مواضيع اليوم

غربـــة - الجزء الرابع عشر

سليمان الحكيم

2011-11-22 01:49:45

0

غربة - الجزء الرابع عشر

إستيقظ أحمد على صوت طرقات مزعجة على باب غرفته، وما أن فتح الباب حتى دلفت منه سهير التي كان بادياً على وجهها الإنزعاج متسائلة عما فعلته حتى يمنع عنها الإتصال به، فإستغرب أحمد من كلماتها وطلب منها الجلوس والتروي قليلاً والهدوء حتى يستجمع أفكاره فيما توجه لغرفة الحمام ليأخذ دشاً ينعشه من حالة النوم التي مازال بها ... وما أن إنتهى حتى وجد سهير قد طلبت بعض المأكولات ليتسنى لهما تناول الطعام على شرفة الغرفة حيث أن وقت الغداء قد تأخر والساعة قد شارفت على الثالثة والنصف من بعد الظهر ..

- ماذا الثالثة والنصف
- نعم ولكن أخبرني لماذا منعت عني الإتصال بك؟
- لا لم يحصل هذا ولكني طلبت من الإستقبال عدم تحويل اي إتصال لغرفتي حيث أنني أريد النوم ولم .. اقصد
- أهـ فهمت ... حسناً ألست جائعاً ..
- سهير ... لماذا جئت الآن ؟ أليس لديك عمل
- ألم نتفق على هذا من قبل ... نتغدى معاً
- نعم ولكن ... آهـ .. سهير أشعر بالإرهاق فعلاً .. هل تطلبين لي فنجان من القهوة لو سمحت .. هل لديك أسبرين أو..
- لا .. ولكن أعتقد بأن الفندق لديهم .. لا عليك إجلس الآن .. إرتح قليلاً ... أخبرني بماذا تشعر يا أحمد .. هل هناك ألم؟
- لا .. هو مجرد إرهاق .. أعتقد أنه ضغط الدم لدي .. اعطني بعض من عصير البرتقال هذا (مشيراً إليه)
- تفضل ... سأطلب لك القهوة

بعد تناول الغداء شعر أحمد بالنشاط يدب إليه سريعاً فيما كانت سهير تخبره عن المشاريع التي من الممكن لشركته الدخول بها وتعلمه بما يمكن لهما أن يفعلاه بخصوصها وأخبرته أنها ستحاول تجميع المزيد من الأوراق التي طلبها المهندس ممدوح لتقديمها إليه وبأنها بالفعل ستكون يوم الغد لديه بعدما أوصت المهندس اسامة بها ... تمالك أحمد نفسه قائلاً لسهير وهي مندفعة في كلماتها عن المشاريع وما يمكن أن يتحصلا منها وبأنها فكرت بالموضوع وتريد أن تقاسمه النسبة التي طلبتها منه

- سهير ... ما بك؟
- ماذا تعني
- أنت لست على طبيعتك.. أخبريني ما الأمر؟

ساد الصمت بينهما لبرهة من الزمن وكأن عيناها ترفضان النظر إلى وجهه وإلى عينيه تحديداً وبدأت الدموع تتجمع في مقلتيها شيئاً فشيئاً حتى إنسابت على خديها دونما إنتظار ...

- هل أسأت في القول إليك؟
- لا ... (لكنها بدأت بالنحيب)

قام أحمد بحضنها إليه فيما تمنعت هي لبرهة لكنها ما أن وضعت رأسها على صدره حتى أجهشت بالبكاء، فأخذ يهدأ من روعها ويسألها عما بها

