مواضيع اليوم

ــ يــومــيــات ســائــق أجــرة ــ

عوني قاسم

2012-01-30 12:23:36

0

أوصاه مدربه يوم أن جلس خلف مقود سيارة التدريب لأمل مرة قائلا : اسمع يا أخي إن اخترت هذه المهنة فعليك أن تعلم أن هذه المهنة لا ينفع معها الخجل ، ولكن عليك أن تميز بين ألاستغلال وبين الحالات ألإنسانية لأنك سوف تضطر للتعامل مع جميع شرائح المجتمع . تذكر هذه النصيحة بعد أن صفق جاره باب السيارة وذهب دون أن يدفع ألأجرة كعادته كل يوم تقريبا .
يقوم من النوم باكرا ، وبعد أن يقضي حق ربه يعد فنجانا من القهوة ويشربه ثم ينزل حيث تقف سيارة ألأجرة التي يعمل عليها بعد أن يكوع ودع زوجته وقبل طفله النائم ، يدور حول السيارة متفقدا العجلات ثم يفتح بابها ألأمامي ويأخذ قطعة من القماش يمسح زجاجها وما علق بها من غبار ثم يتفق الزيت الماء ويجلس خلف المقود ويشغل المحرك . في هذه اللحظة يطل عليه جاره من شباك داره ويلقي عليه تحية الصباح ويسال سؤاله المعهود ـ نازل يا جار ـ يبتسم ابتسامة مغتصبة ويقول إنشاء الله. يخرج السيارة إلى الشارع فيأتي الجار ويفتح الباب ويجلس في المقعد ألأمامي ، وبدون كلام يحرك السيارة وينطلق باتجاه مركز المدينة فتخطر بباله نصيحة المدرب ويتساءل لماذا يستغلني هذا الجار بهذه الطريقة ، يحاول أن يحرك لسانه ليطلب منه الأجرة وهو على كل ألأحوال ليس حالة إنسانية ولكنه يشعر الخجل يصلا إلى مركز المدينة فيفتح الجار الباب وينزل من السيارة ويغلقه بشدة ويمضي ، فيتابعه بنظره حتى يتوه في الزحمة .
يقف في الموقف يأتي أربعة طلاب يجلسون في السيارة ويطلبون منه أن يوصلهم إلى مدرستهم فينطلق ، يأخذ لك منهم بإحصاء ما معه من قروش قبل أن ينقده كل واحد منهم أجره ، يوصلهم ويعود بتمهل ناظرا إلى الرصيف يبحث عن سيدة ألأعمال التي تركب معه كل يوم تقريبا ، إنها سيدة مهيبة أنيقة قدر عمرها بالأربعين ولكنها كانت تبدو كفتاة في العشرين ولكنها تتصرف وكأنها في الستين ، ما أجمل رفقتها وخدمتها ، نزل مرة وحاول فتح باب السيارة لها احتراما ، ولكنها رجته بأدب جم أنها لا تحب الرسميات ويكفي أن يقوم هو بعمله ، يوصلها إلى الموقف فتطلب منه أن يوصلها إلى مكان عملها وتنقده أجرا مضاعفا ولكنه يرفض فتترك على المقعد ورقة مالية مناسبة وتذهب .
يعود على موقفه يأتي رجل عجوز يسير خلفه حمالا يحمل على عربته كثيرا من ألأغراض فينزل من السيارة ويفتح باب الخزانة الخلفية ، فيضع الحمال ألأغراض فيها ، يخرج العجوز حافظة نقوده ويأخذ قطعة نقود واحدة ومن فئة صغيرة ويضعها في يد الحمال ، ينظر الحمال إلى القطعة ثم إلى وجه العجوز وهنا يبدأ جدال وبصوت مرتفع بين الحمال والعجوز ، يراقب السائق ولا يتدخل ، يأخذ الحمال عربته ويذهب لاعنا لاهثا متأففا . يصعد العجوز إلى السيارة وبلهجة آمرة يطلب من