غزة في إحباطها
تمر السنين وكأنها قوافل قحل ، لا برد لعطاشها ولا خبز لقلوب عشاقها ، في غزة كل الأشياء تنكرت لأشيائها ، وأصبحت الديار كالمقابر ، تبكي بصمت على عشاقها ، وأي من نجم سرق خبراً لفضاء البوح ، خرجت رجال تشبه قلوبهم قلوب الأعداء ، تطيح بالعصي وأعقاب البنادق ظهور شعبها ، لا تعترف للغائب بقامة ولا هيبة ولا قيادة ، تصك أسنانها على جلود المحبين ، وتخلي أفئدة من أحبك من كل أمن ، حتى أصبحت مطارداً في جيوب الصبية والنسوة وشموع الذكرى .
أبا عمار ، الرئيس الشهيد ، قائد الثورة ، الختيار ، غزة اليوم غير تلك التي تركتها ، ومن يحكمها يكرهك حتى العظم ، كنت تقبل جباههم وهم اليوم يقبلون جباه من لا يحبك ، وكان صدرك يتسع لهم وصدورهم لا تتسع لصورة يعلقها طفل على سور مدرسة ، كنت تحسبهم منك ومن وقود ثورتك لتحرير أرضك ، وحسبتهم فيك أنك عدوهم الذي منعهم الحكم والسلطة ، والحرج في كل ما تركت من خلفك ، فلا يؤمنون بوطنية أمنت بها ، ولا يعترفون لك بإنتماء ليصرحوا به للعالمين ، ويقفزون عن تاريخك كما يقفز قرد على حبل غليظ ، وراحوا ليغيروا ملامح البلاد بما يتناسب وفكرهم ، وأخفوا أرثك الكبير للغياب مع غيابك ، حتى الاحتفال بذكرى رحيلك محرمة وفق شريعتهم ، والذين يريدون من محبيك أن يذكرونك يسحبون على وجههم سحب المجرمين لمراكز أمنهم ، وياكل لهم العذاب وتطبع في وجوههم الشتائم ، وهذا كله بسببك ..سيدي الرئيس.
غزة التي دخلتها فاتحاً قبل سنوات وأرسيت فيها سلطة وحكما لشعب لم يحكم نفسه عبر التاريخ ولا مرة واحدة ، تغيرت اليوم ، وأصبحت فيها يا سيادة الرئيس غريباً ، غائباً ، مطارداً ، ربما أطفال الناصرة يحتفلون بذكراك وهم تحت سياط المحتل ، ولكن أطفال خانيونس عاجزين عن فعل ذلك ، لأن حكام غزة اليوم ليسوا يهوداً ولا إحتلالا ولا عدوا واضحاً ، يتكلمون بكلامنا ويرتدون ملابسنا ويصاهروننا وينتمون شكلا الينا نحن شعبك ، ولكنهم لا يحبونك ، ولا يحبوننا ، أصابهم النقرس الفارسي ، فصاروا غيرنا ، وضدنا ، لا زهرة لضريحك تنجو من أيديهم ولا شمعة تكمل نارها ، ولا صورة لك تجد مكانها في العلا ، وكل الاشياء التي تحبها مهددة بالاطاحة والإعدام .
يؤسفنا من غزة أن نبرق لك في مهدك الترابي القريب من القدس الشريف هذه الكلمات ، فالحال أشق على اللغة معانيها ، والوجع الذي فينا يمنع شفاءه من يقولون عن أنفسهم أنهم منا ، يذهبون بنا الى دمشق ويرجعوننا بخفي حنين ، ويقولون أنهم يريدون وحدتنا ، ويرمون شبابنا في زنازين التوقيف والعذاب ، بدون أدنى سبب ، لمجرد أنهم أتباعك ، أمنوا بفكرتك وإلتحقوا بثورتك ، وبايعوك على نصرة فلسطين وتحرير أرضها ، هم لا يحبون سواهم ، ولا يؤمنون بغيرهم ، ويكرهون كل من يخالفهم ، ويرفعون شعارا ،أكد الشعار في حكمهم أنهم لكاذبون ، ولا يحزنك سيد الشهداء ما فعله أحدهم في بيتك الغزي ، يوم أن اقتحموا البيت وسرقوا أشياءك وأوسمة نضالك ، لا تحزن على مداس قليل أمانة وعديم وطنية داس صورتك الشامخة ليعبر عن قيادته العليا ما أرادوا له أن يعبر ، فهم خوارج الوطن اليوم ، لا يريدون لنا وحدة ، ولا يسعون لقوة شعبنا ، همهم انصب على تجارة وكروش تنتعش في المناسبات ودون مناسبات ، ينطحون الكلمات ويطيرونها في المدى ، والاغبياء يصدقونهم لانهم أغبياء ، والذين يكشفون زيغهم صامتون ، خشية السياط او الموت السريع .
نم ولكن ليس قرير العين يا سيد الشهداء ، ولا تنظر نحو الجنوب الكئيب واترك عينك على القدس ، فشعبها مازال صامداً في سلونها والعيسوية واطرافها المترامية ، هناك لك قرة عين فأترك عينك عندها ، ولغزة رب يقدر لها مقاديرها ... فيها الكثير من عشاقك صابرين !!!.
التعليقات (0)