غوانتنامو الفلسفة الجزائرية
دمعة الفيلسوف كالزمرد المسحوق، إنها أغلى من عقله أحيانا، هي التي تورده بالكثير من الشتات، وما أقرب العشوائية من الفيلسوف الآخذ بالاسترجال، كون أن عالم الفكر هو المآل الوحيد لمناجاته، لنجاته ولعيائه، وبه كما عليه تتم تصفية أهم لوازم الزمن على رقعة غير كافية، لتترتب الأسقام على جسد أكبر مما يظهر، وتندب الأسماء عثرات مسمياتها، فتكون الأرض خلاصا للصوص لم يدركوا أهمية ما اقترفوه.
لا يركن للخطأ إلا نبيل
لا يساوي بين ذاته وذات الخير إلا خليل
لا يدعي العصمة إلا ظالم جميل
أوّل بشائر العنتريات التي تولد من رحم الأجر المكنى هي شذرات فكر الدواب على دولاب الحياة، وعلى مستويات التعزير يبجل المرء خاذليه، لتعود إلى المنفى أنفة الضعفاء بثوب العظماء، كون أنّ السائر على طرف النجاة هو أهم مرسل إلى فلاح المسالك الصوتية العالية، إنها خلاء الخواء.
ما أصعب النوم على تهديد ووعيد برأفة مزيفة، وما أنصع الواقع وهو يكشف عن أنيابه المضمرة، إن الفرد الإنساني يسلك مسارات مختلفة، لكن أعسرها يتقد أمامه مما يجعله مراجعا يائسا لكل ما في قلبه وروحها من هفوات، والأشد صعوبة أن ينتبه المرء إلى ما بناه، ليجده أبعد ما يكون عن الصمود.
ما أدراك أيها الإنسان إن ما كنت ذئبا بالغ الخطورة في زيفك، وتكون حملا وديعا وضعيفا في يقظتك، ما بين الموقفيْن فرق يكاد يجعل من الفرد الإنساني لغة غير واضحة للعامة، بينما الفيلسوف يتمكن من مشاهدة دموع الذئاب بلا وجل ولا عجل.
لقد سار الرجل الميت على رصيف الذكري بلا خجل، سار ينادي أحقيته في الكلام واللوم بلا نقيض، وكأن العالم اليوم هو مختلف، وكأن الدنيا تعبر عن عكس ما تدعيه من زعم، حتى زعانف الفراشات صارت تخدش الحياء أمام نظر قصير وبلا مجاملة صار العالم يقدس كذبه على ذاته العالمية علنا.
سار الرجل الميت إلى أن بلغ مكانا مضاء جيدا، جلس على جانب الطريق، انتبه إلى علومه وفلسفته الموجودة في حقيبته، أخذ يلهث وراء مسارات العوالم كلها، لكنه لاحظ في آخر المطاف أن الحقيقة التي لطالما تجنبها تقف بجانبه، لاحظ كم هو وحيد، واحد أوحد.
لعل هذا ما يجعل الرجل الميت يقهقه على فترات وهو يحمل في محفظته أفكارا لثائر، نعم! أفكار فيلسوف ثائر، ولا أحد بإمكانه أن يلغي ثورته هذه، لأنها أكبر وأخطر من أن تلغى حتى على الرجل الميت ذاته، فهو ليس ميتا ممات الرهبان، إنما هو موت الأشجان.
على رقعة بعيدة بعد الظلام رأى الرجل الميت قدره يحييه، أراد أن يرد عليه تحيته لكنه تخاذل، أراد أن يمازحه من بعيد لكنه عجز، وفي عجزه هذا الكثير من أنواع الصراع الذي يدور حول ماهيات الفلسفة التي تحركها الأطراف والعوارض، إنها مساهمات القوارض.
ما سبب تأخير المتزامنات؟ إن كان الفرد الإنساني هو ذئب للرجل الميت في كل لحظة يخطر فيها له الكثير من أفكار الوجود ومعلولات التراكم الذاتيّ، يا رجال الذئاب لا تملكون سوى حواسكم الناقصة والناشزة عن فهم أمور الأمور بلا اهتمام، كون أن مهمة الأفراد في وجودهم هي أسمى من دخول الحمام لقضاء الحاجات البيولوجية، كون أن العتمة أوحش مما يتصورها أي عاقل.
ما لروحي لا تسأل عن دورها في الحياة؟ هل ماتت وتركتني وحيدا هي أيضا؟ كم هي وفية لي تلك الغربة التي تراودني من وقت لآخر، تتذكرني في أجمل سنوات عمري كما يقولون، هكذا همس الرجل الميت في أذنه هو، لأنه يسامر أذنه النغمية بين الأحيان والثواني.
ما عذب الناس حين يكونون بعيدين عني، إنهم ظلام لفكري، فكري أغنى وأغلى من أن يراه الجمهور، فيلسوف أقام عباراته قريبا من شعب أسير خرافاته، فلا بد له من أن يختبئ بقدر الامكان، هو ضمان الأمان، هي صرخة من أعماق مقبرة توقف بها الرجل الميت عند زيارته لذكرياته المجيدة الراهنة.
من يحرق الموت عليه أن يخشى ذئبه بانتباه، إن الأعمال ليست سوى ندبة يتركها الزمان عارية، جرح يغور في النفس حينما تستيقظ من أحلامها، ومع هذا بقي الرجل الميت أقرب إلى ذاته من تصوراته، كون أن العالم أفخم من أن يزول على طريقة حرب النجوم، أو على الأقل هو أصلب من حقيبة الرجل الميت.
لقد لبس الرجل الميت الزي البرتقالي وهو في القفص، نظر إلى نفسه وهو يرتل أولى كلمات الإنسانية، ثم اتجه بنظره إلى مشكلات الانارة ليجد نفسه في ظلمة كرهها قبل حتى أن يولد، لهذا جعل من آثاره أكبر خطايا ماهيته، ليلتفت إلى عيوبه فيعود إلى أهم صور تعداده العمري، لهذا لا يمكن أن يكون الرجل الميت أكثر من ذئب نشد الخلاص، لكنه خلاص منشود بالعواء لا غير.
مزوار محمد سعيد
التعليقات (0)