السائق أن يوصله إلى حيث يسكن ، يتحرك السائق ساكتا ، في الطريق يشغل جهاز المذياع في السيارة ، هناك نشيد حماسي وبيانات عسكرية ،قامت الطائرات المعادية بقصف ضواحي مدينة بيروت وقام رجال المقاومة بالرد عليهم بقصف ميناء حيفا ، يعلق العجوز يوم كنت في الجيش كنا نقصف كذا وندمر كذا وبدأ بالتبجح بالأمجاد العسكرية الواهمة التي حققت أيام خدمته ، فهم السائق أن العجوز ضابط متقاعد فابتسم من أمجاده المزعومة وفهم سبب تعاليه وأوامره . وصلا إلى بيت العجوز ، طلب العجوز من السائق وبلهجة آمرة أن يقف حيث أشار ، نزل العجوز ومشى داخلا إلى مدخل العمارة وطلب من السائق وبنفس اللهجة أن يحمل له ألأغراض إلى أعلى الدرج ، لم يكن متعودا على ذلك ولكنه اعتبرها حالة إنسانية فحمل ألأغراض وصعد الدرج ، طلب منه العجوز أن ينتظر حتى يفتح باب مسكنه ، فتح الباب ثم أخرج محفظته ودفع ألأجرة للسائق قائلا له أنه وبشكل متعمد لم يدفع ألأجرة خلال الطريق لأنكم أيها السائقون متمردون ونفوسكم كبيرة ولو لم توصل ألأغراض إلى باب مسكني لما أعطيتك أجرة ، ندم قليلا وقال لا باس إنها حالة إنسانية .
رجع إلى موقفه وانوأنا،ل رجل يسحب خلفه جديا، انحنى الرجل على شباك السيارة وطلب من السائق أن يوصله إلى ضاحية قريبة ، سأله السائق بخبث : كم راكبا أنتم ؟ فقال الرجل الجدي وأنا، فرد السائق يلزمك ثاني راكبان اذهب وأحضرهما وسأقوم بإيصالكم، سحب الرجل الجدي وذهب. بقي واقفا ووصلت سيدة شقراء معها طفل قدر عمره ثلاث سنوات جلست في المقعد الخلفي وطلبت من السائق وبلكنة غريبة أن يوصلها إلى حيث تسكن سار باتجاه شارعها نظر إلى وجه الطفل في المرآة كان طفلا جميلا في مثل عمر ابنه، كم اشتاق لابنه في هذه اللحظة أن يضمه ويقبله ولكنه علل نفسه أنه سيفعل ذلك أول ما يعود لبيته في المساء . تكلمت السيدة معه كانت تتكلم العربية بتكسر فهم منها أن أصلها تركية وأنها متزوجة من شاب كان يرس في بلادها وأنهم يحضرون في الصيف هنا لتمضية ألإجازة عند أهله ، وصلت إلى حيث تريد ، أعطته أجرته وكذلك قالبا من الشكولاتة ألأجنبية ، فشكرها بخجل . كان الوقت عصرا وقد بدأ يشعر بالإرهاق والجوع فرجع إلى الموقف وأوقف سيارته واشترى شطيرة وجلس على كرسي تحت شجرة وراح يأكل ويتناول مشروبا خفيفا ، استراح قليلا ثم عاد إلى سيارته وفتح قالب الشكولاتة وقسم منه قطعة وأخذ يأكل على مهل ثم لف الباقي ووضعه في الخزانة وفكر أنه سيأخذه لطفله عندما يعود في المساء .