- حسبتك لا تريد أن تكلمني بعدما حصل ما حصل ليلة الأمس
- حسناً ... لماذا ظننتي ذلك؟
- لا أدري ... حاولت بعد وصولي إلى الشركة الإتصال بك لكنهم أخبروني بأنك لا تريد الإزعاج .. فحاولت إفهامهم بأنك لن تنزعج من مكالمتي ... لكنهم رفضوا معللين أنك كنت صارماً بهذا الأمر
- نعم بالفعل ... أخبرتهم أن لا إستثناء ابداً .. ولكن ما الذي أبكاك الآن وقد شرحت لك الأمر قبل قليل..
- هل تعلم .. لن تغضب مني .. مهما قلت لك؟
- لا تفضلي يا سهير لن اغضب
- حسبت أنني لو شاركتك بما سأناله من العقود ستكون راضياً عني لكنني داخلياً كنت أتمزق .. لأنني أعلم بأنني أتصرف بحقارة ... أحمد شعرت بأنني أحاول شراؤك بالمال .. أنا آسفة لكن شعرت بوضاعتي وأنا اقول لك هذا وتخيلت بأنني لو عدت إلى سهير التي عرفتها قبل ليلة الأمس .. لربما سيعود إحترامك لي ... أسئلتك هذا الصباح (وعادت للبكاء)
- سهير ... لحظة لو سمحت كفي عن البكاء هه من قال أنني لا أحترمك؟ ... لا يا سهير .. يبدو بأنك لا تعرفيني جيداً
- ولكن ...
- سهير أنتِ إنسانة حساسة وأنا أعلم هذا جيداً لا تظني بي الظنون .. أرجوك كفي عن البكاء قليلاً .. وفكري بالأمر .. ألم تقولي بأن ما حصل معك لم يكن بإرادتك؟
- نعم وأقسم...
- حسناً ومن أنا حتى أحاسبك ... ما جرى ذهب في طريقه ولكننا أولاد اليوم .. اليس كذلك ... ستبقين في عيوني سهير تلك التي عرفتها قبل ما حصل وبعد ما حصل هي سهير الرقيقة الحنون .. صدقيني أنا لا افكر بك بأي شيء شائن.. لا أبداً أحترم رأيك ورغباتك وأعرف بأنك إنسانة صالحة وذكية
- هل صحيح ما تقول أم أنك تجاملني
- ولما اجاملك سهير .. ومن أجل ماذا؟ العمل أم المتعة؟
- كليهما ... (تضحك)
- سهير أنا لا افكر بهذه الطريقة أبداً ولا أجامل ابداً صدقيني
- (وهي تمزح) صادق يا كذاب ... طيب سأغسل وجهي بينما ترتدي أنت ملابسك أم تريد قضاء الوقت هنا .. في الغرفة
- لا ... افضل المغادرة ربما إلى مكان ... ولكن لا اعلم إلى اين ؟ ما رأيك
- هل رأيت إهرامات مصر؟
- لا... هل نذهب هناك؟
- هه ما رأيك؟
- يا ريت ...
- إرتدي إذا ملابس تناسب الرمال و...
- ليس لدي هكذا ملابس فكلها بالأقصر
- حسناً لا بأس .. سآتيك بملابس من المحلات بالبهو لأغسل وجهي قبلاً ... (وهي في الحمام) كم قياس بنطالك أحمد؟
- أظنه 34 أو 33 لا أعلم والقميص قياسه وسط على ما أظن
- مابك لا تعلم مقايس بنطالك (وهي تنظر إليه من باب الحمام)
- بصراحة منذ وقت طويل لم اشتري شيئاً بنفسي ... كانت هي من يشتري لي كل ...
- لن يتغير شيئ إذن ... هل تعطيني بنطالك ..مشيرة إليه سآخذه معي وأشتري لك على نفس مقاسه ... حللنا المشكلة هه (تقبله على خده) .. لا تفكر بالأمر ..؟
- نعم بالفعل .. لا لن افكر بالأمر .. خذي معك بعض المال ..
- لا لا عليك ساضيفه لفاتورة الفندق (وهي تغمز بعينها)

لم تستغرق سهير في رحلة الشراء تلك سوى بعض الوقت الذي أمضاه أحمد في التفكير بما جرى ويجري من أمور ومن مستجدات تطرأ على حياته فيما هو قابع في مخيلته وذاكرته ... نسي لفترة طويلة من الزمن كيف أنه لم يعد ينتقي ملابسه بنفسه وبأنها كانت تدير حياته بجميع أحرف الهجاء التي تعلمها تذكر الكثير من تلك المواقف الصامتة في ذاكرته وماتبعها من أمور وكأنه غادر المكان والزمن إلى عالم آخر يشخصه ماثلاً أمامه بحلوه ومره بأحزانه وشقائه وكل ما طغى عليه من ذكريات ... وما أنقذه مما هو به سوى طرقات خفيفة على باب غرفته ... وكانت سهير كما توقع وبيدها ما إبتاعته من المحال التجارية القابعة على يمين بهو الفندق

