كان لنا جار يملك ورشة لدهان السيارات ، وكنا أثناء فترات منع التجوال في المدينة نجلس معا في ساعات المساء في ساحة بيتنا ولتمضية الوقت ، وكنت أملك سيارة قديمة نوعا ما ولكنها جيدة هيئة وميكانيكا وأركنها في الشارع أمام بيتنا ، ويوما وكنا جلوس كعادتنا نظر جاري إلى السيارة وقال : أن صباغ سيارتك اصبح قديما وأنه لا يليق بك أن تركب سيارة صبغها هكذا وما زال يحبب لي فكرة تجديد الصبغ وأن المبلغ لا يتعدى مبلغ بسيط وأن كل شيء سيكون كما أريد حتى من ناحية الدفع وأخيرا وافقت تحت إلحاحه وحديثه المتكرر كل يوم فدلني على موقع الورشة وذات يوم أخذت المركبة لهناك فلاحظت أمورا ملفتة للنظر اولها ان المكان في موقع منعزل من المدينة وكذلك في شارع منعزل وأن في الموقع أيضا ورشة لسمكرة السيارات وكذلك ورشة منجد لفرش السيارات بألإضافة لورشه كهربائي سيارات وعجبت كيف اتفق ألأمر إلى هذا الحد ، وسلمت مركبتي لجاري الدهان وقال لي أنه سيفحص جسم السيارة ( البودي ) ليرى إن كانت بحاجة لأعمال سمكرة وتجليس وراح يلف حولها ويلمس حديدها ويقول كخبير هنا بحاجة لتعديل قليل وهناك انبعاج في أسفل المركبة وهنا فتل في ألأبواب وهنا ، وهناك وبألإجمال أنها بحاجة لسمكري فقلت كما ترى ، فقال سأرسلها عند جاري المجلّس وأنتقلت المركبة إلى ورشة السمكرة لأعود بعد ساعات لأجدها كومة من الحديد فقد قاموا يفك كل ما هو متحرك بها وحتى الثابت لم يسلم وكأنهم ينتقمون منها ومني فقال السمكري أنه سيجهزها للدهان ولكن الولد الذي كان يلحم في حديد المركبة حرق قسما من الفرش وكذلك وجه مقعد وفي النهاية أنك بحاجة لمنجد وحتى أن فرش المركبة جميعه بحاجة إلى تجديد فقلت لا بأس فأضاف أنه حرق أيضا بعض ألأسلاك الكهربائية في أرضية المركبة وأنك أيضا بحاجة لكهربائي سيارات لتجديد شبكة ألأسلاك فيها . وامتد الأمر وطال وراحوا ينقلون المركبة بين الورش وكأنهم يفترسونها
وأخيرا وبعد عدة أيام أعلن جاري أنه سيتم اليوم رش السيارة بالدهان وأنه لم يجد لونها ألأساسي في السوق وأنه سيدهنها بلون قريب ما أمكن من لونها ألأصلي والمرخص به وسيقوم بتركيبه وخلطه في الورشة وتم الدهان وذهبت لأرى المركبة لقد كان اللون حقا قريبا من لونها الأصلي ولكني لاحظت نتوءآت وخشونه في الدهان ، وسألت جاري عنها فقال إن نوع الدهان هكذا ، وأنا خصصتك بنوع دهان معدني خاص ( ميتاليك ) وصارت المركبة بعدها تتنقل من السمكري إلى الكهربائي إلى المنجد وتعود للدهان لتعاود الدور مرة أخرى ,هكذا ، ثم اتصل بي جاري وخلال عملي ليخبرني أن المركبة جاهزة وأن علي الحضور إستلامها وأنه لا يستطيع إبقائها في ورشته لأن عنده غيرها يتطلب عملا ومركبتي تأخذ حيزا في الورشة ، فقلت له أني لا أستطيع ترك عملي ألآن فقال أنه سيحضرها لي إلى مكان العمل ، فقلت إن عملي يتطلب اليوم السفر خارج المدينة فقال وما الحل؟ إنها تضايقني وتعطل عملي فقلت معك مفاتيحها أخرجها واركنها في الشارع أمام بيتنا فاحتج أن وقته ضيق وأنه سيركنها في الشارع أمام ورشته إن لم يحتج أحد جيرانه فرجوته أن يأخذها إلى شارعنا لأنني سأتأخر في سفري وربما أعود ليلا فوافق على مضض ، ورجعت من سفري ليلا كما توقعت وكانت المركبة مركونة في موقفها أمام دارنا ، وفي صباح اليوم الثاني نزلت للذهاب لعملي وإذا جاري ينتظرني جالسا على مقدمة المركبة وقال توصلني بطريقك إلى الورشة ووصلنا الورشة فقلت إن وقتي في الصباح ضيق فهل تريد أن أدفع أجرة العمل ألآن أو امر عليك بعد الدوام ؟ فقال بلهجة قاطعة حادة لا ألآن حتى أن جيراني امس لم يقبلوا أن تخرج السيارة دون حسابهم لولا وساطتي فتبسمت وقلت أني لا أحمل مالا سائلا ولكني سأكتب لكم حوالات بنكية فتردد أولا ثم قال لا بأس ، اكتب القيمة كلها بحوالة واحدة وبإسمي ففطنت لغرضه وقلت لا سأكتب لكل واحد حوالته بإسمه وأخرجت دفتر الشيكات ففرك يديه وبان في وجهه كم هو جشع وقال أكتب للسمكري مبلغ كذا ، وللمنجد كذا وللكهربائي مبلغ كذا وكانت مبالغ تزيد عن ضعف ما هو متعارف عليه فقلت وأنت كم أكتب لك فقال ليست بيننا اكتب المبلغ الذي تراه مناسبا ، فقلت أنت من تعب كم تريد فقال اكتب المبلغ كذا وبحسبة بسيطة وجدت أن ما كتبته يزيد عن ثمن السيارة في السوق فبلعتها وكتبت لأني وثقت ولم أسأل التكاليف وخرجت وعند خروجي إذا ولد يدخل الورشة بصينية عليها بعض فناجين الشاي فنظر إليه ووجه كلامه لي قائلا من أجل الفطور ولم يزد وخرجت ودرت حول المركبة وكأني أراها أول مرة ، فقد كانت النتوءآت في بعض ألأماكن ولم تكن في أماكن اخرى فتحسستها فإذا هي صلبة ففركتها فتساقطت وانكشف ما تحت الدهان وظهر لونا أسود تحتها فقلت له ما هذا فنظر نظرة خبير وقال : لقد أتلفت الدهان ، فرددت انت قلت لي أن هذا دهان معدني فكيف ذالك ، فقال والله يا جار أن الحق ليس علي إنه الولد الذي رش الدهان فقد كانت مركبة أخرى داخل الورشة فقام برش سيارتك بالساحة وهبت نسمات هواء فعلق الغبار بالدهان وهو جديد ، فنظرت إليه وهززت رأسي وفهمت كيف يعمل مثل هؤلآء الناس في هذا المكان المنعزل وقلت والله يا جار ما أنت إلا زعيم عصابة. وأخذت مركبتي وخرجت لأن موعد عملي قد اقترب مضمرا أن أتصل بمحام .
التعليقات (0)