قبل ثلاثين سنة كنت أينما ذهبت في محيط قريتنا صيفا أو شتاء تجد اسراب الطيور بمختلف أنواعها وكان ذلك بسبب توفر المياه في جداول ووديان معروفة بدوام تدفق ماءها مع العلم أنها تقل في أواخر أشهر الصيف حتى أنها تكاد تجف ولكن يبقى برك في مجاري الوديان تتجمع فيها المياه ، فتأتي الطيور على هذه البرك بألآف وخاصة في وقت الظهيرة وكان أكثر الطيور عددا هو طائر الحسون والذي تشتهر به بلادنا فيجتمع رفوفا عدة تطير متتابعة بأصواتها وألوانها المميزة وتأكل هذه الطيور بذور النباتات الشوكية بعد جفافها فتراها تحط وتعبث بزهرة النبات وكأنها تيجان درر تعكس الشمس ألوانها وتخرج الطيور الحب وتكسره بمناقيرها وتأكل اللب وقد أطلق البعض عليها إسم طقاق الشوك . كنا في فترة تعشيشها نرى ألأعشاش على أشجار اللوزيات وكأنها كؤوس فضة وترقد ألأنثى على البيض بالعش ويقف الذكر على أعلى شجرة أمامها ويغرد ألحانا شجية تميزة عن غيره من الطيور . وبدأت الوديان تجف وكذلك البرك إلا من بعضها وبدأت رفوف الحسون بالتناقص ولأكتمال المصيبة فقد صار يحضر إلى تلك البرك بالصيف بعض الصيادين لصيد طيور الحسون وبيعها لحبسها في أقفاص داخل البيوت للزينه وراحوا يستعملون كل أنواع المصائد من شباك ومواد مخدرة وخلال سنوات قلال أصبح طائر الحسون نادر الوجود في منطقتنا كلها ولا يرى منه إلا اعداد قليلة في الوديان والحقول ثم فقد نهائيا . ويوما سمعت قي حديقة بيتنا وخلال اول فصل الربيع صوت طائر الحسون المميز فخرجت إلى الحديقة وإذا زوج حسون يبني عشا على شجرة رمان قريبة من شباكنا وكأنها تحتمي بنا ، فرحت أراقب بناء العش واكتمل العش وكان بالفعل كأنه كأس فضة وباضت ألأنثى فيه اربع بيضات خضراء اللون فوضعت وعاء ماء قريبا من الشجرة لأني أعرف أن الحسون يحب الماء ويستحم فيه وكذلك علفا من بذور عباد الشمس وهو طعام الحسون المفضل وصار الذكر والأنثى يتناوبان على ورود الماء وأكل الحب وكان الذكر يقف على شجرة مقابل العش مع طلوع الشمس وحتى ترتفع فتخرج ألأنثى للأكل ويرقد الذكر على البيض ولكن ليس لفترة طويلة ، ومع اقتراب موعد فقس البيض صارت ألأنثى ترقد معظم الوقت عليه حتى أنها عندما تريد أن تطير فإنها تعجز عن الطيران مباشرة .
صحوت يوما من النوم على صوت الطائر يغرد بتتابع غريب وكأنه يستغيث أزحت الستارة ونظرت ، كان هناك قطا ضخما يقف على الفرع الذي عليه العش والذكر يطير فوقه مرددا ، نظرت إلى العش لقد كان منفوشا ومسحوبا من مكانه فتحت الشباك فهرب القط خرجت ونظرت وفهمت الذي حدث . لقد تسلل القط الغريب إلى مكان العش وفاجأ ألأنثى وافترسها ولم أجد إلا بعض ريشها وعبث بالعش وأكل البيض لأنه قريب الفقس والذكر يرى ذلك ولا بيده حيلة إلا الرفرفة والزقزقة ، وجلست أراقب الذكر أو أشاركه في مأساته فوقف على الشجرة التي كان يقف عليها مقابل العش وشعاع شمس الربيع لم يصلها بعد وغرد لحنا لم أسمعه منه من قبل او هكذا خيل لي لقد كان لحنا وكأنه لحن ناي حزين ممطوط متطاول يصيب شغاف القلب ، ومع اول شعاع شمس وصل مكانه غرد لحنا طويلا ووجهه باتجاه الشمس ثم نظر نحو العش ثم انفلت طائرا ، ومن يومها لم أرى طائر حسون لقد كان طائر الحسون ألأخير .
التعليقات (0)