لقد ابتكر ألإنسان الذي يعيش في الريف وطور وسائل وطرق استطاع أن يعيش من خلالها حياة كريمة ابعدته عن العوز والمجاعات فرضي بالكفاف وحمد الله على كل شيء فلو أنك دخلت أي بيت ريفي تجد فيه المواد التي تستعمل في وقتها الحاضر وكذلك المواد التي يمكن أن يعتاش منها طوال السنة ، فأنت تجد في أي بيت في الريف غنيا كان أم فقيرا ما تحتاجه ألأسرة من مأكل ومونة على مدار السنة فهي تخزن حاجتها من الجبن المغلي والجميد واللبنة بالزيت والسمن البلدي والزبد والكاورما وكذلك الدبس والعسل والمربيات وكذلك الفواكه المجففة من التين والعنب ( القطين والزبيب ) وكذلك المكسرات مثل اللوز والجوز وعلى رأس ذلك القمح لغذاء البشر والشعير لعلف الدواب التي يعمل والكرسنة والبيكا والذرة البيضاء وحب ذرة المكانس لعلف ألأبقار العاملة والحلوبة ولعلف الطيور الداجنة على اختلاف أنواعها والتي يشكل بيضها ولحمها طعاما مميزا في الريف وكذلك التبن والقش لإطعام البهائم ، والخضار المجففة مثل الثوم والبصل وقلائد الباميا المجففة والبندورة المملحة والمجففة بألإضافة إلى جرار وبراميل واوعية زجاجية تحوي مخللات ومكابيس الزيتون والفلفل والخيار والفقوس والبندورة الخضراء والجزر ومقدوس الباذنجان وكذلك الحبوب المجففة التي تلزم للطبخ كالعدس والحمص والفول بألإضافة للبرغل والفريكة والتي تحضر من القمح بعد حرقه وهو أخضر أوسلقه لتخضير البرغل منه وتدخل هذه الحبوب في معظم ألأكلات في الريف وعلى مدار السنة وهى تسمى لحم الفقير لما تحوي من بروتين ومواد مغذية .
وتحضر اللأجبان من حليب الضأن وحليب الماعز وحليب ألأبقار ، وفي العادة أن يتم خلط حليب الضأن مع حليب الماعز فينتج حليب متعادل البروتين والدسم ويكون اجود طعما ويسمى ( الحليب المشمول ) فيتم جمع الحليب بعد حلبه من القطيع ويصفى ويوضع في وعاء ويخلط ويسخن إلى درجة حرارة معينة دون الغليان ثم يبرد وتقدر حرارته عن طريق وضع ألإصبع به ، ثم يؤخذ كاس منه ويضاف إليه المادة المخثرة والتي تساعد على تخثير البروتين والدهن في الحليب والتي كانت تحضر من تجفيف المرحلة ألأولى من معدة خروف رضيع لم يرضع إلاّ حليب اللبا فقط وذلك بعد تجفيفها بالشمس وتسمى ( المساه ) أما اليوم فإن هذه المادة المخثرة تأتي على شكل أقراص مصنعة جاهزة وتسمى ( أقراص ألدورة ) ثم يضاف ما في الكأس إلى وعاء الحليب ويتم تحريكه وخلطه من أجل أن يتجانس وعلى الفور يتحول الحليب إلى قطعة صلبة واحدة متخثرة تسمى ( الجبن الحلو ) ثم يوزع في قطع قماش بيضاء نظيفة ثم تطوى قطعة القماش على الجبن من 10 إلى 12 سم وسمك من 2 إلى 3 سم وتعصر باليد ثم ترص القطع بين لوحين من الخشب وتوضع فوقها ألأثقال لربصها وضغطها فتتماسك ويخرج منها الماء الزائد ( الميص ) وتصبح على شكلها الذي نعرفه وتكون طرية نوعا ما ولكن متماسكة ثم تملح بشكل جيد وترص فوق بعضها حتى تتصلب ثم توضع في صفائح حديدية أو بلاستيكية وتُسوّق وعند خزنها يتم إعادة تمليحها ويقطع كل قرص إلى جزئين ويغلى ماء مملح حتى حد معين يعرف يلقى فيه بيضة نيئة فإذا طفت البيضة يعرف أن المحلول مناسبا ثم أثناء الغلي يضاف المحلب وهو حبوب مرة الطعم ولكن بها نكهة مميزة يكتسبها الجبن المغلي وكذلك حبوب المصتكى وهي صمغ بعض الشجر وتشبه رائحته رائحة صمغ الصنوبر واللبان فتعملان على شكل صرر صغيرة تربط ضمن خرق بيضاء تضاف إلى ماء الغلي والجبن قيه وبعد ان يغلي المحلول يوضع الجبن المقطع داخل وعاء الغلي ويبقى على النار مدة معينة يلين الجبن عندها من حرارة الغلي ولكنه يبقى محتفظا بقوامه وشكله ثم يرفع من ماء الغلي ويفرد على اوعية مفتوحة حتى يبرد ثم تضغط كل قطعة براحة اليد ويرتب في أماني الخزن وبعد أن يبرد ماء الغلي يصفى ثم يصب على الجبن حتى يغطيه فيحفظه بسبب الملوحة ثم يدق المصتكى ويضاف إلى ماء التخزين ويمكن أن تضاف حبة البركة إلى الماء وبين الجبن مع الاصتكى فتعطى الجبن طعم مميز ويمكن تطبيق هذه العملية على خزن جبن البقر ولكن جبن حليب البقر غير مرغوب فيه ولا يحتمل الخزن