضبت وراحت تلعن في صمت ولم تستجب لنداء زوجها عندما ناداها ان تعد لهما الطعام فإن معه ضيف ، ولما ألح اندفعت ثائرة ، طعام أي طعام ، لقد التهم ألأولاد كل ما لدينا ثم أردفت ما هذا ؟ وقد رأت معطف الزوج يلبسه الضيف ، لن أعد الطعام بل لم يعد لي رغبة بالبقاء معك . فقال الزوج : اتقي الله يا امرأة واسمعي إنه ليس في ما فعلته شرا ، اهدئي قليلا واصمتي وأعدي لنا شيئا نأكله فالضيف جائع ، وسالت الزوجة الضيف ما الذي أتى بك ؟ فرد إنه قدري وصمت ولم يزد فأدركا ان في أمر الضيف سر يريد إن يحتفظ به لنفسه فاحترما رغبته وأعدت الزوجة الطعام ولما أكل الضيف أول لقمة ابتسم ، ثم أعدت الزوجة مكانا ينام فيه الضيف قرب الموقد .
في صباح اليوم التالي سأل سيمون الضيف ما باستطاعته أن يعمل فهم فقراء ولا بد أن يعيل نفسه إذا أحب ان يبقى عندهم فقال انه لم يمارس عملا في حياته فقال سيمون انه سيعلمه مهنة صنع ألأحذية ويصبح إسكافا مثله فوافق الضيف على الفور وراح من وقتها يتعلم المهنة فأتقنها في مدة بسيطة وأصبح مميزا بدقته وسرعة إنجازه ، وذات يوم وقفت أمام حانوت سيمون عربة فاخرة ونزل منها سيد وقور ومعه السائق يحمل لفافة من الجلد الفاخر وقال السيد لسيمون : أريد منك ان تصنع من هذا الجلد حذاء لا يبلى قبل سنتين قال ذلك ومايكل ينظر خلف السيد ويطيل النظر ثم يبتسم . وما أن غادر السيد حتى شرع مايكل في صنع حذاء نسائي من قطعة الجلد واعترض سيمون وأصر مايكل ، وفي صباح اليوم التالي وقفت نفس العربة ونزل منها السائق وقال للأسف فقد مات السيد بعد مغادرتنا مباشرة لذا سيدتي تطلب منكم صنع حذاء لها يناسب مقاس قدميها وهذا مقاسهما ، ونظر سيمون إلى زوجته بدهشة فقد كان مايكل أنهى عمل الحذاء حسب المقاس المطلوب فأخذه السائق وذهب .
ومرت سنوات وبينما كان سيمون ومايكل منهمكين في العمل إذا سيدة أنيقة تدخل عليهما الحانوت ومعها طفلتان تشابهت ملامحهما فقد كانتا توءمين غير ان أحداهما كانت عرجاء فقالت السيدة أنها تريد منهما ان يصنعا أحذية لهاتين الطفلتين فرد سيمون انه ليس من اختصاصهم صنع أحذية للأطفال ولكن مايكل أشار إليه أن يقبل وسأل سيمون السيدة هل هما طفلتاها فردت لا ولكني احبهما كما لو كانتا طفلتي فقد كان أباهما حطابا مات قبل ولادتهما بأسبوع ثم ماتت أمهما بعد ولادتهما مباشرة ولم يكن لهما أقارب فتوليت أنا وزوجي رعايتهما قالت ذلك وقد دمعت عيناها وكان مايكل يسمع ولا يشارك بالحديث ولكن بعد سماع قصة الطفلتين ابتسم ابتسامة ظاهرة وطلب من السيدة ان تنتظر قليلا ريثما ينهي العمل والذي أنهاه بسرعة ودقة عجيبة وسلم الحذاءين للسيدة وغادرت المكان عندها نهض مايكل وخلع رداء العمل وانحنى احتراما ، وقال لسيمون وزوجته : ألآن اسمحا لي ان أودعكما الوداع ألأخير وقد تحقق ما وعدني الله به وأحس انه غفر لي ، ألم اقل لكما ان قدري هو الذي ساقني إليكم ، ولكن قبل أن أغادركم أريد أن أكشف لكم سري ، لقد عاقبني الله لأني عصيته فأنا في الحقيقة ( ملاك ) كلفت أن أقبض روح أم الطفلتين اللتان كانتا مع السيدة ولما تجليت لها توسلت لي أن أدعها تعيش حتى ترعى طفلتيها اليتيمتين وشفقة عليها عدت إلى السماء دون تنفيذ ألأمر وكان غضب الله علي ، ولكن ذلك لم يعفني من العودة ثانية لقبض روح هذه ألأم وبعدها لم استطع الصعود إلى السماء لأني فقدت جناحي غير ان الله حين فرض علي العقاب شملني برحمته واوعدني بإرجاعي ملاكا بعد أن أتبين حقائق ثلاثة ، فسأل سيمون وهل تبينتها ؟ فرد مايكل : نعم وخلال بسماتي الثلاث ألأولى حين أطعمتني زوجتك رغم غضبها وفقركما ، والثانية حين أصر الرجل ان لا يبلى حذاءه قبل سنتين وكنت أرى ملاك الموت يقف على رأسه والثالثة عندما روت السيدة قصة الطفلتين التي كانت أمهما تخشى عليهما من الضياع وسخر الله هذه السيدة لترعاهما . وما إن أتم مايكل كلامه حتى ذكر اسم الله بصوت اهتزت به جدران المكان وظهرت هاله نور فوق رأسه وفرد جناحيه وارتفع ... لقد بدأت حقا رحلة عودته إلى السماء ... !!!!
التعليقات (0)