مواضيع اليوم

غزة المقاومة فدية الأزمنة القادمة .

هشام الصباحى

2009-01-11 02:01:38

0

 

غزة المقاومة فدية الأزمنة القادمة

 

 

فرمان بونجق :

 

مفهوم المقاومة في العُرف الشرق أوسطي ، مفهوم مطاطي يحتمل كافة أوجه التأويل والتفسير ، والمساحة الممتدة بين المقاومة والمقاومة ، وأحياناً المقاولة ، كتلك المساحة  الضبابية أو الضائعة ، بين المقاومة العراقية ، والمقاومة اللبنانية ، والمقاومة الفلسطينية ، والمقاومة الحمساوية ، كامتداد المساحة الفكرية المتأرجحة بين النضال والعمالة والخيانة والإرهاب ، سواء كان هذا الإرهاب محلياً ، أو إقليمياً ، أو عابراً للقارات . إلاّ أن أدوات المقاومة تتشابه ، من حيث الفكر ، والإرادة ، والنهج ، والعنصر البشري ، والسلاح . ولكن القيمة الحقيقية للمقاومة ، تكمن في دقة الفرز بين المشروع الوطني ( المقاوم ) من جهة ، وبين أعمال ( المقاومة ) التي تنتفي عنها صفة الوطنية من جهة أخرى ، والتي تعتبر مقاومة مجنونة وغير ذي جدوى ، وهي باهظة التكاليف ، بكافة المقاييس .

أحياناً ، وعندما تتكلم الرصاصة ، يسكت العقل ، إذ لا يمكن أن يلتقي الجنون والحكمة في بوتقة واحدة ، ولكل منها مبرراتها ، ولكن الحالة الصحية ، وهي نادرة جداً ، تكمن في خضوع الرصاصة لمنطق العقل والحكمة ، وعندئذ تكتسب تلك الرصاصة شرعية ما بعدها شرعية . وفي حالة قطاع غزة المنكوب ، تتداخل عوامل عديدة ، أدت إلى ما أدت إليه من اختلاط الرؤى والمفاهيم ، وكذلك النتائج التي ولدتها المقدمات ، بغض النظر عن مشروعية هذه المقدمات ، وارتباطها بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، وهذا التداخل أفرز الكثير من المناحي على مستوى الداخل الفلسطيني ، وعلى مستوى الشارع العربي ، وأيضاً ردات فعل متباينة على مستوى قارات العالم الخمس .

ففي الوقت الذي انقسم الشارع العربي على نفسه ، بين ممانع وداعم ومعتدل ومستهجن ، إن بالنسبة لدولة إسرائيل والقوى الداعمة لها ( وهذا ما حدث ويحدث ) ، أو بالنسبة لحركة حماس والمعسكر الذي يقف خلفها ، والقليل القليل من الشرائح التي حاولت قراءة الحدث وفق معطيات المنطق ، التي تصب في مصلحة المواطن الفلسطيني ، والتي تجسد مصلحة أهل غزة بشكل مباشر ، وفي ظروف هذه الأزمة تحديداً . وحتى لا يختلط الحابل بالنابل ، كما يقال ، وجب إلقاء نظرة على الاصطفافات الإقليمية التي تتفاعل بشكل مباشر مع الحدث .

في تصريح لـ " محمد باقر خرازي " أمين عام حزب الله الإيراني ، وهو الراعي الرئيس لباقي التنظيمات المماثلة في المنطقة ، لصحيفة " عصر إيران " : ( ما الفائدة التي جنيناها أو سوف نجنيها من دعم الحركات الفلسطينية ، فإذا أردنا دعم الفلسطينيين يجب أن نكون متيقنين أن فلسطين ستكون سائرة على مذهب أهل البيت ، وإذا لم تكن على مذهب أهل البيت ، إذاً ما الفرق بين إسرائيل وفلسطين ؟. وإلى متى ستكون سفرة الشعب الإيراني ممدودة للغرباء ، فيما الشعب الإيراني يتأوه جوعاً ) .

هذا التصريح وغيره من التصريحات الكثيرة لقادة إيران ، يوضح وبجلاء العلاقة القائمة بين حركة حماس الفلسطينية ، والنظام الإيراني ، وقد أكدت التقارير الواردة من غزة ، دور الحرس الثوري الإيراني ، وحزب الله اللبناني ، في تقييم الأوضاع السياسية والعسكرية بشكل ميداني ، طوال فترة استحواذ حماس بالسلطة داخل القطاع ، ناهيك عن التواصل الوثيق والدوري ، بين قيادات حماس في الخارج ، والمنظومات السياسية والدبلوماسية والأمنية الإيرانية ، المنتشرة في العديد من العواصم المتحالفة مع إيران ، والتي كان آخرها اللقاء الذي ضم قيادات من حركة حماس ، ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ، الذي تستضيفه دمشق بشكل دائم ، مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي ، وقد دار الحديث حول التطورات في قطاع غزة ، إثر العدوان الإسرائيلي الأخير .

