مواضيع اليوم

غصه .. صنعها الطبيب وأفسدها أبي

عبدالله الحامد

2016-02-08 08:55:56

0

 

 

 


 

عندما كنت صغيراً كنت على صلة جيدة بالمستشفيات, حيث كنت أعاني من سعال حاد آل إلى التهابات رئوية لم تُكتشف إلا متأخراً - في سن التاسعة تقريبا-, كان والدي -حفظه الله- يأخذني إلى المشفى باحثا لي عن علاج, كنّا نقضي منذ ساعات الصباح الأولى ونحن ننتظر في كراسي الانتظار للدخول إلى عيادة الطبيب , وكلما شعرت بالنعاس وضعت رأسي على فخذ والدي لكي أغفو, وبتلقائية تمتد يده الحانية وتطبطب على كتفي لأشعر بالأمان فأنام ولا يوقظني –حفظه الله- إلا عندما تنادي الممرضة اسمي وقد أقترب وقت الظهيرة, مستنداً على الكرسي الحديدي صالباً ظهره لا يتحرك خشية أن أصحو من نومي.
أصبح الأطباء أصدقاء لوالدي بسبب متابعة حالة ابنه الهزيل من عيادة إلى أخرى.. إلى أن وفقنا الله بالطبيب -طيّب القلب- د. سعد السعيد والذي انتهت صلتنا به منذ ذلك الوقت ولا أعلم أين هو الآن؟. هذا الطبيب استمر بمتابعة حالتي المرضية لسنوات طويلة وقد اقترح على والدي أن يشفع لنا عند أحد الأطباء الرموز في ذلك الوقت, حيث كان الطبيب والرمز الطبي ينتقل بين عدة عيادات في أغلب المستشفيات الحكومية.
ولأن والدي على علاقة جيّدة مع د. سعد السعيد تم حجز موعد مع الطبيب (الرمز) وبعد طول انتظار امتد لمدة شهرين, تواجدنا بالعيادة قبل الموعد بساعة تقريباً وأتى الطبيب وكان يرافقه طاقم من الأطباء –أتضح مؤخراً أنهم طلاب مرحلة امتياز- اجتمع بنا على طاولة واحدة, وبينما كان الطبيب يشاهد صور الأشعة السينية والأشعة الصوتية التي أجريت لي, ويطّلع على فحوى الملف ويقلّب صفحاته بين أصابعه ويتابع ويقرأ بصمت ما دوّنه الأطباء عن حالتي من أول ورقة إلى أن وصل آخر ورقة بالملف, وكنت انظر إلى والدي وجبينه يندى عرقاً, أغلق الطبيب الملف وقال " يا أبا عبد الله , بناءً على المعطيات التي تتضح أمامي أن ابنك لن يتجاوز الحادية عشر من عمرة وسيفارق الحياة"!.. ذُهل والدي مما تفوّه به الطبيب ولكنه كان حليماً وقال له وبلغة الواثق بربه : يا دكتور ... الأعمار كما قلت.. بيد الله, ولكن ثق بأن الله لم يخلق داء إلى وله دواء, وسوف استمر برحلة البحث عن العلاج إلى أن أجده ويشفي الله ابني.. وغادر والدي العيادة ممسكاّ بيدي بشّده وهو يتمتم بالأدعية.
لم ييأس والدي من رحلة البحث عن العلاج ومن ضمن الزيارات والمواعيد لـ د. سعد السعيد –طبيبي المعالج- اقترح أيضاً على والدي اسم طبيب آخر ذو سمعه جيّدة ولكنها بين المرضى فقط, وكان الطبيب يعمل لحسابه في عيادة خاصة به, ولم يتوانا والدي وأخذني إليه مباشرة, وبعد عدة زيارات وبعد عمل الأشعة والتحاليل اللازمة, اتضحت له الصورة كاملة وأصبح من الضرورة إجراء عملية جراحية , كتب  رسالة (توصية) إلى صديقه الطبيب المختص بالصدرية –مصري الجنسية- بمستشفى الشميسي سابقا وسلمها والدي, وبالمناسبة مواعيد المستشفيات كحالها الآن لم تتطور منذ ذلك الوقت المواعيد بالأشهر وأحياناً بالسنين. بعد أن أجرأ الطبيب في مستشفى الشميسي جميع الفحوصات والتحاليل والأشعة مرة أخرى, قرر حينئذ إجراء عملية جراحية عاجلة يتم من خلالها استئصال الفص السفلي من الرئة اليسرى, وفي الحقيقة لم أشعر بأي مشاعر نحو هذا الكلام, بينما أن والدي اختلطت لديه مجموعة من المشاعر.. الخوف .. السعادة معاً, الخوف من مشرط الجرّاح على جسد فلذة كبده, ممزوجة بسعادة لا توصف بعد قرار الطبيب الأخير الذي عصف به, وبلا تردد وافق والدي وطلب إجازة من عمله امتدت إلى أربعة أشهر, وتم إجراء العملية الجراحية بنجاح , وها أنا أنعم بصحة جيدة ولله الحمد.
لم أكن ابناً عادياً بين أخوتي, كان والدي يعاني معي كثيراً, وكنت أوقظه من نومه ولا أدرى ما الذي أيقظني واستدرك لاحقاُ بأن السبب يرجع إلى نوبات السعال التي تلازمني عند النوم, يحتضنني والدي وأنام على ساعده, كانت هذه عادتي شبه يومياً تتكرر, لأستيقظ على بشاشة وجهه وكأنه صباحاً للتو بدأ.
نعم هي "غصة" صنعها الطبيب وأفسدها أبي بإيمانه التام بالله ثم بإصراره وعزمه الصلب.
الجدير بالذكر والغريب, أن الطبيب الذي قرر على حالتي الوفاة في سن الحادية عشر, تولّى منصب وزير الصحة لسنوات, إلى أن توالت سلسلة الإعفاءات وتم إعفاءه بناءّ على (طلبه) , حيث أنني ما زلت حياً أرزق واكتب هذا المقال بناء على رغبتي والذي لا أعلم هل سينشر ام لا.



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !