مواضيع اليوم

غربة - جزء عاشر

سليمان الحكيم

2011-11-11 13:56:29

0

غربة - جزء عاشر

هنا توقع أحمد بأن سليم سوف يخبره بأن جميل هو من أهل سالم وبأن الشرطة متأكدة في ضوء المعلومة الجديدة وبالربط بين الحادثتين بأن جميل هو الفاعل، فجلس أحمد على طرف السرير وهو يتحاشى النظر لسليم وهو يتحدث مكملاً:

- حاولت كثيراً لكن للأسف لم أستطع أن أجد أي معلومة تستطيع أن تستفيد منها يا سيدي، ولقد أرسلت قوة مكونه من ثلاث رجال إلى القرية لكنهم عادوا بالقصص الخرافية عن الأشباح والعفاريت التي تظهر بالليالي المظلمة، لا أظن بأن هناك شيء نستطيع عمله بشأن هذا الموضوع يا سيد أحمد
- حقاً (وقد بدا الفرح والسرور على وجهه بعد الامتعاض الذي لازمه منذ قدوم سليم) لا عليك يا رجل لقد قمتم بواجبكم خير قيام وأنا متأكد بأنك فعلت ما بوسعك .. لا .. لا عليك يا رجل فالموضوع لم يكن مهماً لهذه الدرجة

استغرب سليم من التبدل الذي طرأ على وجه أحمد ولكنه نسي الموضوع أو تناساه عندما رأى أحمد يدس في جيبه بعض الأوراق النقدية الكبيرة، فوعده أن يعود إليه إذا وجد أية معلومة تفيد بهذا الموضوع لكن أحمد أخبره أن ينسى الموضوع حيث أن ذلك لن يفيد جميل بشيء، مضى سليم والدهشة تعلو قسمات وجهه بعدما سمع من أحمد هذه الكلمات وهو الذي قدم إليه هذا الصباح ليعلن له بأن الموضوع على قدر كبير من الأهمية وبأنهم لو عرفوا من هم أهل سالم لوجدوا القاتل أو على الأقل لحصروا القاتل في بعض الأشخاص ولكنه الآن بدل كلماته وأصبح الموضوع ليس بذات أهمية وقرر العودة لمكتبه واستدعاء بعض رجاله ليقوموا بتكثيف البحث والتقصي لمعرفة أهل سالم يكلم نفسه ماذا يدور في رأس الأستاذ أحمد يا ترى، قريباً سنعرف إذ لا بد وأنه عرف من مصدر ما هوية أهل سالم أو علم بأن أهل سالم ليس لهم دخل بالقضية ولكنه حاول صرفي عن الموضوع ،، لماذا يا ترى؟

وفي هذا الوقت كان أحمد وعصام قد قررا التوجه للقرية بعد أن شارفت الساعة على السابعة مساءاً واتفقا أن يتناوبا المراقبة الليلية

أما سعاد التي بقيت في منزل الحاج مصطفى تتبادل الأحاديث مع هناء لفترة طويلة شعرت بالراحة وهي تسرد لهناء قصة حياتها منذ وفاة والدتها وحتى هذه الساعة مخفية عنها شعورها بالنسبة لأحمد وما جرى لها معه وعندما إنتهت من سرد قصتها حانت منها التفاته لساعتها فاكتشفت بأن الساعة قد بلغت الثامنة مساءاً فأبلغتها بأنه يتوجب عليها المضي إلى الفندق لبعض شؤونها وبأنها ستحاول المرور عليها من وقت لأخر خاصة وأنها تشعر بالراحة وهي تحادثها، وبينما هي في طريق العودة إلى الفندق أخذت تفكر بهناء وتتساءل أهي مؤمنة حقاً بما تقول، أهي سعيدة بحياتها تلك أم أن كلماتها كانت مجرد غطاء تحاول أن تستر به واقعها الذي تحيا به، لا عيونها كانت تشع بالبريق الذي ينطق بالصدق، لا ليس من المعقول أن تكون هناء غير صادقة ولماذا لا تكون صادقة وماذا يهم الفتاة منا غير البيت السعيد الذي يملؤه الحب والحنان والأطفال يلعبون ويمرحون هنا وهناك وزوج محب غيور ماذا يهم الفتاة غير حياة يملؤها الأمان، ولكن أين .. تساءلت سعاد أين هي من كل هذا، وكل الوهم الذي كانت تعيش به قد تلاشى كالضباب الذي ينسحب أمام شمس الصباح ولم يبقى سوى الحقيقة المرة التي تعيش فيها ... ها هي تقترب من الثلاثين جميلة غنية مثقفة تحفل خزانتها بكل الملابس الأنيقة لكنها لم تشعر في يوم من الأيام بالسعادة الحقيقية التي وضحت معالمها أمامها منذ القليل ورأت الدموع تنساب من عينيها