فترة طويلة ويباع عادة لمحلات الحلويات لعمل الكنافة منه ، وتعمل الكنافة من عجينة خاصة تخبز في اماكن متخصصة وتكون إما مفرومة ومضافا إليها السمن النباتي وتسمى عجينة ناعمة أو على شكل خيوط من العجين كما تخبز ، وعند عمل الكنافة الناعمة يشرى العجينة من السوق ومن ثم يفرم الجبن على شكل مكعبات صغيرة وتنقع في ماء فاتر ويبدل الماء عنها حتى زوال الملوحة منها فيصبح الجبن حلوا دون ملوحة ثم يفرد طبقة رقيقة من العجين على طبق من النحاس أو ألألمنيوم عالي الحواف نوعا ما يوضع عليه شيء من السمن المذاب المخلوط بالصبغة الخاصة المميزة وردية اللون ثم يفرد الجبن المحلى على وجه العجين بعد تعصيره من الماء ويشوى على كانون به جمر مشتعل ويلف الطبق حتى يتم قلي الكنافة من جميع جهاتها وقبل النضج يضاف طبقة رقيقة أخرى من العجينة فوق الجبن ومن ثم يقلب الجميع في طبق آخر فيكون اللون الوردى ظاهرا من ألأعلى ثم تعد إلى النار قترة قليلة ثم تنزل عن النار ويضاف إليها السكر المعقود ( القطر ) وتقطع وتؤكل . اما الكنافة من العجينة الخشنة وتكون على شكل خيوط من العجين فإنه يتم قلي الخيوط أولا حتى تصبح ذهبية اللون ثم تفرد على طبقتين ويكون الجبن المحلى في الوسط وتعامل مثل الكنافة الناعمة وبعضهم يلفها على شكل اسطواني وعلى مدار الطبق وبعضهم يعملها على شكل كعكات محشية بالجبن وموحدة الشكل واللون .
اما اللبنة فتعمل من اللبن الرائب ومن لبن الغنم أو البقر على السواء ولكن لبنة الغنم أجود حيث يوضع اللبن الرائب في كيس من القماش نظيف أعد خصيصا ويسمى ( كيس اللبنة ) ويعلق في مكان نظيف ويوضع تحته وعاء لتجميع الماء الذي يخرج من اللبن وبين الحين وألآخر يغسل الكيس من الخارج واللبن بداخله ثم يفتح الكيس ويقلب اللبن ويضاف إليه حاجته من الملح مع التقليب وعندما يفقد اللبن كمية من الماء الذي فيه يؤخذ الكيس واللبن بداخله ويكون اللبن قد أصبح متماسك القوام كالمعجون ثم يوضع بين لوحين من الخشب يوضع فوقها بعض ألأثقال لإخراج اكبر كمية من الماء منه ثم يؤخذ اللبن ويعجن بقليل من الملح ثم يعمل على شكل كرات بحجم حبة جوز او بشكل اصابع وبطول 4 سم ويحفظ في اوعية زجاجية ويغمر بزيت الزيتون لمنعه من التلف ولمدة طويلة وعند اكله يؤخذ عدد من الحبات وتعمل على شكل شطائر او غموس مع الزيت وتؤكل مع الشاي او مع سلطة الخضار على الفطور او العشاء . ويحضر اللبن الرائب بأن نغلي الحليب إلى درجة الغليان ويوضع في أوان زجاجية أو فخارية تسمى ( المَغاطيس ) أو ( البَقاليل ) حسب سعتها وحجمها ثم يخاف قليل من اللبن من يوم سابق تسمى ( الرّوبَة ) وذلك من أجل عملية التخمير وتوضع ألأواني في مكان دافيء وبعد ساعات يتحول الحليب إلى لبن رائب قارص الطعم وكلما ترك فترة أطول زادت حموضته فيصبح غير صالح للأكل وعليه يجب حفظ اللبن الرائب في مكان بارد بعد روبه . ويمكن أن يعمل من اللبن شراب أو أن يطبخ بة ومنه يمكن أن نستخلص ( الزبدة ) وهي أن بأخذ كمية من اللبن الرائب ونضعها داخل قرية من الجلد أعدت خصيصا لهذا العمل من جلد خروف او جلد جدي ونعلقها في سلم أو جذع شجرة ويصار إلى خضها وأرجحتها إلى الخلف وألأمام مع رجّّها اثناء عملية الخض ونتيجة لذلك يتكتل الدعن ويتجمع ويطفو على السطح ويأخذ على شكل زبد طازج ويضاف إليه شيء من الملح من أجل حفظه لحين استعماله وأما السئل الباقي فيكون قارص الطعم لبني اللون ولكنه قليل الدهن ويشرب إما لوحده او يضاف اليه قليل من الثوم المدقوق في الأيام الحارة وهو مفيد ولذيذ الطعم ويسمى ( المخيض ) وحيث انه لا يمكن حفظ الزبد فترة طويلة فإنه يتم تحويله إلى ( سمن بلدي ) ويتم ذلك بأن يضاف إلى الزبد كمية من الملح والبرغل ومادة ملونة كزهرة نبات العصفر او الكركم ويسخن على النار حتى يغلي ويفور فتعمل الحرارة على تعقيمه والبرغل على امتصاص الروائح الغير مرغوبة فيه والكركم لأكسابه لونه المميز وبعدها يصفى وهو ساخن ويحفظ كسمن بلدي مرغوب فيه لعمل المناسف والحلويات ويضاف إلى معظم ألأكلات الريفية لتطييبها .