- أهـ ما رايك بذوقي... بنطال وقميص .. ارجو أن يعجبك إختياري
- بالتأكيد الجينز يناسب كل شيء .. شكراً سهير
- نعم ... شكراً سهير ..حاف .. (بدلع)
- لا مع قبلة

ما ان ارتدى احمد ثيابه حتى اسرعا في الإنطلاق إلى شارع الهرم مجتازين الكوبري الذي رآه ليلة الأمس في تجوالهما... وبدأ الهرم الأكبر يبدو من بعيد وهو يعتلي رويداً الرمال في منظر ساحر لكن الزحام والسرعة التي يجتاز بها السائقين بعضهم البعض كانت بالفعل عاملاً من عوامل بث الرعب والخوف في صدور السائحين أمثاله ... لكنه سرعان ما نسي الأمر عندما أصبح وجهاً لوجه أمام عجيبة الدنيا الأولى بلا منازع الإهرامات التي تقبع على أرض الجيزة والتي تتكون من العديد من الإهرامات لكن اشهرها على الإطلاق هرم خوفو وهو الأكبر وبجانبه إلى اليمين أبو الهول الذي جذع أنفه كما يقال ضربة مدفع من مدافع نابليون عندما غزا مصر في القرن التاسع عشر ميلادياً.
من المثير للدهشة أن يكون أحدنا قرب هذا الصرح الهائل المليئ بالأسرار فالهرم الأكبر هو معجزة بنائية لا يُعرف على وجه الحقيقة كيف تم بناؤه والعديد من الإفتراضات كلها لا زالت لا تعطي دلائل على عملية البناء وكيفيتها وحتى على من بناها وإن كانت وزارة السياحة تصر في كتيباتها ومنشوراتها الدالة على آثار مصر العريقة أن الهرم وبناة الهرم هم من الفراعنة ... قرأت الكثير من المقالات عن هذا الصرح الجميل والمناقشات العديدة والإفتراضات الكثيرة التي لا زالت دونما إثبات حتى يوم زيارتي لأرضه فمنهم من يقول أن السحرة هم البناة الحقيقيون ومنهم من يدعي أن بناة الهرم من سكان الكواكب الأخرى لكن التصريح الرسمي يؤكد بأن بناة الهرم هم من سكان مصر القديمة وأن خمس وعشرين ألفاً من المواطنين ليس منهم عبداً واحداً هم من بنى الهرم، تساءلت طويلاً وأنا أتابع خطواتي عبر الرمال بجانب هذا المربع الضخم التي تتساوى أضلعه ويبلغ طول ضلعه الواحد حوالي مائتان وثلاثون متراً وبزاوية قائمة صحيحة لا مجال للشك بها على الإطلاق، هل من المعقول أن يبني أحد ما هكذا بناء دون أن يدون كيفية بنائه له؟ نحن نعلم أن من يسكنه هو خوفو ولكن من بناه؟ لماذا لم يدونوا هذه الأمور ؟ هناك العديد من الأسرار تحيط بهذه العجيبة المتبقية على قيد الحياة وكأنها صرخة قادمة من الماضي ستظل تجلجل آفاق علماؤنا الحالين والمستقبلين لتقول لهم مازلتم عاجزين عن كشف أغوار العلوم التي وصلنا لها.... فهل من مجيب لصدى التساؤلات القادمة من الماضي؟

- مابك؟
- لا ... لست مقتنعاً بما يقال عن إهرامات الجيزة هذه
- وما يقال عنها؟
- أن من بناها هم المصريون القدماء وهذه الحكاية التي لا أستطيع تصديقها
- (ضاحكة) أحمد هل تتكلم بجد؟
- نعم ... لما؟ هل تصدقين أنت هذه الحكاية؟
- بالتأكيد ... (بعد قليل من التفكير) إذن من برأيك قد بناها
- لا ... أنا لا أعلم لكن هناك العديد من التساؤلات تدور في ذهني ...هي ليست وليدة اليوم لا قديمة لكنها اليوم إزدادت إصراراً
- نعم وما هي التساؤلات؟
- لأقل لك أمراً ... ماذا تعلمين عن المصريين القدماء؟
- ما درسناه في المدارس وما نقرأه هنا وهناك يعني والعديد من الإكتشافات مازالت في طور البحث والتمحيص لكنها تؤكد بأن قدماء المصريين هم من بنوها أو على الأقل ... أحمد يعني من سكن هذه البلاد سابقاً بالتأكيد هو من بناها ألست معي بهذا؟
- بالتأكيد لكن سؤالي يدور حول العلم ... العلم التطبيقي .. أعني أن العلم لا يختفي بل يتطور أليس كذلك؟
- ماذا تقصد بهذا ؟
- أقصد أن أية علوم لا تأتي إلآ من خلال تجارب ووقائع تدون أو على الأقل تتناقل من جيل لآخر وهي علوم مخبرية لأن من بنى هذا الهرم ... أنظري إليه ...بالتأكيد وصل إليه علم ما عن طريق إما من عوالم أخرى أو نتيجة إختبارات سابقة .. هل فهمت ما أعني ... لسبب أنا أقول هذه الكلمات لأن العلماء حتى يومنا الحالي لا يعلمون كيف على وجه الدقة تم بناء هذه الإهرامات وخاصة أن علومهم الحالية عاجزة عن إكتشاف هذا الأمر... فلو كان الأمر علم سابق لتطور مع أجيال العلماء والمهندسين السابقن ولوصل إلى ذروته في زمن ما، لكن مما نرى يبدو أن علمه أو هو قد إختفى أو تلاشى وكأنه حدث أمر جلل أو توفى الجميع فجأة
- طيب ماذا تظن ؟ أحمد أنا لست خبيرة بهذا الأمر
- نعم وأنا أيضاً لست خبيراً لكن عقلي لا يتحمل فكرة أن يبني قوم ما صرح كهذا ونرى بيوتهم طينية وقصورهم طينية وفقط المعابد هي التي شيدت بعظمة لا تضاهيها أي عظمة حتى يومنا الحالي
- آهـ .. فهمت ما تعني ولكن ما أدراك بأن قصورهم طينية والبيوت ايضاً
- إذن أين هي ؟  لأقل لك أمراً ... من أعظم فرعون مصري؟
- أعتقد إنه رمسيس الثاني مش كده؟
- نعم لقد دون حروبه كلها أتعلمين لماذا؟ بالتأكيد لأنه خاضها والتاريخ يؤكد على ذلك المكان والزمان كله مدون .. وهذا فخر له ... ومن بنى هذا العجيبة لم يدون من هو ولم يدون من بناه ولم يرسم كيفية بناؤه ... طيب اين القصور الملكية ... أنظري إلى أي بلد بالعالم أو اية حضارة سترين أن القصور والمعابد هي أهم شيء سيعثر عليه ... لكن لا قصور هنا في مصر الفرعونية.. السبب أنها من الطابوق
- لا اعلم أحمد .. لكن العلماء ... علماء الآثار من كل البلاد يؤكدون أن البناة هم المصريون القدماء أي الفراعنة
- نعم هذه هي المشكلة ... إذ لا دليل لديهم عن البنائيين الأصليين لذا ترينهم يفترضون هذا الأمر .. لكني أظن بأنهم ليسوا على قناعة تامة بهذا الأمر حسبما قرأت في مقالات عديدة .. ليتنا جئنا بكاميرا ... كم وددت لو أنني دونت وصولي لهذا المكان العابق بسحر الماضي ..
- غدأ إذا أردت أو متى ما أردت نستطيع العودة ..(ضاحكة) لن يستطيع أحد سرقة الإهرامات فهي ليست مسلة كما تعلم
- أحسنت بهذا نعم ليست مسلة أو لقى ... سهير (بعد التفكير) سهير هل الأقصر بها لقى كثيرة اقصد آثار و...
- بالتأكيد أكثر من هنا ... لأقل لك أمر الأقصر هي مدينة طيبة وهي كانت العاصمة للعديد من الملوك وتضم آلآف المقابر و.. لماذا تسأل أحمد
- لا خطر على بالي أمر ... ساقول لك ما هو عندما أتأكد منه ... لنعود ارجوك ... لنعد إلى الفندق




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات