غـزل الموت
الأحياء هم أولى الناس و أعرفهم بالخوف من الموت و الفنــــاء، و مع أنّهم متيقنون من أنه آت مهما طال الزمن، إلا أنهم يؤكدون على خوفهم الفوبي هذا كلما توفي أحدهم، و سارت الجنازة إلى المقبرة. إنها لغة الصمت المخيف التي تتربص بالأحياء كلما تذكروا أو تدبروا في المصير.
إنني كلما تمعنت في كل ما يدور من حولي، فإنّ العالم يسير في فلك هذا الخوف، "الخوف من عواقب الموت" و لكل فرد ميزاته التي تميّز تصوراته و سلوكياته، خاصة عندما نذكر الجنـّة أو النــــار، أو نذكر الجزاء أو العقاب، و كل هذه الأفراد تحاول الانفراد بالفوز بالنعيم، و الابتعاد عن الشقاء الأبديّ.
إنها معضلة واقعية للإنسان منذ نسي أنه إنسان، و كل ما يهواه هذا المخلوق، هو الفوز، لأنه يمنحه شعورا مقتضبا، عابرا، و غير دائم، سوى ثواني قصيرة جدا، لا لأمر سوى أنّ المستقبل الجميل ينتظر الزاهدين أو العاملين، و للبقية أن يتبعوا خطوات أسيادهم دون نقاش، و أن يعبدوا الأهداف في ظل هذا الشعور السيئ على درجات.
و من هنا وجب علينـــا أن نشير إلى دور الأديان، تلك المناهج و التعاليم التي حركت خوف الإنسان، و استثمرته في خدمة البشر على حساب الأجناس و الأعراق، و الأمثلة موجودة أمامنا، لا لأمر سوى أنّ البعض منا يدعي أنه وكيل للسماء، فراح يستبيح و لا يستبيح، يضيف و يلغي، آخذا الشرعية من قراءة ذهنيته للمقدس، و مشروعيته من صورة مدهشة في أعين الناس، مما جعل الزهد و العمل يتزاوجان على رأس الجيفة الطاهرة، هكذا خرج الفضل من رحم المأساة، و استرسل في قهر العقول و ظلم المخالف لأصدقاء السماوات، أو على الأقل هكذا يبدوا لي.
الموت سيأتي! فلما الخوف من المصير؟ من أخبرنــــا بقدومه من غير السماء؟ من جعله مسلمة نخضع لها من غير الأنبياء؟
أيها الموت مرحبا، أنا أنتظرك منذ زمن، لأحييك على ما فعلته بحياة الإنسان، فالمخلوق المقدس اليوم مرتبك، و أمم بأكملها تخشاك، حتى أنها تطيع من يعد أبناءها بالنجاة من ضفة الحياة الأخرى، كما أنني أحيي هؤلاء الدهاة الذي يعبثون بشعوب كثيرة، و بكل الشرائح الاجتماعية، فلا فرق في دوامة آلتهم بين مثقف أو جاهل، و لا بين فيلسوف أو عاميّ بسيط، و لا بين قويّ أو الضعيف، كلهم عبيد لوكلاء السماء، و كلهم مغرر بهم بشرعية زائفة، خائفة و متقنة الصنع بأنامل عقول مثل عقولنا، و لكنها عرفت الضعيف فينا فحركته بكل ذكاء، ليبقى مصيرنا يخدم مشاريعهم مقدما لهم الولاء، فيا أهل الخوف استيقظوا، و لا تخافوا من السماء.
التعليقات (0)