أما الكاورما فكانت تعمل من فائض لحم ودهن الذبائح قي ألأعياد والمناسبات والتي يخشى من سرعة تلفها فتذاب الدهون في قدر كبيرة على النار ثم يضاف إليها قطع اللحم المفرومة بشكل مناسب ثم يغلى الجميع ويكثف على النار مدة كافية وتملح وتبهر ثم تصب في أوان زجاجية أو فخارية وتخرن لمدة مناسبة لحين إستعمال أجزاء منها حيث يتم إضافتها إلى الطبيخ او يقلى بها البيض والخضار ، وكان يعمل بهذه الطريقة قبل انتشار الثلاجات ووسائل التبريد أما اليوم فلم يعد أحد يعملها عندنا والخضار المجففة أساسية في المطبخ الفلسطيني الريفي حيث تجفف الخضار على شكل قلائد أو ضفائر وتعقق على واجهات بيت الطبخ للزينة وحتى تبقى جافة ومكشوفة ولا تصلها الرطوبة وأهم هذه الخضار التي تجفف الباميا حيث تأخذ قرون الباميا الصغيرة ويقص الزغب الذي حول العنق وتشك بخيط بواسطة ألإبرة ثم تربط وتعلق حتى جفافها وعند استعمالها نفرغها من الخيط وننقعها بماء فاتر فتعود كأنها طازجة ويعمل منها الصواني او يخنة تؤكل مع ألأرز ألمفلفل واللحم الدسم وكذلك يجفف الثوم على شكل ضفائر ويعلق بالمطبخ ويجفف البصل كذلك والملوخية أما البندورة المجففة فيتم انتقاء حبات البندورة الناضجة والسليمة من التلف ثم تقطع كل حبة إلى نصفين وتملّح الوجوه المقطوعة وتفرد في الشمس حتى تجف وتخزن لأيام الشتاء حيث كان ينعدم وجودها في الشتاء وعند طبخها تفرد في طبق وتغمر بزيت الزيتون وتشوى بالطابون ويضاف إليها الثوم وتؤكل وتضاف إلى ألأكلات التي بحاجة البندورة . اما رب البندورة فيتم جمع أكبر كمية من البندورة الناضخة في الصيف ثم تفعص وتفرك بالأيدي ثم تعصر ويصفى العصير من القشر والبذور حتى يصبح نقيا خالصا ثم يوضع ي قدر تشعل تحته النار حتى يتبخر ماءه فيصبح غليظ القوام فيضاف إليه الملح ويترك على النار حتى يصبح كالهلام ثم يبرد ويخزن في أوان زجاجية لحين ألاستعمال على مدار السنة ويوضع على وجه رب البندورة القليل من زيت الزيتون من أجل منع تلفه وهذه العملية قد تستغرق نهارا كاملا ومن الناس من يأخذ العصير بعد تصفيته ويسكبه في أوان مسطحة ثم يعرضه لأشعة الشمس فيتبخر الماء منه فيصبح شديد القوام وكأنه طبخ على النار ثم يخزن وهذه العملية تحتاج للصبر لأنها قد تستغرق عدة أيام وإلى تغطية ألأواني لحمايتها من الحشرات والغبار وكذلك رفعها بالليل وإعادتها بعد شروق الشمس ، وعادة لا ترمى بذور البندورة فتأخذ وتخلط بالرماد وتجفف على شكل قرص وتخزن لزراعتها كمشاتل لموسم قادم ومنها تنقل ألأشتال إلى المزارع .
التعليقات (0)