الصداقة من العلاقات ألإنسانية المقدسة عند الناس ولكن عندما تدخل المصلحة والأنانية فيها تتحول إلى سلعة وتجارة يصبح ألأمر فيها كما العرض والطلب وتبادل السلع والكسب . فكم أنا استفيد منك أُطور علاقتي معك ، وفي حالة عدم وجود مصلحة ومنفعة مادية فلا علاقة بيننا ، وإن كانت فهي جافة كرياح الخماسين .
أقول هذا وأنا أتذكر عبرة قرأتها من كتاب ( كليلة ودمنة ) . تدل على ذهاب الصداقة ببروز المصلحة والتفكير بالمنفعة وما يصاحب ذلك من غدر الصديق المنتفع . فقد كان يعيش في جزيرة عائلة من القرود وكان بالجزيرة الكثير من ألأشجار المثمرة من بينها شجرة تين على شاطئ الجزيرة تتدلى أغصانها بالماء وكان القرد الكبير من العائلة يصعد الشجرة العالية ويقطف التين الناضج ويلقي به إلى باقي أفراد عائلته فيأكل الجميع ويمضون يومهم باللعب على الشاطئ قرب شجرة التين .
ويوما وصل إلى شجرة التين ( ذكر سلحفاة ) وكعادة القرد صعد الشجرة وراح يرمي التين لمجموعته ، فسقط بعض الثمر في الماء فحسب ذكر السلحفاة أن القرد يرمي التين عمدا له . فعرض عليه الصداقة وبحسب طبع القرد المرح قبل الصداقة على الفور ، وصار ذكر السلحفاة يأتي كل يوم يأكل التين ثم يحمل القرد على ظهره ويدخل به الماء إلى الجزر القريبة فيصعد القرد على الشجر ويقطف ويكسر الثمر ويلقي به إلى ذكر السلحفاة . وطالت الصداقة بينهما . وصار ذكر السلحفاة يتغيب عن جزيرته وبيته وزوجته . وأحست الزوجة بالغيرة . وطلبت من ذكرها عدم الذهاب لجزيرة القرد ، ولكنه رفض ، فاستشارت الزوجة حكيم السلاحف فأشار عليها أن تتمارض وتقول لزوجها أنها لن تشفى إلا إذا أكلت قلب قرد ، ولما عاد الزوج وجد امرأته تئن وتبكي متظاهرة بالمرض الشديد وادعت أنها لن تشفى إلا إذا أكلت قلب قرد . فاحتار الزوج بالأمر ولم ينم ليلتها وهو يفكر، كيف سيخون صديقه القرد ، وإن لم يفعل فإنه سيخسر زوجته . ولكنه في الصباح ومع إلحاح زوجته ذهب إلى جزيرة القرد وأكلا ولعبا معا ، ثم أركب القرد كعادته على ظهره وراح يسبح به بين الجزر القريبة ولكنه في النهاية ابتعد عن جزيرة القرد وسبح عائدا بالقرد إلى جزيرته . ولما أحس القرد ببعده عن جزيرته سال ذكر السلحفاة أين يذهب به ؟ ولكن ذكر السلحفاة استمر بالسباحة حتى قرب من الجزيرة التي بها زوجته . ولكنه كان يبدو عليه الضيق والتردد وكأن أمرا يقلقه ، فسأله القرد ما به فباح ذكر السلحفاة بما ينوي وهو اخذ قلب القرد من أجل شفاء زوجته . وهنا فكر القرد سريعا وقدر موقفه الصعب وانه داخل البحر وهو لا يستطيع السباحة إن قفز عن ظهره بالماء وأن بإمكان ذكر السلحفاة أن يغوص به بالماء ويغرقه ويأخذ قلبه . عندها اظهر القرد ألأسف وقال لذكر السلحفاة : لماذا لم تخبرني بذلك ؟ فنحن القرود نترك قلوبنا في البيوت إذا خرجنا للعب وأنا ألآن دون قلب فأرجو أن ترجعني لجزيرتي حتى أحضر قلبي وأعود معك . فأنخدع ذكر السلحفاة بقوله وعاد به إلى جزيرته ، وعند شجرة التين قفز القرد إلى أعلى الشجرة وقال لذكر السلحفاة . هنا تعارفنا لما لم تكن للمصلحة بيننا مكان فإذا دخلت المصلحة فسدت الصداقة . ولهذا هنا سنفترق . وتركه وفر هاربا منه .
التعليقات (0)