حضر إلى الموقف ثلاث فتيات كن في مطلع الشباب ، جلست أكبرهن جسما وطولا في المقعد ألأمامي وطلبن منه أن يوصلهن إلى إحدى الضواحي ، أخذت الفتيات يتحدثن في الطريق عن مختلف ألأمور فأولا عن الدراسة ثم عن الموضة والملابس ثم عن فلانة وعلاقاتها فضحكت الفتاة التي في ألأمام وثنت رأسها لصاحبتيها وقالت لإحداهن وأنت ما أخبارك مع جارك فضحكت وقالت إنه شاب لعوب كمثل معظم شباب هذه ألأيام وألافضل لكل بنت أن تنتظر حتى يأتي نصيبها أو أن تنضج حتى تستطيع أن تميز بين الجد واللهو ، تنهدت الفتاة التي تجلس في المقعد ألأمامي وقالت متى .. ! ضحكت الفتيات وابتسم السائق حيث لم يشارك بجدلهن فقد كان مستمعا فقط ، وفي الحقيقة لم يأخذ لأحد رأيه ، وصلن حيث يردن وعاد السائق وفي الطريق أشارت له عجوز ، توقف بجانبها كان الضعف باديا على وجه العجوز فساعدها بالصعود إلى المقعد الخلفي ، دعت له بالتوفيق وطول العمر وطلبت منه أن يوصلها لعيادة طبيب معروف ، سار ودخل بها إلى شارع داخل المدينة وساعدها في الوصول إلى العيادة وأدخلها إلى الطبيب ولما انتهت اشترى لها الدواء وأعادها إلى منزلها . حاولت أن تدفع له ألأجرة فتذكر قول مدربه فرفض أخذها مع إلحاحها . كم شعر بالارتياح في أعماقه وكم وجد فعل الخير لذيذا. رجع إلى موقفه كان الوقت قد قارب مغيب الشمس فكر في زوجته وابنه وحدث نفسه انه يعمل بجد ليوفر لهم عيشا كريما ، سأعمل ثلاث ساعات أخرى وأعود بعدها إلى البيت ، أخذ بعدها عائلة إلى منتزه خارج المدينة ، وقرر أن لا يعود إلى الموقف وأن يسافر في شوارع الضواحي ناقلا الركاب من ضاحية إلى أخرى ، كان الشغل كثيرا ونسي كم ساعة عمل ، لكنه بدأ يشعر بالجوع والإرهاق فقرر أن يعود إلى البيت فرجع إلى مركز المدينة واشترى بعض ما يلزم لبيته ثم سار قاصدا بيته ومر على محطة الوقود ليملأ خزان سيارته وعندما غادر المحطة وقف في المخرج ليسمح للسيارات في الشارع المقابل بالمرور وإذا جاره يفتح باب السيارة ويجلس في المقعد ألأمامي قائلا ــ طالع يا جار ــ لم يدر ما يقول وسار مسرعا وبعصبية حتى أنه لم يرى المطب الذي في الطريق والذي يمر عنه كل يوم ، صعدت السيارة المطب فانفتح باب الخزانة التي أنام الراكب الذي يجلس في المقعد ألأمامي فانزلق قالب الشكولاتة من الخزانة إلى حجر الجار تناول لجار قالب الشكولاتة وفتحه وقسم أكثر من نصفه وراح يأكل على مهل وأعاد الباقي إلى الخزانة وأغلقها . شعر السائق وكان الجار يأكل من لحمه ، سكت على مضض كم شعر عندها بالتعب والإرهاق وصل إلى باب داره وأوقف السيارة فنزل الجار وصفق الباب بشدة وراح دون أن يدفع الأجرة . ادخل السائق السيارة إلى ساحة بيته وحمل الأغراض وباقي الشكولاتة وصعد إلى بيته استقبلته زوجته وحيته وأخذت الأغراض ودخلت إلى المطبخ . دخل حاملا باقي قالب الشكولاتة يبحث عن ابنه ولما عادت الزوجة تحمل طبقا عليه عشائهم قالت له : إن الابن انتظره ولكن النعاس غلبه فنام ، دخل إلى حيث ينام ابنه نظر إليه كان نائما كملاك انحنى وقبله ووضع باقي قالب الشكولاتة على الوسادة بجانب رأسه .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !