أتت أمه تحمله بفمها إلى ساحة بيتنا ووضعته وذهبت ولم نعد نراها ولا ندري السبب ، هل هي تركته أمانة عندنا أو أصابها مكروه ، وحيث أنه لا يمكن أن تتوه قطة عن أولادها اعتبرنا أنها أصابها مكروه . وعندما أحس بعد وقت بالوحدة والجوع صار يموء بصوت مرتفع ، فخرجنا نبحث عنه فوجدناه قطا رضيعا لم يبلغ الشهر من عمره ، ولما حاولنا إطعامه لم يكن يعرف كيف يأكل فقد كان يشم ألأكل ويلحسه ثم يتركه فعملت له وجبة من الحليب المجفف وقدمتها له ووقفت أراقبه فكان يضع فمه كله في الوعاء ثم يخرجه ويلحس ما علق بمحيط فمه من الحليب ، وظل يموء طول الوقت من الجوع ، فوضعت الحليب في زجاجة ووضعت بالونا صغيرا على فم الزجاجة ووضعته في فمه فصار يمص البالون ، ولكن طراوة البالون لم تساعده على ذلك ، فاشتريت زجاجة حليب خاصة لرضاعة ألأطفال وصرت ارضعه الحليب منها . وصار يكبر وصرت أقدم له مع الحليب طعاما من مخلفات طعامنا فلم يعد يهتم بالحليب وصار لا يفارقني وكأنه جرو كلب وزاد وزنه وطال جسمه فإذا خرجت إلى البستان أو إلى سفح الجبل المجاور لبيتنا فإنه يتبعني ويسير قريبا مني أو يركض أمامي ويكمن حتى أصبح بقربه فيهجم على رجلي ليس ركضا وإنما قفزا وبقفزات متتابعة وكأنه زنبرك ويتعلق بي ويمسد جسمه برجلي وبشكل ناعم حتى فكرت أن ليس له مخالب كباقي القطط . ويوما خطر لي خاطر فاشتريت فارا ميكانيكيا يعمل على زنبرك ومفتاح وكان القط ينام في ساحة الدار فأدرت الفأر وأطلقته في الساحة أمامه ورحت أراقبه ففتح عينيه ونظر وكأن ألأمر لا يعنيه ولما صار الفأر قريبا منه قفز عليه وأشغل فيه مخالبه والفأر يتابع وهولا يدعه ومن يومها صارت هوايته مطاردة أي شيء يتحرك وأصبح كأنه نمر .
جاء لزيارتنا قريب لنا ولم يكن يعلم أن لدينا قطا وعندما انتهت زيارته بعد الغروب خرجنا لوداعه إلى الشارع وخرج القط معنا وكأنما أراد القط أن يلاعب الضيف فابتعد عنه وبطريقته المعهودة عاد إليه قفزا وتعلق به وصار يقفز إلى ألأرض ويتعلق به فتفاجأ الضيف وكأنه خاف فصار ينط ويقفز محاولا التخلص من القط وكانت بين القط والضيف رقصة مضحكة حتى أبعدت القط عنه وأوضحت للضيف أن القط لنا وأنه لا تؤذي . في نهاية فصل الصيف أحضرنا رملا لعمل صيانة في محبط بيتنا فصار أولدنا وأولاد جيراننا يلعبون بالرمل كعادة ألأطفال وكأن القط استكثر عليهم ذلك وأراد مشاركتهم في لعبهم فراحوا يغرفون من الرمل ويضعون عليه وهو يتمرغ إمامهم ويتلوى ولا يتضايق وكأنه يطلب المزيد ، ثم خطر لي خاطر فحفرت حفرة في الرمل ووضعته فيها ثم طمرت الرمل عليه ولم يبق ظاهرا إلا رأسه وهو ساكن وكأنه يستمتع بذلك وبقي مدفونا أكثر من ساعة والأولاد يداعبون رأسه وهو لا يتضايق حتى نخرجه . وصار عندما يراني قريبا من كومة الرمل يأخذ بالتمسح بي حتى أحفر له حفرة وينزل فيها وأدفنه ويبقى مدفونا أطول مدة ممكنة حتى يمر بالشارع أحد الجيران ويخرجه . حتى مواءه كان كمن يتوسل إلا عندما يرى قطا آخر في ساحة الدار أو الشارع فإنه يتحول إلى نمر لا يقف بوجهه شيء ويلاحقه حتى يطرده من حرمه .
وأصبح عمره في حدود السنة وجاء موسم قطف الزيتون وصرنا كعادة أهل الريف عندنا نترك البيت من الصباح الباكر وحتى المساء ولمدة تزيد عن الشهر ، وعادة نطعمه في الصباح ويبقى دون أكل حتى نعود في المساء ، وعند عودتنا يكون كأنه في مهرجان فمن قفز إلى تمسح بنا إلى ركض ومتابعة ما نعمل حتى ندخل المحصول وننظف أنفسنا ثم نجلس للأكل ونضع له طعاما .
في آخر الموسم جاء لمساعدتنا قريبنا الذي تضايق من القط في مرة سابقة ، ولما اقترب القط منه وكان في الساحة حبل غسيل عليه عددا من الملاقط أخذ ملقطا منها وشبكه في ذيل القط فصاح القط وقفز قفزة عالية إلى سور البيت من جهة الجبل ووقف على السور وضرب ذيله فيه عدة مرات ولم يفلت الملقط ذيله فركضت إليه فخاف ونظر إلي وكأنه يعاتبني أو يودعني وكان خائفا ويرجف ثم قفز إلى طريق الجبل ولم نعد نراه ولم يرجع إلى البيت فتشت عنه وسألت الجيران ولكن لا أثر له وكان ذلك في نهاية الشهر الحادي عشر .
في فصل الربيع حيث تذهب بعض النساء لإلى الجبل لقطف الزعتر وكانت إحداهن عائدة من هناك وجلست تحت شجرة أمام بيتنا لتستريح وطلبت منا شربة ماء وكان ذلك في الشهر الخامس من السنة الجديدة أي بعد ستة أشهر من هروب القط قالت أنها رأت بجانب سلسال في الجبل جيفة قط وبذيله ملقط غسيل .
التعليقات (0)