مواضيع اليوم

ــ الـــوفـــاء ــ

عوني قاسم

2012-02-03 14:25:23

0

تعرفت علية ونحن في السنة الأولى من المرحلة الثانوية ، كنا طلابا في المدرسة الصناعية وكنا نتدرب فيها معا ، لقد كان في مشغل مجاور لمشغلنا ، كان يتدرب على إنشاء ألأبنية وكنت أنا في مشغل آخر ، ولكني منذ عرفته لأول مرة في ساحة المدرسة وجدت عندي ميلا نحوه ، فقد كان فتى دمث الخلق كبير النفس لا يتكلم إلا لضرورة ولكنه كانت تبدو عليه مظاهر العوز فقد كان رث الثياب حتى حذاءه كان طول الوقت قديما .
كان يتجنب أي حديث عن أهله ووضعه ، كنت أرى ألارتباك والحيرة عندما يطلب منا أحد المدرسين أي مبلغ من المال من أجل المشاركة في زيارة زميل مريض أو شراء شيء يلزم لمناسبة ، ولكنه كان في كل مرة يتدبر أمره لأن المبلغ لم يكن يتعدى قروش قليلة . لم يكن يجلس معنا في كفتيريا المدرسة لنشرب الشاي محتجا أنه لا يحب الشاي والقهوة كنت ألح عليه ليجلس معنا فأقوم أنا بالدفع عن الجميع من أجل عدم إحراجه . ومع ألأيام توطدت الصداقة بيننا فأخذ يبوح لي ويتحدث عن حياته الخاصة ووضعه ألأسري ، قال إنه أكبر إخوته وأن أباه لم يرث عن جده إلا البيت الذي يسكنه فقد كان جده فقيرا أيضا ، وقال أن أباه فقير أيضا وقال أن أباه مريض لا يستطيع أن يعمل وأنه يضطر أن يعمل هو وإخوته في العطلة الصيفية في الحقول بجمع الخضار والفواكه مقابل أجر زهيد وبعض ما يجود به أصحاب الحقول عليهم من الثمر والخضار تساعد في تدبر أمر معيشتهم وتساعد في دراسته ودراسة إخوته . كم تألمت لحاله، وألفيت نفسي أبتعد عن زملائنا وأجلس أنا وهو معا في فترة الغداء في ظل شجرة ونأكل ما نحضره من البيت من أجل غدائنا لأن دوام المدرسة كان يمتد حتى ما بعد العصر وخاصة أيام التدريب العملي في المشاغل كنت أخذ من طعامه نصف رغيف الخبز ألأسمر والمخبوز من دقيق القمح الصرف وأفضله على الخبز ألأبيض الذي نشتريه من السوق .
في ألأسابيع ألأخيرة من آخر سنة لنا طلب منا محاسب المدرسة أن يدفع كل منا دينارا كاملا من أجل أن يشتري عدة جديدة ليغطي بها ما فقد من عدة أثناء دراستنا . جلسنا في فترة الغداء كان صاحبي شارد الذهن وكان ينقطع عن ألأكل ويشرد ببصره فسألته ما به ، فقال لي صراحة أنه لا يملك الدينار ولا يستطيع أن يطلب من أبيه دينارا في هذا الوقت لأن والده لا يملكه أيضا ولحظت حيرته وارتباكه فطمأنته وقلت له أن ليهتم وعلى كل يريد المحاسب الدينار من اليوم وحتى آخر السنة ولهل الله يأتي بالفرج ، فتنهد وتابع طعامه .
في اليوم التالي طابت زيادة في مصروفي لأجل أمر طارئ في المدرسة . وعندما قابلت صديقي أقنعته بالذهاب معي إلى مكتب المحاسب حيث دفعت دينارين واحدا عني وآخر عنه ، كم عانى من خجل إمام المحاسب وخرجنا وهو يشكرني ، فقلت له أن يعتبر هذا الدينار قرضا حسنا وأنك ستقوم بسداده لي يوما ما .