أوقفت سيارتها على مقربة من شاطئ النيل وأخرجت منديلاً تجفف به دموع عيناها وترتاح مما هي به من الشجون فرأت على مقربة منها فتاة وشاب يتهامسان ويتضاحكان على وجهيهما ارتسمت البهجة والحبور بكل ما فيها من معاني جميلة

تسلق أحمد الشجرة التي اختارها سابقاً لتكون مرصداً له بعدما أخفى سيارته بمكانها المعتاد واستقل عصام بمخبئه بعيداً عن العيون بعدما فرش على أرضه غطاءاً يتقي به البرد القادم من جوف الأرض وجلس ينظر تارة إلى البيت بمنظاره المكبر وتارة إلى السماء يطالع النجوم فيحصي عددها في محاولة لاستقدام النوم لعينيه، أما أحمد الذي اختار أن تكون مناوبته هي الأولى فقد جلس مترقباً وبين يديه منظاره المكبر يحاول أن يخترق به ظلام البيت الدامس لكنه لم يستطع أن يرى أي شيء غريب لذا فقد استرخى على الغصن الكبير وصب لنفسه كوبا كبيرا من القهوة ليساعده على المضي في السهر حتى يحين موعد مناوبة عصام، مضى الليل بطيئاً هادئ إلا من بعض أصوات للحشرات الليلية ونقيق الضفادع القادم من صوب الترعة القريبة ونباح كلاب تلهو هناك بعيداً قرب القرية ولم تكن هذه الليلة مظلمة كما أراد أحمد لكنه فضل أن يسهر في كل الليالي سواء المظلمة أو المنيرة لكيلا يضيع أية فرصة خاصة وأنه ليس لديه أي شيء آخر يقوم به.

مع الإشراقة الأولى لشمس الصباح وفي الوقت الذي كانت أشعتها الذهبية تغزو الحقول كان أحمد وعصام يتأهبان للتوجه في طريقهما إلى الأقصر وهما يسترسلان في الحديث عن مشاهداتهما الليلية ويمنيان النفس بأن ينتهيا من مهمتهما هذه في أسرع وقت ممكن حيث أن السهر قرب البيت ليس فيه من المتعة التي يرجيا قضاؤها في الليالي القادمة لكن حب المغامرة ومعرفة ماذا يدور في هذا البيت من خبايا وأسرار كان له كبير الأثر في احتمال السهر المتواصل خاصة وأنها الطريقة الوحيدة والخيط الذي يقودهما إلى المجرم الذي مازال حتى الآن طليقاً غير معروف لديهما

وفي طريق العودة إلى الفندق مر أحمد بعدما أوصل عصام إلى منزله على محل لبيع الفطائر المشهورة مع العسل الريفي الطبيعي وجلس يأكل في الهواء الطلق تحت الأشجار وفي يده صحيفة يومية يتصفح بعض أوراقها مسترسلاً في قراءة بعض العناوين الكبيرة وغيرها من الأخبار المحلية وإذ به يعتدل جالساً ويضع ما بيده وقد بدا على وجهه الاهتمام الزائد وبعد فترة من التفكير أستدعى النادل ودفع الحساب مودعا ومن ثم توجه إلى غرفته بالفندق، اغتسل وحلق ذقنه جيداً ومن ثم بدل ملابسه بسرعة بعدما أتصل بالاستعلامات يطلب حجز مقعد له على الطائرة المتوجهة إلى القاهرة .

إلى القاهرة

أستقل أحمد الطائرة المتوجهة إلى القاهرة بعدما أخذ معه بعض الأوراق الخاصة بشركة النسر الذهبي التي أوصاه صاحب شركته بمقابلة مديرها والبحث معه بالصفقة التي أوصاه بها

عندما هبطت الطائرة في مطار القاهرة كان أحمد قد انتهى من قراءة الأوراق الخاصة بالنسر الذهبي وألم بكافة جوانب الصفقة التي أخبره صاحب شركته بأنها مهمة وكان التصميم واضحاً على وجه أحمد من أنه سوف ينهي هذه الصفقة بنجاح ومن بعدها يتوجه لشئونه التي جاء من أجلها

