بدأت ثورة الشعوب العربية تأخذ مسارات محلية متباينة لدى الدول العربية المختلفة ، وبدأ يتشكل إدراك جديد مرتبط بالسياقات العربية ويتضمن ذلك الإدراك حقيقة أن نموذج ميدان التحرير والاعتصام المفتوح ليس النموذج والسبيل الوحيد للوصول إلى الإصلاح أو إسقاط أنظمة "ممانعة ومقاومة" الإصلاح ، فمن المرجح على سبيل المثال، أن يشهد الربيع العربي قريبا سقوط نظام الأسد القمعي "المقاوم والممانع للإصلاح "دون اللجوء إلى خيار الاعتصام المفتوح ونموذج ميدان التحرير.
في الأردن ، وبعد الإعلان عن منع القوى الوطنية من اللجوء إلى استخدام الاعتصام المفتوح من قبل القوى الوطنية كأداة سلمية للمطالبة بالإصلاح وفض اعتصام ساحة النخيل في الخامس عشر من تموز في لحظاته الأولى (مع الإشارة هنا إلى عدم وجود قرار لدى المنظمين بأن يكون اعتصام 15/7 مفتوحا) حاول منظمو الاعتصام ( وهم مجموعة من ممثلي الحركات الشعبية والشبابية من كافة مناطق المملكة ضمن تنسيقية الحركات الشبابية والشعبية للإصلاح) ابتكار شكل جديد من الاعتصام يمكن وصفه بالاعتصام السائد أو المتحرك ،والذي يشكل استجابة فريدة ومبتكرة لموجهة الإصرار على منع الاعتصام وبما يتضمن تحرك الاعتصام بين مناطق المملكة المختلفة وبحيث لا يقتصر على مكان أو وقت أو شكل محدد.
التعامل الحكومي مع الاعتصام والذي تمثل بالخيار الأمني وما تبعه من تصريحات غير مسؤولة واتهامات خطيرة وجهها وزير الداخلية ورئيس الحكومة لمنظمي الاعتصام والمشاركين به تشكل معا ما يمكن وصفه "بسلسلة الأخطاء". ولا يمكن وصف القمع الذي تعرض له المشاركين بالاعتصام وممثلي وسائل الإعلام والصحفيين بأنه مجرد أخطاء فردية سببها "عدم حصول الكثير من أفراد الأجهزة الأمنية الذين شاركوا في ترهيب المواطنين وفض الاعتصام على إجازات منذ 33 أسبوع" كما تشير تصريحات وزير الداخلية .
من حق القوى الوطنية اللجوء إلى الأدوات التي تراها مناسبة للمطالبة بالإصلاح وبما يتضمن خيار تنظيم الاعتصام المفتوح طالما التزمت بالوسائل السلمية. ويتوجب الحذر من استمرار سلسلة الأخطاء التي يجب كسرها لتجنب التكاليف الباهظة التي قد يقود إليها تعنت صناع القرار تجنبا لحدوث أخطاء جديدة قد يكون لها نتائج كارثية تجعل المطالبة بالإصلاح خيارا غير مقبولا لدى الشعب وتجعل ذلك الخيار أقرب إلى خيانة الشعب الأردني الذي أظهر أقصى درجات المسؤولية والحرص على المصالح العليا للوطن ، وتمثل المطالبة بالإصلاح بالوسائل السلمية والمشروعة أحد تجليات ذلك الحرص الذي قد تفتقر إليه الحكومة التي ما زالت تراوح مكانها مع استمرار سلسلة وعود الإصلاح الانطباعي والأخطاء الخطيرة .
التعليقات (0)