يدخل المواطن الاردني الذي عاش في مرحلة الاحكام العرفية المعلنة التي تلت تشكيل اول واخر حكومة برلمانية دستورية في العام 1956 او مرحلة الاحكام العرفية غير المعلنة في العقدين الماضيين الى احدى مؤسسات الوطن فيقف امام احد المسؤولين الجالس في مكتبه بما يعزى الى واسطة من احد كبار الفاسدين او توصية او موافقة امنية . المواطن يكون قادما للمطالبة بأحد حقوقه ولكنه يعرف انه قد يتم حرمانه من ذلك الحق ما لم يتذلل الى ذلك المسؤول او يستجدي منه حقه الذي قد يحصل عليه في النهاية كمكرمة او منة من ذلك المسؤول او يعود الى بيته يجرجر ذيول الخيبة ويحمل غصته في قلبه , ففي النهاية , فالوطن لهؤلاء وليس له الا الله,فهو كجزء من الشعب غائب عن المعادلة المعلنة لعلاقة الشعب بوطنه "الله الوطن الملك" .
اثار غياب دولة القانون او مايطلق عليه بالدولة المدنية لعدة عقود تظهر في ثقافة المواطن البسيط وسلوكه العفوي , الذي يخاطب رجل الامن الذي قد يكون اميا بلقب " سيدي" او "البيك" عندما يضطر الى دخول المركز الأمني لأمر ما وكذلك الحال بالنسبة لأي مسؤول في مؤسسات الوطن الذي أصبحت موارده حكرا على فئات من المجتمع دون سواهم. ويعلم ذلك المواطن أن تحقيق أحلامه يرتبط بامتلاك واسطة أحد الفاسدين للحصول على حقه على شكل مكرمة وفضل.فمن حيث التوظيف, فالمؤهلات المطلوبة المعلنة لا تكفي الا للحصول على أدنى الوظائف أجرا ومنزلة في البلاد عبر جدول التشكيلات وديوان الخدمة المدنية,بما يقل عن ثلثي تكلفة السجين كما تشير الارقام الصادرة عن ادارة مراكز الاصلاح والتأهيل, اما امتلاك تلك الواسطة والموافقة الامنية فقد يفتح له المجال لدخول أحد الهيئات المستقلة عن الوطن والمواطن ولا يربطها بهما الا الحصول على تمويلها الذي يشكل ما يقارب ثلث موازنة الدولة ولا يمكن دخولها الا عبر الباراشوت خارج الاطر القانونية العادلة.الحد الادنى للرواتب والاجور في تلك المؤسسات يبلغ ثلاثة أضعاف معدل الرواتب لمن يتم تعيينهم عبر ديوان الخدمة المدنية خدما لطبقة المحظوظين من الفاسدين والحاصلين على الموافقة الامنية التي تعد اهم المؤهلات في دولة ما قبل "القانون والمدنية".
عندما رفع مواطنون شعار الله الوطن الشعب كانوا يعبرون عن المطالبة بايجاد دولة القانون والمؤسسات التي يتم فيها احترام المواطن ضمن معادلة جديدة تؤطر علاقة الشعب بوطنه بحيث يزول احساس المواطن بغربته عن الوطن وغربة الوطن عنه.ننتظر هذه الايام نتائج الدراسة المتعلقة باعادة هيكلة الرواتب ودمج والغاء المؤسسات المستقلة التي وعد بها السيد معروف البخيت مع اقتراب حلول موعد اعلان نتائج تلك الدراسة وتحقيق العدالة الغائبة حاليا لالغاء التمييز بين ابناء الوطن في الرواتب والاجورونأمل ان لا نتوقف عند مجرد وعود الاصلاح التي يتم ترديدها على مسامعنا منذ عقود كمجرد اغنية يتم ترديدها بحيث تردد صداها الجدران التي كان يمشي المواطن في ظلها قائلا يا رب الستر.
التعليقات (0)