غرس ذرة إنسانية
كمال غبريال
الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 20:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
• تستطيع في بضعة أيام أو شهور أو سنوات تدريب حتى أغبى الأغبياء على قدر ما من التفكير المنطقي، لكنك لن تستطيع غرس ذرة إنسانية لدى من رضع الكراهية والوحشية والجلافة مع لبن الأم، وعاش عمره يقتات على قمامة الأفكار والتصورات، ولا يشترط أن يكون الضمير معياراً للخير أو دافعاً له، فهو يتشكل وفق القيم والعقائد السائدة، وخير دليل على ذلك من يحرقون ويذبحون وهم يكبرون طامعين في دخول الجنة. . أظن أن القاعدة المصرية هي الانطراح محمومة بوباء التخلف، وما فترات النهضة سوى مراحل كمون مصطنعة وقصيرة لفيروسه، سرعان ما يعقبها انتكاسة تدوم طويلاً، إلى أن يدخل الفيروس فترة كمون إجبارية تالية، فعندما سيطر الضباط "الأحرار" على مصر، تم توزيعها إقطاعيات على الضباط، والآن يتم توزيعها عطايا لقيادات الإخوان. . جثة الفريسة المتاحة تجتذب الضباع والذئاب والصقور من كل صوب، ومصر على مر التاريخ ومنذ 525 ق.م. على الأقل وحتى الآن وهي جثة متاحة للنهش من كل من يمتلك أنياباً ومخالب.
عرفت أوروبا ما سمي "معاداة السامية"، أما ما لدينا هنا فهو "معاداة الحياة"، هي ثقافة الموت والكراهية، فكراهية الآخر لدينا جذرها كراهية النفس، وما يترتب عليها من نظرة سوداوية لكل ما في الكون، ولنأخذ مثالاً بسيطاً، ما شهدناه من مظاهر عداء محموم في مصر لحيوان هو على الأقل غير مؤذ كالخنزير، فليس تحريم أكله دينياً مبرراً لتلك الحالة الشاذة من العداء المسعور بين من يفترض أنه إنسان وبين حيوان، هو السواد الطافح من نفسيات محمومة ترى الكون كتلة من السواد!!
حين نقرأ: "السلطات الأمنية تبلغ حاخام معبد الإسكندرية بتعذر الاحتفال بعيد رأس السنة"، لابد وأن نهتف مع الغوغاء: "الله أكبر. . انتصرنا على أحفاد القردة والخنازير. . عاش محمد مرسي وهشام قنديل ومحمد بديع أبطال هذا النصر المبين"، يتوقع البعض أن الخطوة التالية بعد إلغاء احتفالات اليهود بعيد الغفران هو إلغاء احتفالات النصارى عباد الصليب بأعيادهم، وإن كنت شخصياً أعتقد أن تحقيق هذا النصر المبين على الذين كفروا سيستغرق بضعة سنوات، لكن المدهش أنه رغم منع حكومتنا الرشيدة اليهود من الاحتفال بعيدهم، إلا أن إسرائيل هي العنصرية وبنت . . . . ، واحنا بتوع الإنسانية، واللي مش عاجبه ها نجيب رقبته زي الخروف، كما أننا نعترف باليهودية والمسيحية كأديان سماوية، لكن لا بأس من أن نلعن أتباعها ليل نهار!!
"تحريات مكثفة للتأكد من صحة بلاغ وجود "عبدة الشيطان" بساقية الصاوي". . لماذا يتحرون عنهم، هل لديهم ميليشيات أو يحرضون الناس على الكراهية أو يذبحون من يعبدون الله لكي يدخلهم الشيطان للجحيم؟
ليكن معلوماً للمنظمات الحقوقية العالمية وللدول المهتمة بحقوق الإنسان أن المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان بتشكيلته الأخيرة هو في حد ذاته جريمة ضد حقوق الإنسان، بما يضم من عناصر مشهورة بالتحريض على الكراهية ومعاداة الآخر، وأن العناصر الليبرالية فيه قد اختارت لنفسها القبول بمهمة التغطية والتعمية والتدليس الذي إنشئ هذا المجلس بهذه التركيبة على أساسه. . لابد أن المجلس القومي لحقوق الإنسان سيدافع عن حرية الإنسان في أن يتم تقطيع أطرافه عقاباً على جرائمه بدلاً من السجن الذي هو بدعة غربية غريبة على هويتنا.
لا بأس من قائمة سوداء لكل من تصاغر من مدعي الليبرالية وضعف أمام إغراء منصب وهمي يدر عليه مالاً كعضوية المجلس القومي لإهدار حقوق الإنسان. . يوماً فيوماً يتأكد أن أزمة مصر الحقيقية هي الافتقار إلى الرجال. . لا نحجر بالطبع على حق أحد في أن يكون طرطوراً، فالطرطرة حق مكفول لجميع الطراطير.
رغم هذا لن يكون الفارق كبيراً، فالمجلس القومي لحقوق الإنسان في نظام مبارك كان كان مجلساً كرتونياً، ومهمته الأساسية التصدي لتقارير المنظمات الدولية عن الانتهاكات المصرية لحقوق الإنسان، الآن سيكون أمام مجلس إخوانجي مهمة أصعب بعض الشيء. . أثناء مظاهرات الثورة كانت سيارة الإخوان الحاملة لمكبرات الصوت تهتف "قوم يا "محمد" ويا "حنا"، خللي مصر تبقى جنة"، لكن مع تغير الظروف اتضح أن وضع "محمد" يده في يد "حنا" هو زندقة والعياذ بالله، أو على الأقل مكروه.
• "حمدى قنديل يعترف: تأييدى للبرادعى تضليل للمصريين". . تأييدك له وصمة عار في تاريخه عليه أن يمحوها. . لن تتوحد جماهير مصر المدنية حقيقة ما لم تنشق الأرض وتبتلع كل الرموز التي نعرفها، وتخرج من بين الجماهير قيادات جديدة. . فنجوم الإعلام هؤلاء شخصيات كارتونية كاريكاتيرية. . "الدواعي السياسية" و"الموائمات" و"خاطب الناس على قدر عقولهم" و"الوسطية". . كلها مصطلحات لمفاهيم لابأس بها، لكننا تمادينا في إساءة استخدامها حتى تحولت حياتنا إلى مستنقع عفن. . سيعرف المصريون قريباً من المنبطح ببلاده، ومن سيذهب بها إلى أسفل سافلين، ومن سيجعل الفساد فيها هو القاعدة وليس الاستثناء، مبارك أم هؤلاء المتحدثين باسم الإله ومن يظاهرهم غربان العروبة. . فرحنا بالشباب وقلنا أخيراً استطاعت أجيالنا الخانعة إنجاب جيل حر قادر على انتشال آبائه من العبودية والتخلف ويندفع بمصر للأمام. . طلعوا كارثة.
التعليقات (0)