من هنا تراهن عواصم ( الدول الممانعة ) ، على الحركات غير المنضبطة ضمن إطار مفهوم الدولة ، كحركات مارقة وزئبقية ، أو التي تمثل حالة الدولة ضمن الدولة ، لتمرير سياساتها وأجنداتها ، خوفاً من مواجهة المجتمع الدولي ، ضمن السياقات القانونية التي أقرتها الهيئات الدولية ، كتلك الأجندات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني غير الشفاف ، وأيضاً تداعيات المحكمة الجنائية الدولية ، الخاصة بكشف الفاعلين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وصحبه ، وقد تعرضت المنطقة إلى سلسلة مترابطة ومتشابهة من الأحداث ، خلال فترة العامين المنصرمين ، بدءاً من حرب تموز التي افتعلها حزب الله ، مروراً بأحداث مخيم البارد وأحداث غزوة بيروت ، وصولاً إلى كارثة غزة ، والتي لازالت فصولها مستمرة تحت عنوان المقاومة ، وسلاح المقاومة ، وصواريخ المقاومة ، وشرعية المقاومة ، في الوقت الذي يتساءل البعض ، أين ستكون الضربة القادمة ، وبأيدي أية مقاومة ؟.

في شهر كانون الثاني يناير 2005 ، خاضت حركة حماس الانتخابات البلدية في قطاع غزة ، وفي تموز يوليو من نفس العام ، خاضت انتخابات المجلس الوطني ، وحققت فوزاً كاسحاً ، مما منحها حق تشكيل الحكومة ، وفي آب أغسطس من ذات العام ، فككت إسرائيل المستوطنات الواقعة ضمن قطاع غزة ، وتم تسليم إدارة شؤون القطاع لحركة حماس ، في ظل السلطة الوطنية ، ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية المتمثلة بالرئيس محمود عباس ، إلاّ أن الحركة وفي انقلاب مثير للجدل ، انتزعت القطاع من السلطة الوطنية ، وبنت مؤسساتها ( الحمساوية ) ، وتفرغت لحفر الأنفاق ، وتهريب الأسلحة ، في الوقت الذي انصرفت عن إعادة النظر في البنى التحتية ، وتوفير الحد المعقول من مستوى المعيشة للمواطن ، من خلال تأصيل تجربة الحكم ، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسساته الوطنية . وقد كتب آنذاك حسين عبد الله نورالدين : " استمرار الأوضاع على ما هي عليه في غزة ستؤدي إلى سيطرة حماس وإقامة دولتها في القطاع وتصبح بذلك ورقة تفاوضية بيد سوريا لاستدراج عدوان إسرائيلي والهروب من الاستحقاقات التي بات عليها أن تؤديها ".

اليوم وغزة تئن تحت مئات الأطنان من المتفجرات ، التي تقذفها الطائرات وفوهات المدافع ، وتحاصرها المدرعات ، وتقطع أوصالها إلى أشلاء ، في غياب الماء والكهرباء والغذاء والدواء ، ناهيك عن الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح ، يزفُّ القيادي في حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) د. أحمد نزال ، يزف بشرى فحواها : أن المقاومة الإسلامية قتلت ثمانية أو تسعة من جنود الاحتلال ، مرحى مرحى لهذه البشرى .

في الوقت الذي لم تتوقف الجهود الخيرة ، من معظم الدول العربية ، ومجلس جامعتها المتمثلة بأمينها العام ، لوقف النزيف البشري الفلسطيني ، بفعل آلة الحرب الوحشية لجيش الدفاع الإسرائيلي ، واستطاعت هذه الجهود من انتزاع القرار 1860 من مجلس الأمن ، والقاضي بوقف إطلاق النار فوراً ، وفتح المعابر كبداية لتخفيف المعاناة ، وأيضاً لاستئناف الحياة الطبيعية ، على أساس المبادرة المصرية ، والتي هي بالأساس نتيجة جهد مشترك ، وهي مبنية على أساس المقترحات المصرية والتركية والفرنسية ، إلا أن حركة حماس اعتبرت أن القرار لا يعنيها في شيء ، طالما أن أحداً لم يستشرها في الأمر ، وهذا يعيدنا بشكل أو بآخر إلى مقالة الكاتب حسين عبدالله نور الدين ، فيما يبدو أن على حماس إستحقاقات أخرى يجب أن تؤديها للآخرين .

وعليه فإنه يُفهم من موقف حماس الأخير هذا ، أن الأمر برمته يرتبط بأجندة ممانعة ، تشكل هي الضلع الرابع فيه ، ولكنه قطعاً الضلع الأضعف ، وأخشى ما أخشاه أن تتحول غزة بكل ضحاياها ، إلى فدية لتمرير مشاريع دول الممانعة في الأزمنة القادمة .

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !