نظرت لزوجة عمها وهي تنظم بيدها حزمة من قش القمح بعد أن انتشلتها من وعاء الصبغ وأخذت تنظم أطوالها وتجففها من أجل عمل طبق قش ملون . لقد صبغت اليوم هي وزوجة عمها حزم قش من عدة ألوان ، كانت تساعد زوجة عمها في أعمل البيت وكذلك في عمل أطباق القش الملونة منذ عدة أشهر ومنذ ظهر أن زوجة عمها حامل . لقد قاربت زوجة العم على الولادة فهي في شهرها التاسع ، لقد كان حملها ظاهرا جدا .
نظرت الفتاة ذات ألأربعة عشر سنة إلى حمل زوجة عمها بإمعان وكأنها تريد أن تكشف ما بداخله ، ابتسمت زوجة العم وتململت في جلستها ونظرت إلى الفتاة وقالت : غدا إن شاء الله ستكبرين وتتزوجين ويا ليت لي أبناء أو كان بكري ولدا لاخترتك أنت دون بنات القرية ولكنك تعلمين أن كل مواليدي بنات وإني لأرجو أن يكون هذا الحمل ذكرا ، قالت ذلك إلى حيث بناتها تحت شجرة قريبة وقد أجلسن شقيقتهن الصغيرة في أرجوحة يلهين بها .
سرحت الفتاة قليلا وقالت لزوجة عمها ، إن كان المولود ذكرا هل تسمحين لي بتربيته ورعايته حتى يكبر ويصبح رجلا وأتزوجه وكما تعرفين إني وحيدة والدي وقد سمعت أبي يقول أن من سيتزوجني سيرث كل شيء لنا ، وأنا وابن عمي أحق الناس بذلك ، فنحافظ على أملاك أبي أن تذهب لغريب وأبن عمي أحق . ضحكت زوجة العم من منطق الفتاة والتي لا تزال على أعتاب الطفولة والتي بدـت تظهر معالم أنوثتها ، فقد كان وجهها جميلا ومنطقها جميلا ، تأملتها زوجة العم وكأنها تراها أول مرة ولكنها هزت رأسها ولم تعر الموضوع أي اهتمام . أنهت الفتاة جميع ما طلبته زوجة عمها منها من أعمال ولكن الموضوع الذي طرحته على زوجة عمها بدأ يكبر في رأسها الصغير فعلى غبر عادتها أصبحت تكف عن ما تكون تعمل وتحدق في ألأفق وتسرح بعيدا ثم تعود لنفسها وتقول ولم لا .
عادت الفتاة إلى بيت أهلها ودخلت وطبعت قبلة طويلة على خذ أمها ، لقد كانت مسرورة وفرحة وكأنها وجدت حلا لجميع المشاكل لفتاة في مثل سنها ثم دخلت إلى غرفة نومها وألقت نفسها على سريرها وبدأت أحلاما وردية تتفتح داخلها وراحت تحدث نفسها ، ستلد زوجة عمها ولدا وسيكون لي رجلي وفارسي وابن عمي سأرعاه وهو طفل وأهبه حناني وهو ولد وعندما يشب سأتزوجه وأصبح له الزوجة والحبيبة وأم أولاده . نعم إن أبي وعمي ليس لهم أبناء ذكور ولكني عندما أتزوج ابن عمي سوف ألد وألد حتى أملأ بيت عمي وبيت أبي أولادا ذكورا وإناثا لن أكف عن الولادة حتى يصبح لأبي وعمي قبيلة وعزوة وسأكون أنا أمهم وراعيتهم ومربيتهم ، سوف نكون ابن عمي وأنا الذين يعيدون الحياة لهذه ألأسرة ، وأما بنات عمي فسوف يتزوجن الغرباء وسيكون أولادهن غرباء أيضا . لم تأكل وغلبها النعاس فنامت
في صباح اليوم التالي أفاقت من النوم مبكرة وخرجت لتجد أمها وأبيها سلمت وجلست معهم نظرت إلى الجدار كانت صورة لجدها وهو يركب حصانا لقد كان عسكريا في فرقة الخيالة كان له شاربا طويلا تشع العزة والأنفة من وجهه ، تأملت الصورة وكأنها تراها لأول مرة فكرت وابتسمت لماذا لا يكون ابن عمي عندما يكبر مثل جده هذه هي الرجولة ، تناولت فطورها ولبست لباس مدرستها وقبلت والديها وخرجت ، وصت إلى مدرستها وجلست في الفصل ،كان على أظافرها أثرا من صباغ ألقش ، تذكرت ما مر معها أمس ، تبسمت وسرحت وشاغلت نفسها بفرك الصباغ عن أظافرها كلما نظرت إليها المدرسة وهي شاردة بذهنها .
عادت إلى البيت وتناولت غداءها واستراحت قليلا واستأذنت أمها بالذهاب إلى بيت عمها . ولم يكن بيت عمها بعيدا عن بيتها لتجد زوجة عمها جالسة تطعم طفلتها الصغيرة حيتها ونظرت إلى حملها وقالت : لقد طلبت يا زوجة عمي منك بالأمس طلبا ولم تردي علي وأنا أطلب منك ذلك مرة أخرى وإني أرجو الله أن يهبك مولودا ذكرا وإني سأدعو الله كل يوم حتى يستجيب دعائي . ضحكت زوجة العم من طلب الفتاة وقالت غبر جادة نعم أعدك ، سوف أسمح لك بمساعدتي في تربية المولود إذا كان ذكرا ، وإني أرجو الله أن يستجيب دعاءك ويحقق ما تطلبينه ، فلما سمعت الفتاة الوعد دمعت عيناها فرحا وقامت إلى زوجة عمها وقبلتها وأخذت تربت بطنها وكأنها تستعجل فارسها المنتظر .