التفت أحمد باحثاً عن عم محمد السائق الذي تعرف عليه يوم وصوله إلى القاهرة وسأل عنه ولكن السائقون أخبروه بأن سائقي المطار الدولي أي محطة رقم 1 غير سائقي المطار المحلي الذي هو محطة رقم 2 لذا فإنه أستقل سيارة إلى محطة رقم 1 التي لا تبعد كثيراً وسُر كثيراً عندما شاهد عم محمد وهو يجالس بعض السائقين الآخرين يخوضون في أحاديث حياتهم اليومية التي لا تنتهي وتوجه إليه قائلاً :
- السلام عليكم ، كيف حالك يا عم محمد
- من .. الأستاذ أحمد كيف حالك يا بيه
- بخير الحمد لله
- أأنت مغادر القاهرة؟
- لا لقد جئت لتوي من الأقصر في طائرة الصباح وأنوي الذهاب إلى بعض الأماكن في القاهرة ففكرت أن تكون مرافقي بهذه الفترة
- حسناً فعلت هيا بنا ، إلى أين العزم أولاً؟
- هناك شركة في شارع جامعة الدول العربية أسمها النسر الذهبي، أود زيارتها أولاً
- أهـ .. نعم ، توكلنا على الله .. كيف كانت رحلتك بالقطار إلى الأقصر
- ممتعة إلى حد بعيد
- هل صادفتك أية مصاعب
- لا بالعكس فكل شيء كان على ما يرام ولكن ..
- ما بك ؟
- صديقي الذي جئت من أجله
- ما به ؟
- يصادف مشاكل لا حصر لها
- أي نوع من المشاكل هي
- هو في السجن
- أهـ .... (بعد سكوت من الطرفين قصير) .. هي المخدرات اللعينة أليس كذلك ؟
- لا لآ.. أبداً بالعكس، هو إنسان جيد ومحترم وليس لديه هذه الاهتمامات الدنيئة
- إذن ما هي مشكلته ؟
- متهم بجريمة قتل زوجته
- ماذا .. جيد ومحترم و.. يقتل زوجته أم أطفاله ثم كيف و.. لماذا؟
- هو متهم فقط ولكنه ليس القاتل
- كل القتلة ينكرون جريمتهم ولكن زوجته؟ فيها إنَ
- كما قلت لك إنه ليس القاتل ولكن الأدلة كلها ضده فالقاتل دبر الأمر جيداً ليبدو صديقي وكأنه القاتل
- أتعني بأن التهمة ملفقة
- نعم هذا ما أعنيه
- المسكين وكيف هي حاله الآن ؟
- هو ليس واثقاً بأن زوجته قد قتلت، لذا تراه غير مبال ولكن أظن لو أنه تأكد من الواقعة لربما جن أو .... لست أدري ولكن يخيل إلي بأن عقله الباطني يرفض فكرة موتها
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. وهل أنت بالقاهرة لأجل ذلك
- يعني هناك بعض الأمور التي أود القيام بها لأجل الشركة التي أعمل بها ومن ثم إذا توفر لي الوقت أريد تجميع بعض المعلومات الخاصة بهذا الموضوع
- أي نوع من المعلومات تريد
- صباح اليوم قرأت عن حادث اختفاء امرأة هي في سن الثلاثين من عمرها، ولست أدري لماذا طرأ على بالي أن أقوم بحصر جميع النساء التي أعلن بأنهن مفقودات بتلك الفترة
- أي فترة
- أقصد قبل الجريمة وخلالها
- ومتى حدثت هذه الجريمة
- منذ شهرين وأسبوع تقريباً
- أهـ .. ولكن هل لي أن أسأل لماذا يا سيد أحمد وهل تفيدك هذه المعلومات بقضية صديقك هذا
- ربما .. ربما يا عم محمد فأنا أحاول إمساك أي خيط ولست أدري ربما استفدنا من هذه المعلومات

أوقف عم محمد سيارته إلى جانب الطريق مفكراً وقال لأحمد بعد قليل وقد ناوله لفافة تبغ
- شوف يا بيه، إذا أردت هذه المعلومات فأنا أستطيع أن أعرفك على الشخص الذي يستطيع إمدادك بها ولكنني لست أدري إن كنت سوف أجده اليوم لأنه يسافر أحياناً في مهمات خارجية
- لماذا ... أين يعمل هو
- هو مراسل صحفي يعمل بجريدة أخبار اليوم
- أهـ أخبار اليوم .. هي صحيفة مشهورة وأظن بأنهم يحتفظون بسجلات كاملة وربما صور أيضا عن المفقودين
- أظن هذا ،، ما رأيك
- لما لا وأنا مستعد بأن أدفع له أي ...
- لا لا يا أستاذ أحمد لا أظن بأنه من هذا النوع
- حسنا إذن ما الذي سيطلبه
- لا أدري ربما لا يطلب شيئا
- علي به إذن
- سأوصلك الآن إلى مقر الشركة بشارع جامعة الدول العربية وسوف أتوجه مسرعا لأستعلم عن مكان وجوده وأتمنى من الله أن يكون داخل البلد
- لست أدري كيف أشكرك يا عم محمد ؟
- لا شكر يا أستاذ أحمد فالإنسان في بعض الأحيان يغوص في مشاكله ولا يقف معه أحد وها أنت تأتي من بعيد لأجل مساعدة صديقك فكيف ونحن داخل البلد

وانطلق العم محمد بسيارته متوجهاً إلى شارع جامعة الدول العربية وما هو إلا قليل من الوقت وبعض الاستفسارات حتى استدل على موقع الشركة فأوقف سيارته وأوصل أحمد إلى مركز الشركة مطمئناً بأنه العنوان المقصود ثم توجه بعد ذلك في رحلة البحث عن صديقه المراسل وغاب في زحام القاهرة الشهير




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات