مواضيع اليوم

غصة في القلب

ازهار رحيم

2009-02-10 08:33:50

0

د.إزهار رحيم

ــــــــــــــــــــ


"قلبي ملأن أسى، انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب بعد، بل توجد تكتلات بشرية، خيالية، خالية من أي فكرة وطنية"
الملك فيصل الأول


فكرة الإصرار تلك على انصهار (كل التكتلات البشرية) قومية كانت او دينية او مذهبية هي الأساس التي قامت عليه الدولة العراقية قبل أكثر من ثمانين عاما مستندة الى فكرة المواطنة العراقية واتلي ظلت خطا ثابتا لا يمكن الميلان عنه عبر كل تلك السنوات.. لاغيا التعددية التي نمت وترعرعت في ارض الرافدين قبل أن توجد حتى فكرة السلطة والنظام وقبل انتقال الإنسان من نظام القرية الى المدينة وفق عملية التحضر التي مرت بها كل شعوب المنطقة على اختلاف أعراقها والتي توسعة الى قوميات بفعل ازدهار الحضارات، ومن ثم الى أديان بعد نزول الرسالات السماوية والتي تشعبت بدورها الى مذاهب فان كان الثبات على فكرة الانصهار تلك وإلغاء كل الاختلافات القومية والدينية والمذهبية شعارا متوارثا وهدفا لا يمكن الحياد عنه، فلنقرأ السلم على العراقيين.. لان زمن الصراعات والحروب سيمتد لسنين طويلة، لتحرق أجيالا أخرى حملتها، وتنشر الموت والدمار.. بينما نحن نتوسل ونسعى لاختزال الزمن والقفز فوق حواجزه للعبور نحو حياة أكثر سلاما وأمنا.. أتساءل هل سنبقى عبيد فكرة المواطنة تلك والتي سارت على نهجها الأنظمة التي توالت على حكم العراق، وأبدعت في الحفاظ عليها بالقوة العسكرية وقمع الثورات وإخماد أصوات المطالبين بحقوقهم القومية والسياسية وعلى رأسهم الكورد.. نحن الحلقة الأضعف كما يعتبروننا، في سلسلة المواطنة العراقية المختزلة في بوتقة الوطن، الذي ضاق افقه وحدوده ليتحول الى نظام مستبد ومن ثم الى شخص يترأس النظام بقوة السلاح والقمع، فتحولت المواطنة الى علاقة عبد وسيده.. عبد عليه تقديم فروض الخضوع والطاعة العمياء لسيد ظالم..
بعد سقوط نظام الطاغية وتفتته لأشلاء تبعثرت في الداخل والخارج.. ظلت تلك الفكرة السادية التي تربى عليها أجيال مازال بعضها يتناطح مع كل من يخالفهم قوميا او دينا او مذهبيا وبذات النظرة الاستعلائية وكأنهم الأسمى والأنقى والآخرون لا يصلحون سوى لتلقي الأوامر وتنفيذها.. حتى بعد سقوط الأقنعة وانحسار ثقافة العروبة الشوفينية الضيقة، الساعية دوما لإلغاء الكل ضمانا لبقائها الأوحد، نجد الكثيرون سجناء داخل أنفسهم وأفكارهم يأبون هذا التغيير ويدورون في حلبة أنفسهم المترعة بخيلاء مزيفة وتعصب أعمى وشعارات كاذبة هم أول منا طلقاه وأول من صدقها..
مثل تلك الصور شاهدتها وغيري.. في مؤتمرات واجتماعات ومجالس تضم بعض النخب الثقافية والتي من المفروض بها ان تكون قائدة لعملية التغيير التي تزحف ببطء على جسد أيامنا ولكنها موجودة فعلا.. وان كانوا يقبلون بالكورد على طريقة (شجابرك على المر.. غير الأمر منه) ويدعوننا الى حواراتهم ومؤتمراتهم، وما أن نطالب بحقنا بالمشاركة في تولي منصب او مسؤولية في حدود خصوصيتنا القومية.. حتى تشرأب الأعناق وتشتعل الانتقادات متهمين إيانا بشق الصف الوطني.. فما يحصل من اقتتال وتوتر في عدة مناطق في العراق وعمليات خطب وابتزاز طالت العراقيين وأناس من جنسيات مختلفة جاءوا لمساعدتنا وهم بهذا أفضل من بعض حملة الشعارات الوطنية علنا ومخططي العمليات الإرهابية سرا، ومن بعض أصحاب العمائم والفتاوى الذين يجيزون قتل المسلمين والمدنيين وتشجيع مفخخي السيارات وقاطعي الرؤوس لأنهم (مقاومون وطنيون).. كل أولئك لا يشقون الصف الوطني ولا يدمرون امن سلامة العراق.. لكن عندما يطالب الكورد بحقهم في الترشيح لمنصب او المشاركة مع الآخرين بثقلهم السياسي والمطالبة بحقوقهم التاريخية والقومية في المدن الكوردية التي تعرضت لعمليات تعريب قسرية ومقيتة، تلك المدن التي ولدت من رحم ارض كوردستان على أيدي الكورد بناتها يتهمون بالتحريض على الحرب وتهديد وحدة وامن العراق..
السكوت من ذهب.. ولكن الصمت يصبح أحيانا بلاغة متهرئة في التحاور مع المتعصبين الطرشان..

في إحدى الندوات التي نظمتها جمعية حقوق الإنسان، طالب احد
المشاركين بان يكون هناك كراس باللغة الكوردية أسوى بكراس اللغة العربية، الذي يتحدث عن حقوق الإنسان مما أثار حفيظة بعض من زاروا منطقة (الشمال) كما يسمونها بدلا من كوردستان، بان الكورد في تلك المناطق لا يجيدون التحدث باللغة العربية وهذه مشكلتهم عليهم حلها بدل المطالبة بالترجمة الى اللغة الكوردية.. علما ان تلامذة كوردستان يتعلمون اللغتين العربية والانكليزية ضمن مناهجهم الدراسية وهم يتحملون عبئا أخر لا يحمله بقية التلامذة في مناطق العراق.

هي سيدة دءوبة ومجدة قضت ثلاثين عاما في التدريس تعودت كل صباح ان تحمل حقيبتها اليدوية بعد تناول الفطور، والتوجه لعملها.. هذا الروتين الصباحي أصبح سمة لازمة لها لمدة ثلاثين عاما عدا ايام الإجازة والعطل الرسمية، ذات يوم أحست بان حقيبتها أصبحت ثقيلة وحار، لم تدرك ما حدث لها الى نبتها إحدى زميلاتها بأنها تحمل في يديها (كتلي الماء الحار) وليس حقيبتها اليدوية!!
فان كان اعتياد الفعل يتواصل عبر كل تلك السنوات.. فكيف بالتعود على فكرة تطرق بكثافة على الرأس لتصبح وشما في الذاكرة يصعب التخلص منه ومع كل ذلك يبقى التفاؤل بقعة ضوء في صفحة سوداء تمتد بحذر وخوف لتزيح السواد الى الأبد..

كاتبه وصحفية عراقية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !