غزل بدقّ طبول الحرب بين إسرائيل وإيران
يتردّد كثيرا لدى العديد من المحلّلين أنّ تحرُّش إيران بإسرائيل،والعكس بالعكس لا يعدو أن يكون تحرّشا بالأقوال لن يتحوّل إلى أفعال.أما ما يُستدلّ به من حجج لتمرير هذا الرّأي والترويج له فهو غالبا ما تفضحه نوايا خلْق حالة من التّوجُّس والرّيبة في منطقة الشرق الأوسط من هذا التحرّش المُعلَن يُراد منه استدراج العرب،تخصيصا،إلى الانحياز لهذا الطرف أو ذاك الممارس،ضدّ الآخر، لعبة دقّ طبول الحرب وخطابا مشحونا بالتهديد والوعيد والويل والثبور...
مهما تكن خلفيّات التحليلات وأغراضها فإنّ التّوتّر الخطابي المتصاعدة لهجته بين إيران وإسرائيل استطاع أن يُخيف العرب ويقُضّ مضجعهم ويُصيبهم بداء "التّحرّش فوبيا" فيوقعهم فريسة لهاجس خوف يرى بعضهم خطره عليهم مُتأتّ من إسرائيل،ومن ورائها أميركا وأوروبا،في حين يرى البعض الآخر-ولعلّههم الأغلبية-أنّ الكارثة عليهم هي إيرانية...
لم يعد خافيا اليوم أنّ دولا عربية اصطفّت،في تحالف معلن أو خفيّ،في الخندق الإسرائيلي لمواجهة "الشرّ" الإيراني المحتمل،وأنّ دولة عربية،وربّما أكثر،مع تنظيمات مقاومة معادية لإسرائيل اختارت المراهنة على التحالف مع إيران ضدّ إسرائيل...
النتيجة،إذن،أنّ مجرّد التحرّش اللفظي بين إسرائيل وإيران عمّق الفرقة بين العرب وأوقعهم في معركة ليست معركتهم،وإن كانت تؤول إلى استهدافهم،علاوة على أنّها لم تتحوّل إلى معركة بين الخصمين المفترضين المعنيين،بل قد تكون مقدّمة لغزل بين قوّتين حقيقيّتين في المنطقة تكون وليمتها نهشا لما تبقّى من لحم عربيّ طريّ...
أما طبول الحرب التي تُقرع بين إيران وإسرائيل،راهنا،لئن كانت ليست من قبيل التخيّلات والأوهام،ولا هي عبث صبياني يأتيه الطرفان دون أهداف وأغراض فهي ما تزال في مرحلة إرساء شكل من أشكال حوار النّدّ للنّدّ-والحوار بين الأنداد يقوم على التّرويض بالتّهديد- من أجل إعادة ترتيب الأوضاع عن طريق الإكراه...
يُفترض أن يُكرَه الكيان الإسرائيلي على الإذعان إلى شهوة إيران في النيل من هيمنته القائمة وتحجيمها في الشرق الأوسط،أو أن تُكره إيران عن التخلّي عن طموحاتها في أن تكون لاعبا رئيسيا في المنطقة له امتيازاته ووقاره المعترف بهما...
-هذا الإكراه قد يتمّ في إطار تسويّة بين الطّرفين،دون اندلاع حرب مباشرة بينهما،تكون أقلّ سوءا بتدخّل "عقلاء"،إلا أننا لا نرى لهم وجودا،والموجود منهم غير فاعل...
-ليس مستبعدا أن تندلع حرب بين إسرائيل وإيران،بل هي على وشك أن تشتعل سعيرا وجحيما بالنّظر إلى استيفاء شروط اندلاعها،وليست من هذه الشروط ما هو مزعوم من خطر امتلاك إيران للسلاح النووي،بما جعل "صبر إسرائيل ينفذ"،إنما من أهمّ شروط اشتعالها الدّواعي الدّاخلية والعالمية المحفّزة عليها،من ذلك أنّ نظامي الحكم في إيران وإسرائيل بحاجة مُلحّة إلى خوض حرب "مُبرّرة" لفكّ طوق داخلي خانق يُعاني منه كلاهما جرّاء أخطائهما،وهي كثيرة لكنها متباينة،من جهة،وجرّاء ضغط عالمي يُحاصرهما لدعوتهما إلى الاشتراك في تسوية لأمن المنطقة لا تنسجم وطموحاتهما وأغراضهما،من ناحية أخرى...علاوة على ذلك فإنّ من دواعيها اعتقاد الطرفين أنّ كليهما أمكن له فرز حلفائه الموثوق بهم والمحتملين،في حالة خوض هذه الحرب،وأمكن كسب أوراق فاعلة ومؤثّرة يُمكن أن يُساوم بها كلّ منهما الآخر والضغط عليه لتحقيق أغراض هيمنته...
إنّ الكيان الإسرائيلي،رغم غطرسته وعربدته الظاهرة،بات مهدّدا في الكثير من مكاسبه-فضلا عن طموحاته-إن لم يخُضْ حربا مع خصم جدّي يستعيد به قوّة التعاطف بل التعصّب والانحياز الأمريكي والغربي إليه الذي ناله بعض الفتور...والأمر شبيه بالنسبة لإيران التي،وهي تكسب القوّة وتُخيف باستعراض عضلاتها،استهدفها بعض التّفكّك من الدّاخل واعترى المراهنين على ثورتها الإسلامية من الخارج بعض الشكّ في مصداقيّة ما تدّعي من كونها تُواجه "الشيطان الأكبر" وتنتصر للفلسطينيين بالتلويح باقتلاع من اغتصب وطنهم من الجذور،وعليه فهي بحاجة لحرب "مبرّرة" تخلط فيها الأوراق من جديد وتُعيد بها صلابة جبهتها الدّاخلية،وتُعزّز من خلالها ثقة أنصارها وحلفائها بها،وتُحرج باندلاعها المتردّدين وتفرض عليهم التّخندق العلني معها أو ضدّها...
أما الحقيقة المرّة التي يجب أن تُقال عن العرب هي أنهمّ مُستهدفون من هذا الصراع الإيراني الإسرائيلي...وهم مَقْصيّون مسبّقا من أن ينالوا نصيبا من الهيمنة على المنطقة،هم أشبه ما يكونون بجارية يتصارع من أجلها فارسان لغاية النّيل منها...وكما هو الشأن في التعامل عند السعي للإيقاع بحسناء هو أن تُغازَل من الرّاغبين فيها للمساعدة،فقط،على أن يغنم بها أحدهم...
إن الادّعاء بأننا نعيش أخطر مرحلة من التاريخ العربي الحديث وأكثرها رداءة وانحدارا له ما يُبرّره ويُضفي عليه مزيدا من المصداقية والوجاهة حين يبلغ حال دول عربية إلى استعدادها للتّحالف مع عدوّها الحقيقي ضدّ عدوّها المفترض...لعلّها كارثة عدم التمييز بين العدوّ وبين الصديق وبين من تفرض عليه مصلحته أن يكون حليفا،وبين العدوّ الحقيقي والعدوّ المحتمل والصديق الحقيقي والصديق المحتمل...ليست الهزيمة إلا سوء تقدير وتخندق في الموقع الخطإ،والكارثة الأدهى والأمرّ هو أن نكون مهزومين في كلّ الحالات لأننا لم نُهيّئ لأنفسنا أسباب قوّتها فنكون طرفا فاعلا ومستفيدا من صراع يعنينا ويستهدفنا...
التعليقات (0)