غدا ..
كم نمنا ونحن ننتظر الغد على أحر من الجمر ، حتى انه لم يغمض لنا جفن أو تنام لنا عين ، وكنا نتطلع إلى طلوع الفجر من رحم الظلمة ، لنرى الغد ، كم مر علينا انتظار للغد الجميل الرائع ، يوم أن احتفلنا ، ورقصنا ، وفرحنا ، يوم أن تخرجنا ، ويوم أن تزوجنا زواجنا ، ويوم ميلاد ابننا وحفيدنا ا أو أخينا أو اختنا ، يوم أن ربحنا ويوم أن بتنا ليلتنا نعد العدة لرحلة داخلية أو خارجية ، أو يوم أن كنا ننتظر قدوم الغائب الذي قررا ن يعود ، ويوم أن تواعدنا مع حبنا الأول . وكم انتظر الناس العيد ، والنصر والفرج .
اليوم ننتظر كشعب كامل يوم الغد ، ونحن نعلن استقلالنا كدولة فلسطينية عاصمتها القدس ، كما انتظر بفرح قبل شهور شعب جنوب السودان . وغيرها من البلدان على مر تاريخ الأمم المتحدة .
غالبا ما نتطلع إلى يوم غد على انه الأفضل ، ونتطلع إلى ما يحمل في طياته على الرغم من جهلنا لما تخبئ لنا الأيام ، فعلى الدوام كان الغد والأمل هو شعلة وقود الحياة ، لعل الغد يكون أفضل من أمس واليوم ، وهذا ما يكون في الأمل من معنى أو معاني ، وتلك هي رغبة الاستمرار في الحياة ، فإذا فقد الإنسان تطلعه إلى الغد وإذا فقد الأمل في يوم أفضل وفرصة أفضل وحياة أفضل ، فذلك هو ما يولد الإحباط ومن الإحباط ما يولد اليأس وهذا طريق الموت كمدا أو انتحارا .
فالا مس كنا قد خبرناه وعشناه وجربناه وانتهينا منه ، واليوم تعايشه ونجربه وسينتهي لأننا ما زلنا في خضم التجربة التي نعيشها وندور في فلكه ، أما الغد فهو يحمل الأمل والخير المتوقع ، ونادرا ما يظن الإنسان أن غده أسوأ من أمسه ويومه ، وإلا لكانت الحياة لا تطاق ، فلن تجد من يقول أن الأمس أفضل من غد ، وكما يقولون لولا الأمل لمات الإنسان ، فعندما نشيع احدهم إلى المقبرة ، لا يحس احد منا بأنه التالي ، ويظن انه بعيد عما هو عليه هذا الميت ، وما ذلك إلا لطول الأمل ، فنرى الفرد يحث الخطى نحو المستقبل بالتخطيط والتنسيق والعمل الدءوب ويوفر قوت يومه إلى غده ، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .
كلنا نقول ، غدا سأعمل ، سأبني ، سأعمر ، وغدا هو الأفضل ، وهو الغيب ، والمكتوب في لوح القدر ، فأفضل أيامي هو اليوم الذي لم يأت بعد ، وأفضل أولادي هو الولد القادم ، وأفضل أيامي هو يوم غد .
والتطلع إلى يوم غد وبعد غد والمستقبل ، غالبا ما يكون من واقع مؤلم ، يأمل الفرد أن يغيره ، وغالبا ما يقول الناس الزمن كفيل بحل كل المشاكل ، حيث ترتاح النفوس وتهدأ لما أتاحه الزمن من فرصة للتفكير مجددا وجديا ، وبما يمتلك الإنسان م قدرة على الصفح والنسيان .
ومما غنت أم كلثوم : أغنية أغدا ألقاك وهي من أشعار( الشاعر السوداني الكبير الهادي آدام ) ، ولحنها باقتدار وبراعة ،( الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ) .
وكانت القصيدة باسم غدا ، ثم حولتها أم كلثوم إلى أغدا ألقاك ، وغنتها عام 1971 في دار الأوبرا المصرية ، ولا تزال الأغنية مصدر الهام للكثير من العشاق إلى اليوم ، سمعتها آلاف المرات ولا زلت اسمعها . كما سمعها ويسمعها الملايين في العالم .
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدٍ يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا كنت أستدنيه لكن هبته لما أهابا
وأهلت فرحة القرب به حين استجابا هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا أغداً ألقاك
إلى أن قالت :
كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء آه رجائي أنا كم عذبني طول الرجاء
أنا لو لا أنت لم أحفل بمن راح وجاء أنا أحيا لغد الآن بأحلام اللقاء
فأت أو لا تأتي أو فأفعل بقلبي ما تشاء هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا أغداً ألقاك
وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاّ وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى وغداً نزهو فلا نعرف للغيب محلا وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
الى ان تقول عن الحاضر :
قد يكون الغيب حلواً، إنما الحاضر أحلى هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
التعليقات (0)