على الرغم من ان مثل هذه القرارات تعد من الامور السيادية التي تلجأ اليها الدول عادةً لحفظ مصالحها وسلامة ابنائها,الا ان رد الفعل الخليجي على التطورات المتسارعة على الارض في لبنان قد تشير الى وجود سوء تقدير مأساوي للعواقب المحتملة لتداعيات الجهد الحثيث والملحاح في وضع قوائم متطاولة لاسماء الدول والكيانات التي يجب عليها ان تجر الى اتون الحرب الضروس الدائرة –بضراوة- على الأرض السورية..او انها على الاقل,لم تقوى على التعتيم على عامل الصدمة والارتباك الذي بدا واضحا على طريقة التعاطي الخليجي مع الازمة بشكل قد يشي بان دوائر القرار العليا في دول مجلس التعاون لم تكن تتوقع ان تكون هناك أي ردود افعال تجاه سياستها الممنهجة في افشاء الفرز والتقاطع المذهبي والتغييب الممنهج لمفهوم الدولة الوطنية مقابل اولية المكون او الانتماء الايديولوجي في ادارة العلاقات ما بين شعوب المنطقة..
فغلق البعثات الدبلوماسية ودعوة رعايا دول مجلس التعاون الى مغادرة لبنان والتهديد الضمني بابعاد اللبنانيين المتواجدين في الخليج كرد دفاعي متخندق امام بيانات "الجناح العسكري"لعشيرة آل المقداد قد يدل على ان القيادات الخليجية لم تكن واعية تماما لنتائج سياساتها وتمويلها المسرف تجاه اقرار الفرز الطائفي في دول المنطقة..
كما ان الترويج الاقرب الى التبني لتجاوزات بعض القوى المحسوبة على المعارضة السورية والتمجيد الاعلامي لولوغهم في دم الابرياء وتسويقه كدفاع عن ثوابت ومتبنيات الامة قد يكون هو السبب الرئيس في الاستهداف المدان للمواطن الخليجي البسيط الذي وجد نفسه وسط لعبة لا ناقة ولا"عرعور"له فيها ولا يراد منها الا تثبيت اركان الحكم العائلي على حساب تمزيق اللحمة الوطنية لشعوب المنطقة..
ان سياسة تصفير التاريخ والتأسيس المستمر لمناسبات معينة يرتكز عليها التفسير الطائفي للاحداث قد يكون مفيدا في حالات التجييش الطائفي في العالم الافتراضي وقد يشكل وسيلة تكسب جيدة لبعض كتاب القطعة,ولكنه بالتأكيد لن يكون له صدىً على مجريات الامور على الارض,مما يكون معه من الامعان في الخطل فصل "صولة"آل المقداد عن سياقها الصحيح ضمن سلسلة من التفلتات الامنية التي استهدفت خطف المواطنين العزل ولم تكن عملية خطف المواطنين السوريين والمواطن التركي الا محطة نتمناها خاتمة لهذا الاستهداف الواضح للحق الانساني الاصيل بالحياة والامن والكرامة.
وان كان الجيش الحر لم يجد بدا من الصاق الصفات المحببة لماكنة الكراهية عالية الصوت على المواطنين المخطوفين ليديم رضا طوال العمر وامداداتهم المالية ,فان الطرف الآخر يستطيع بسهولة ان يقدم ما لديه على انهم من قادة الجيش الحر ما دام الامر لا يحتاج الا الى بعض الجرأة الادبية والهتافات الضاجة المدججة بثقافة الغزو والاخضاع,وان كان الاعلام غير معني بتفسير كيفية "أسر"العشرات من قوات الحرس الثوري,وفي منطقة مأزومة, دون ان يكون معهم سكينة مطوية,فسيكون عليه تقبل ان يكون المواطنين السوريين المحتجزين لدى آل المقداد من قادة الجيش الحر او المخابرات التركية او الموساد,فمادامت هناك شاشات تنقل مثل هذه البيانات المخجلة, فسيكون هناك الكثير من محبي الظهور لملأ ساعات بثها الطوال..
ان التعتيم الاعلامي والسياسي على السابقة التاريخية الخطيرة في اعلان دولة ما بانها تدفع رواتب واجور لمقاتلين ينشطون على اراضي دولة اخرى قد تكون السبب الذي يجعل مواطنو الخليج لا يستوعبون انهم في قلب معركة لا يبدون مستعدين تماما لتداعياتها وان قياداتهم قد تجرهم الى صراع مبني على استنتاج احادية خيطية تجادل بسيناريو طويل من النزاعات التي يضطرم باوارها شعوب المنطقة دون ان تمس نيرانها اذيال المجتمع الخليجي المتناوم على فكرة ان النهاية الطبيعية للصراع في سوريا ستكون حفلة انتقام وافناء طائفي طويلة بين مجتمعات"عرب الشمال"يكون دور الخليجيين فيها التضحية باصطيافهم السنوي في لبنان واستبداله بشواطيء البسفور او دول اوربا الشرقية..
ان مراقبة تسارع الأحداث في سوريا وارتفاع صوت الموت فيها،وتحول الشعارات الثورية المنادية بالحرية والديمقراطية والخبز المغمس بالكرامة الانسانية الى حروب تتارجح بين الخطف والقتل والتمثيل الفضائي بالجثث,ينبىء بأن المشهد ذاهب باتجاه واقع اكثر مأساوية ، أكثر ما يخشى منه هو أن تنسحب الأزمة السورية، بكل ذيولها، الى دول اخرى,ومواطنين ابرياء من مجتمعات اخرى ينحرون قربانا لخطاب تحريضي عاطفي ملتبس يتقافز بين السياقات التاريخية للاحداث متكئا على جهد اعلامي مربك مشوش غير معني بالاقناع وإقامة الأدلة ولا يتورع عن استخدام آلام الشعوب وجراحاتهم حطبا لأدامة اهداف سياسية مؤجلة..
ان مثل هذه السياسات ان كانت تدل على شيء فانها تشير الى سوء فهم عميق لحركة التاريخ ومنعطفاته ,وعدم الوعي المؤسف بحقيقة عدم امكانية السيطرة على هذه الامور عند انطلاقها وخضوعها الحتمي للتفلت الخارج عن سيطرة كل الاطراف..وهي دليل على المدى الذي يمكن ان يصل اليه الاستخفاف الرسمي بوحدة النسيج المجتمعي للامة وامنه وسلمه الاهلي وخطورة الاسراف في اغراق المنطقة في الصراعات الفئوية المسعورة بشبق القتل والتدمير والتي لا يمكن لها ان تسفر عن رابح اوخاسر.
التعليقات (0)