عادت الفتاة في المساء إلى بيتها وجلست تتأمل صورة جدها وجهه وشاربه وحصانه وكأنها ترى فارسها أمامها . ولم تمض أياما قليلة حتى وضعت زوجة العم مولودا ذكرا ، فلما علمت بذلك فرحت وزغردت ونامت ليلتها وكأنها عروسا حقيقية وحلمت أحلاما وردية حلمت وكأنها عصفورة وأن طائرا ابيضا يظللها بجناحيه يدفئها من البرد ويحميها من الحر يحملها بين جناحيه ويطير بها عليا فترى بساتين فلسطين وأرز لبنان وغوطة دمشق ونخيل العراق وجنائن اليمن ومجرى النيل .
في صباح اليوم التالي ذهبت على مدرستها وعند عودتها مرت على دار عمها لتجد أن زوجة عمها قد عادت إلى البيت من المستشفى حيث هنأت زوجة عمها على سلامتها وباركت لها بمولود ها ثم ذهبت إلى حيث ينام المولود ، ذكرت اسم الله وصلت على نبيه ثم كشفت الغطاء عن وجهه ، لقد كان طفلا جميلا في كل شيء وعندها انحنت وقبلته على جبينه وهي تتأمل وجهه فأحست وتخيلت أنه يبتسم لها ، يا الله أي محبة انغرست بقلبها لهذا الطفل ، نعم لقد أحبته قبل أن يلده أنه ولكنه ألآن أمامها ويبتسم لها في تحبه وتحبه وتريد أن تصرخ أنها تحبه ، تتراجع إلى الخلف وهي تتأمله ، ما هذا الملاك نعم تلك هي الهبات الربانية ، يتململ ثم يبكي تشعر أن قلبها انخلع لبكائه ، تطلب منها زوجة عمها أن تناولها إياه ، تحمله بين يديها ،تحسه ، تشعر به ، إنها الأمومة والغريزة ، تناوله لأمه وهي تتأمله ، لقد أحست به كبرياء جدها ونعومة أحلامها. عملت ما طلبته منها زوجة عمها وعادت إلى بيتها وجلست مقابل صورة جدها تتأمله وغفت ولم تصح إلا على صوت أمها تقول لها أن تقوم للغداء ،فقامت وغسلت يداها وتغدت ودخلت إلى غرفتها تراجع دروسها ، ثم دخلت سريرها تستعيد أحلامها .
صارت كل يوم عند رجوعها من المدرسة تمر على بيت عمها تساعد زوجة عمها وترى الطفل وتعود إلى بيتها وتجلس تتأمل صورة جدها ، وفي العطلة الصيفية صارت كل يوم تذهب إلى بيت عمها تلاعب الطفل وتناغيه وصار الطفل يكبر وهي ترى فيه فارسها وأمل غدها .
قالت لزوجة عمها ذات يوم هل تسمحين لي بتربيته ابتسمت زوجة العم وقالت هو لك فهو معتاد عليك أكثر مني ، فتشجعت الفتاة وقالت : وهل أنت على وعدك لي أني سوف أتزوجه حين يكبر ، فأجابت زوجة العم وما أنا في يدي أن أراد هو ذلك عندما يصبح شابا . ومن يومها زاد اهتمام الفتاة بالطفل وأصبحت تخصه بكل شيء وتناديه خطيبي على سبيل التحبب . كم خطبها من شباب بعد ان أنهت دراستها ولكنها كانت تجيب أن لها خطيب ، فابن عمها أعز عليها من نفسها ، كانوا يضحكون منها لفارق السن وبعضهم يشك في عقلها ، وهي تتابعه وهو يكبر ويدخل المدرسة وتراعيه في حياته ودراسته وتناديه خطيبي ، كان يضحك ، وبدأت تظهر عليه علامات الرجولة ، وأنهى دراسته الثانوية وهي على أعتاب الثلاثين ولكنها كانت جميلة ورشيقة ولا يظهر عليها ذلك ، وبدأت تشعر انه يظهر ميلا رجوليا لها ، فقالت لزوجة عمها أنه آن ألأوان أن يرتبط بها كزوجة وتريد منها أن تأخذ رأيه بذلك ، فكلمته أمه بالموضوع فوجدت منه رغبة وميلا وكذلك حبا نحو ابنة عمه ، فقالت له أمه أنه سيتم الزواج برغبتك وأن هناك فارقا عمريا كبيرا بينكما ، فقال إن ذلك ما يحببني بالزواج منها وفي الحقيقة لم أفكر بغيرها . وعدت زوجة العم إلى الفتاة وزفت لها البشرى ، فرحت الفتاة وحكت لأبويها ما حصل .
اجتمعت العائلة وتمت مراسم الزواج ويوم العرس رقصت أمامه ، رقصت بسعادة وغنت ووهبته روحها ونفسها وتركته ينهل من بحرها ولم تبخل عليه بشيء ، وشاركته كل سعادته ، وأفهمته أنه هو سيدها ورجلها وزوجها وحبيبها ، وهي زوجته وحلاله عندما لاحظت منه بعض التردد ، وعاشا كأسعد زوجين ، ووجدت فيه شنها كبيرا بجدهما والذي لا تزال صورته معلقة على الجدار .
في العام الخامس لزواجها وقفت أمام المرآة تلاحظ كيف بدأ بطنها يكبر وهي في بداية حملها الرابع ، لقد ولدت ثلاث مرات وكانت الثانية توأمين ذكور أي أن عندها ألآن أربعة أبناء وهي الآن حامل ، تحسست حملها ، نعم سأملأ بيت عمي وبيت أبي أبناء وستكون لهم قبيلة .
التعليقات (0)