بقينا معا حتى نهاية الدراسة وتخرجنا عمالا فنيين كل في مهنته ولم نعد نلتقي إلا نادرا ، وقال لي آخر مرة التقينا فيها أنه يعمل مساعدا لمقاول في ورشة بناء وأنه يكسب أجرا يساعد به أسرته .
سافرت إلى دولة غربية والتحقت بجامعة فيها لكمل دراستي حيث بقيت لعدة سنوات حصلت على شهادات عليا واشتغلت في نفس البلد وتزوجت بفتاة هناك أبوها من بلادنا وأصبح لي عائلة وبعد أن جمعت قدرا من المال وتحت إلحاح والداي قررت العودة إلى بلدي فأنهيت أعمالي ورجعت وعائلتي بقيت عدة أيام بين أهلي ثم سافرت إلى المدينة المجاورة حيث قررت شراء مسكنا خاصا بي لأنه وبالتأكيد سيكون عملي هناك . بحثت عن الناس الذين كنت أعرفهم ، فوجدت بعضهم ، سألت إن كان أحدا يبيعني بيتا فأرشدوني إلى مكتب مقاول كبير يبني عمارات ويعمرها ويبيعها شققا جاهزة وقالوا لي عن أسم المكتب وموقعه ، فذهبت فإذا هو مكتب فخم ، قاعة واسعة فيه مكتب تجلس إليه فتاة جميلة تستقبل الزوار وترشدهم إلى ما يريدون وتحيط بالقاعة مقاعد فخمة وكثير من صور ورسوم العمارات التي قام المكتب ببنائها وبيعها، سألتني الفتاة عن غرضي فقلت لها أني أريد شراء سكن لي ، فأدخلتني إلى مكتب مجاور قالت أن فيه مهندسون سيعرضون علي رسوما لبنايات ومواقع مع بيان حسنات وميزات كل موقع دخلت واخترت شقة في عمارة بموقع كنت أفضله ثم أدخلوني إلى غرفة المحاسب ليوضح لي الثمن والشروط والطريقة التي سيتم بها الدفع وتسجيل الشقة باسمي وبعد ألانتهاء قال المحاسب أن بإمكاني أن أدخل إلى مكتب المدير وأشرب القهوة معه ، وتم إعلام المدير عن طريق سكرتيرته الخاصة ودخلت السكرتيرة أمامي وأشارت إليه ، لم أنظر إلى وجهه نظرت إلى اللوحة المزخرفة التي تزين الطاولة أمامه ، لقد كان أسما مألوفا عندي ، فقد كان أسم صاحبي ، التقت عيوننا ، لم نصدق أنفسنا ، أبعد كل هذه المدة ، وقف وندفع نحوي وأحاطني بذراعية وأخذ يقبلني ويبكي وأنا أربت ظهره ، طلب مني أن أجلس مكانه فرفضت وجلست على المقعد الذي أمام مكتبه فجلس على مكتب آخر مقابلا لي وبعد سؤالي عن أحوالي دخلت مضيفة تحمل القهوة فقام وأخذ الطبق منها وناولني فنجاني بيده وجلسنا نشرب القهوة ونتحدث .
فهم مني ومن الملف الذي وضعته السكرتيرة أمامه والذي يعرف عادة ما فيه دون أن يفتحه فقال لي : يبدو أنك تريد أن تشتري سكنا لك ، وكأنك تريد أن ترجع لتعيش بيننا ، فرددت ألإيجاب ، هنا رجع إلى مكتبه وأخرج نموذجا مطبوعا ووضعه أمامي وطلب مني أن أوقع وأن اكتب اسمي في مكان على النموذج ، لم أقرأ الورقة ونفذت ما طلب ، فطوى الورقة ووضعها في الملف وطلب مني أن نذهب سويا ليريني الشقة فركبنا سيارته وذهبنا معا إلى العمارة في المكان الذي أرانية المحاسب ، كانت بناية من أربعة أدوار تقع على أرض مشرفة ، دخلنا من البوابة الرئيسية كانت البناية جديدة ، كل ساحاتها الواسعة مبلطة ومتروك فيها أماكن لزراعة الزهور ، كانت ساحاتها وكأنها منتزه . استقبلنا حارس العمارة والذي كان يعتني بالعمارة والحديقة ، طلب منه صاحبي أن يفتح باب الشقة رقم سبعة ، وقال أنه يبيع جميع الشقق في البنايات التي يبنيها وأنه يحتفظ عدة بالشقة رقم سبعة لشخص يعز عليه ولأنه يتفاءل بهذا الرقم ، فتح الحارس الشقة ودخلنا . حقا لقد كانت شقة رائعة فهي واسعة ومجهزة بكل ما يلزم ويريح ومفروشة فرشا كاملا ولا ينقصها شيء ، أبديت إعجابي الشقة وخرجنا ولم أسأله عن شيء فقد قررت أني سأشتريها مهما كان ثمنها .
عدنا إلى مكتبه وطلب غداء باذخا وبعدها استأذنته بالعودة إلى بلدي وسألته متى أستطيع استلام الشقة فقال بعد أسبوع من اليوم وسألته عن طريقة الدفع فقال كما بينها لك المحاسب سنعطيك رقم حساب في المصرف وأستطيع أن أدفع الثمن هناك وأن أحضر إشعارا بالدفع ويكون هو قد نقل الشقة باسمي في دائرة التسجيل ، فطلبت منه رقم الحساب فقال لي أن المحاسب خرج اليوم في إجازة وأنه لن يعود قبل أسبوع فودعته وخرجت .
بعد أسبوع عدت لآخذ رقم الحساب فدخلت إلى مكتب المحاسب وطلبت منه الرقم ، فقال لي المحاسب أن المدير يريد رؤيتي ، فأدخلتني السكرتيرة إليه فرحب بي وشربنا القهوة وبعدها طلب مني أن نذهب إلى العمارة التي فيها الشقة ليطلب من المحاسب أن يسلمني المفتاح ، فقلت أني لم أدفع الثمن ، فقال لا يهم ، سنذهب إلى المصرف معا بعد استلامك المفتاح ، فذهبنا إلى العمارة ودخلنا واستلمت المفاتيح وجلسنا في الصالون وذهب الحارس لإعداد الشاي حسبما طلب صاحبي ، وأخذنا نتحدث ونتذكر الماضي وراح يسرد علي قصة نجاحه فقال أنه اشتغل مع مقاول بناء كمساعد له في أول حياته ،وصار يتعلم من المقاول أسرار العمل وأنت تعلم أني كنت طالبا في قسم إنشاء ألأبنية فساعدني ذلك على سرعة التعلم ، ثم شاركت المقاول في بعض المشاريع أنا في إدارة العمل والإشراف وهو في التمويل وصرنا بكسب ونقسم ما نكسبه حتى كثر ما معي من مال وصرت أتعامل مع البنوك لتمويل مشاريعي ، وانفصلت عن المقاول واشتريت أرضا بنيت عليها عمارة بعت جميع شققها ألا الشقة رقم سبعة فقد أبقيتها مسكنا لي ،وتكرر ألأمر وتوالت ألأرباح حتى أصبح وضعي على ما ترى .
بعد ذلك قمنا فأغلقت باب الشقة ونزلنا بهدف أن نذهب إلى المصرف لتسديد الثمن ،في ساحة العمارة وقف فوقفت فقال لي : أسمع يا أخي لقد جاء اليوم الذي علي فيه أن أسدد لك فيه دينا قديما حملته طول عمري ، أتذكر الدينار الذي سددته عني لمحاسب المدرسة عندما كنا طلابا وقلت لي أنه قرض حسن ،الآن جاء يوم السداد ثم فتح محفظته وأخرج منها دينارا واحدا ناولني إياه ، ثم أخرج من جيبه ورقة أخرى أعطاها لي ففتحتها فإذا هي سند تسجيل الشقة باسمي وقال لي إنها الشقة رقم سبعة ولا يملكها إلا عزيز ، مباركة عليك ، أنت ألآن في بيتك ، تركني في ذهولي . وخرج إلى الشارع وركب سيارته ومضى .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !