مواضيع اليوم

غريب أمر جامعة ابن طفيل "من لا يستحيي فليفعل ما يريد"

إدريس ولد القابلة

2012-03-10 15:16:14

0

عن موقع جريدة فضاء الحوار – القنيطرة - المغرب


غريب أمر جامعة ابن طفيل
"من لا يستحيي فليفعل ما يريد"


في غضون الأسبوع الماضي احتج طلاب السنة الأولى –اقتصاد- أمام إدارة كلية العلوم القانونية والاجتماعية التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ويمكن سبب هذا التحرك في كون كل الطلبة الذين استدركوا امتحانات (س1) لم ينجح منهم ولو نفراً واحداً. وما حزٌ حقاً في القلب أن الإدارة أكتفت بتعليق لائحة الطلبة وإثبات كلمة "راسب" بجانب كل اسم دون الإعلان عن النقط. وعندما استفسر الطلبة عن الأمر قيل لهم النقط غير متوفرة الآن، وهذا أمر لا يمكن استساغته بأي وجه من الوجوه. وبعد تعليق اللوائح أغلقت الإدارة أبوابها واختفى العاملون بها، ممّا زاد الطين بلة. وقد دفع هذا التصرف الغير مسؤول إلى تناسل الإشاعات بقوة، ومنها التشكيك الكبير في تصحيح أوراق الامتحان، سيما وأن الثقة قد اهتزت بقوّة بين الطلبة من جهة والأساتذة والإدارة من جهة أخرى. ومن تلك الإشاعات أيضاً، أن هناك نيّة في جعل الكثير من الطلبة (س1) يرسبون لأن مستوى (س3) يضم عدد كبير من الطلبة، وذلك من أجل التخفيف.

وللإشارة يذكرنا هذا النهج –إن تأكدت هذه الإشاعة- بنهج "الكوطا" وهو غير غريب عن منظومة تعلينا المهترئة. إذ سبق اعتماده خلال سنوات الجمر والرصاص، حيث كانت نسبة النجاح مرتبطة بـ"كوطا" محددة مسبقاً وليس استناداً على الحصول على المعدل. وقد تم تطبيقها بالأساس في امتحانات الشهادات الابتدائية والباكالوريا.

واعتباراً للشك المريب الذي طال الطلبة أضحى هؤلاء يطالبون بإعادة تصحيح أوراق الامتحان من طرف أساتذة محايدين، سيما وأن الكثير من الطلبة بدلوا مجهودات جبارة للاستدراك، بل منهم ما تابع دروساً خصوصية خارج الجامعة في مواد مختلفة.


على نفس الدرب، درب الاحتجاج والتنديد،سبق أن سار طلبة أحد المستويات بشعبة الجغرافيا، ضد ما وصفوه باستبداد أحد الأساتذة على صعيد التنقيط، إذ نادراً جداً ما تحصل ثلة قليلة جداً –لا تكاد تبين- بالكاد على المعدل. وبعد عدّة وقفات وتظاهرات أمام عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية. كان جواب العميد مختزلاً في جملة فقط، وهذا أمر يدعو حقاً إلى أكثر من تساؤل، فهل الأساتذة الجامعيين في مغربنا السعيد يمكنهم أن يفعلوا ما يريدون دون أن يكونوا موضوع مراقبة ومساءلة عند الضرورة لقد طرح الطلبة إشكالية كبيرة، وكان من قبيل أضعف الإيمان، النظر في الأمر، لأنه لا يمكن أن يجمع كل الطلبة على ضلال أو باطل ويظل الأستاذ هو صاحب الحق مهما كان الأمر، إنه وجه من وجوه الاستبداد. هذا علاوة على أن من حق الطالب –وهو حق أساسي- التصدي لاستبداد أستاذ جامعي من جهة، ومن جهة أخرى، في حقيقة الأمر، مَن المسؤول في حالة رسوب الأغلبية الساحقة للطلبة في إحدى المواد؟ وهل الطلبة هم من يتحملون المسؤولية وحدهم؟ لقد طرحت هذا الأمر على أحد الأساتذة من جامعة أوروبية، وكان جوابه توّاً بدون تردد، "لو حصل ورسب الأغلبية الساحقة للطلبة في المادة التي أدرسهم لتنحيت عن التدريس، لأن حالة من هذا القبيل تعني أنني –كأستاذ- لم أتفوق في إيصال معارفي للطلبة"، في حين أن عندنا، هناك بعض الأساتذة يفتخرون بكون الأغلبية الساحقة لطلابهم يرسبون في مادتهم، وهذا أمر غريب حقاً، إذ هيهات هيهات بين المنظور الأول والمنظور الثاني.

 


وفي بداية السنة الجامعية الجارية، لوحظ أن عدداً مهماً من الطلبة "حركوا" (من الحريك) من كلية العلوم إلى كلية الحقوق (من شعبة علوم الحياة والأرض إلى شعبة الاقتصاد)، إلى حد أن أحد المسؤولين بالجامعة قال: "الطلبة أضحوا يهربون من كلية العلوم، هل علينا إقفالها؟".


فعلاً إن الشعب المدرسة حالياً في هذه الكلية أضحت لا تستجيب لمتطلبات سوق العمل –سيما شعبة "علوم الحياة والأرض – التي باتت مرادفاً لـ"تشومير" (أي البطالة بالعامية المغربية) إلى الأبد عند البعض بحكم معاينة واقع حال خريجيها مقارنة مع خريجي شعب الكليات الأخرى. أليس هذا كاف وزيادة لطرح التساؤل: ألم يحن الوقت لإعادة النظر في جملة من الشُعب؟


بالصدفة، اطلعت على نسخ (بوليكوب) لبعض دروس شعبة ما باللغة الفرنسية –وهي شعبة ضمن العلوم الاجتماعية- مسلمة من طرف الأساتذة للطلبة، واستغربت لضخامة الأخطاء النحوية والتركيبية التي تضمّنتها، وهي أخطاء كان تلاميذ الابتدائي في السابق يحصدون "طريحة" عند اقترافها. وهناك نسخ من هذه الدروس، تكاد لا تخلو صفحة من أخطاء من هذا القبيل، هذا ناهيك عن الركاكة. إنه أمر غريب سيما وأننا أضحينا نعيش في زمن الامتياز، في حين مازالت الجامعة لم تتوفق حتى في تدبر الرداءة.


اعتباراً للحالات أعلاه، يبدو أن جامعة ابن طفيل قد أُجبلت على تدبير الرداءة، بل "حكامة الرداءة"، أي الإصرار على عدم الاستجابة الفعلية لمتطلبات الواقع. إنه أسلوب في التدبير يقرّ بتشجيع استمرار العراقيل وتقوية وتكثير الموانع وحظر التشارك، وفي أحسن الظروف عرقلته بين القيمين على الأمور والطالب، كما تتوخى سوء التنظيم وتغييب التواصل كلما تمكنوا من ذلك.


وباعتماد "حكامة الرداءة"، حرمت الجامعة نفسها من مؤهلات لولوج عصر الشفافية ومن إمكانية الاستجابة للمهام المنوطة بها وتحقيق الانتظارات المتوخاة منها.


إن "حكامة الرداءة" تعتمد على الغموض والضبابية وحجب المعلومات.

 


في واقع الأمر، لقد مرّت جامعة ابن طفيل من تدبير الرداءة إلى مرحلة "حكامة الرداءة" وهي أدهى وأمرّ.


لم يعد يشك أحد الآن في أن منظومة تعليمنا في أزمة بل في ورطة غير مسبوقة -لا مثيل لها في العالم- إذ أنه يبدو أن القيّمين على أمورنا مازالوا يسيرون على درب إفراغ التعليم العالي من مضمونه الإيجابي وضربه من الخلف حتى لا يلعب دوره في الإشعاع الثقافي والفكري ويساهم التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر البحث العلمي، علماً أن الأخير لم يعد يساوي بصلة في منظور القائمين على منظومة تعليمنا العالي في مغربنا السعيد.


كما لم يعد يخفى على أحد أيضاً أن المدخل الحقيقي لحل فعلي ودائم هو رد الاعتبار للجامعة ودورها الحضاري والتنموي والإنساني، والسياسي كذلك، حتى تصبح فضاء للإبداع والحوار والتواصل والحرية والحق في الاختلاف والإشعاع الحضاري، وتشكل قاطرة للتنمية المُواطنة الفعلية، وبذلك تأخذ موقعها ضمن المشروع المجتمعي من أجل قيم العدل والكرامة والحرية و المواطنة. سيما وأن واقع جامعتنا ظلت تزداد ترهلاً بعد مرور أكثر من 12 سنة على صدور ما يسمى بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبعد أكثر من 11 سنة عن صدور القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي.


         بعد كل هذا، هل تخامر المرء ذرة شك الآن في أن جامعتنا في حاجة ماسة –أكثر من أي وقت مضى- لإصلاح شمولي يؤهلها للقيام بالدور المنوط بتا، خصوصاً لكي تكون فضاء لتكوين أجيال قادرة على حمل أعباء التغيير، وهذا حتى لا يبقى عملها مقتصراً على تفريخ حاملي شهادات أغلبيتهم الساحقة يضطرون للتسكع على الأرصفة والقبوع بك"رؤوس الدروب" أو يجاهدون جهاداً للبحث عن لقمة عيش مُرّة بجميع الوسائل لم تكن في الحسبان.


وخلاصة القول، إنّه لمن الجهالة مخاطبة الطلبة، باستخفاف، ويُعتبر بشكل استبدادي مزاجي.


فمتى ستصبح جامعة ابن طفيل مركز إشعاع ثقافي ومشتل لتفريخ الأطر والكفاءات العلمية والتقنية التي تحمل على عاتقها عبء المسيرة التنموية لتحقيق غد أفضل طال انتظاره؟.


مرزوق الحلالي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات