مواضيع اليوم

غدا اقدم اوراق لجوئي

زين الدين الكعبي

2009-04-25 13:19:21

0

 

من وحي محادثة جرت بحضوري بين صديقين .

انا العراقي ( ........ ) , بعد شهرين سأكون قد بلغت الخامسة والأربعين , قضيت من هذه السنين عشرا وانا طفل لا ادري شيئا عن أي شيء . وعندما بدأت زهرة شبابي تتفتح وجدت نفسي اعيش رعبا اسمه شرطي الأمن . رعبا يكمم فمي ويخرس افكاري ويمنعني من ان افهم ما يدور حولي . لا احد يرغب ان يسمع سؤالي فما بالك اذا طلبت الجواب . الجواب الوحيد اللذي كنت اسمعه لاتسأل يابني . فقط لاتذهب الى المسجد ولا تجالس من يتكلم عن الدين ولا عن السياسة واياك ان تفتح فمك بكلام عن الرئيس وحزبه . رضيت ونفذت ما طلب مني , ولكن وقبل ان انهي مراهقتي بعامين وجدت نفسي في وسط حرب ضروس تاكل من اقاربي واحبائي واصدقائي ما استطاعت . ضللت اسكن في بيت والدي اكمل دراستي اللتي كانت حجتي الوحيدة اللتي تمنع النظام من ان يرسلني الى محرقة الحرب اللتي وقودها العراقيين وثرواتهم . لاشيء افعله غير دراستي والخروج مع اصدقائي لاشيء اعيشه كما يعيش اقراني في باقي دول العالم , اتجنب الكلام ما استطعت كي لا اتفوه بكلمة قد تفهم خطأ لأي سبب فاجد نفسي في سجن مظلم لا نهاية لظلمته . وكم كانت فرحتي كبيرة حين تصادف يوم تخرجي من الكلية مع يوم انتهاء الحرب ذات الأعوام الثمان . واخذت عنق احلامي تشرأب .

الله ... سأتوظف بوظيفة محترمة , فلقد انهيت دراسة الهندسة والحمد لله . ومثل ابي ساخذ من الوزارة اللتي ساتعين بها قطعة ارض وسابني عليها بيت صغيرا من قرض الحكومة مع ما سأوفره من راتبي وساتزوج واصبح ابا يرعى اسرته بكل حب وحنان . ومادام الحرب انتهت فان المستقبل بالتاكيد سيكون زاهر .

اه ... بقيت هنالك سنة وستة اشهر انهي فيها خدمتي العسكرية . صحيح انها هم كبير ولكنها هم لابد منه سانهيه انشاء الله ومن ثم اعود الى احلامي لأحققها فانا الآن في الرابعة والعشرين ولا يزال المستقبل امامي .

انهيت خدمتي بعد ان ذقت الأمرين من التدريب والواجبات وتنفيذ الأوامر , ولكني تحملت كل ذلك على امل ان احقق احلامي يوما , ولكم كانت خيبة املي كبيرة عندما انقضت الثمانية عشر شهرا وبعدها ستة اشهر اخرى دون ان تظهر أي بوادر عن موعد تسريحي من الجيش .

ثم جائت الطامة الكبرى واذا بصدام يجتاح الكويت فتجتمع علي انا الجندي البسيط اعتى جيوش العالم من الشرق والغرب لتصب على رأسي ملايين من اقوى واغلى واطور القذائف اللتي عرفها الأنسان ولولا الطاف الله لكان عام 1990 اخرعام في حياتي .

رجعت الى بيت اهلي بعد ان تسرحت من الجيش وذهبت الى الوزارة اللتي تعينت فيها بعد الحرب وانا اقول في نفسي الحمد لله على كل حال وانشاء الله ستتحسن الأمور ما دمت توظفت , فاذا بالحصار اللذي فرضه المنتصرون علي وعلى باقي العراقيين يأكل مع عدي وقصي وحسين كامل وخير الله طلفاح وووو ماتبقى من خير العراق ولم يتبقى لي منه الا كوبون اذهب به اخر الشهر الى وكيل التموين القريب من بيتي ليعطيني القليل من الرز والدقيق والشاي والسكر يكفيني لمدة اسبوعين , اما راتبي فوجدته لايزيد عن دولارين فقط لاغير .

 

ياألهي ان كان هذا قدرك فلا حول ولا قوة الا بك . اللهم لا اعتراض اللهم اني صابر .

 

ضاعت خمسة وثلاثون سنة من عمري لا اعرف كيف , كاني لم اكن موجدا في هذه الدنيا وفجأة وجدت نفسي فيها وانا في الخامسة والثلاثين . او كأن امي لم تلدني في 1965 وكأنها ولدتني سنة 2000  ونزلت من بطنها وانا في الخامسة والثلاثين .

 استمرت السنين تجري وانا على هذا الحال اعمل في الوزارة من ثلاث الى اربع ساعات صباحا ومن ثم اهرب باي طريقة الى عملي الثاني في السوق احاول ان ابيع هنا واشتري هناك الا اني لا اخرج في اخر الشهر الا بما يسد رمقي ووالدي الحاجين .

  جمع الحاج والحاجة القليل اللذي تبقى مما ادخروه طيلة حياتهم للزمن اللذي تحول الى وحش يحاول ان يلتهم كل الأحلام صغيرها وكبيرها بالتهامه مدخراتنا واملاكنا اللتي ما كنا نعتقد يوما اننا سنبيعها لأي سبب . فاشتريت اثاثا جديدا لغرفتي اللتي انام فيها في بيت اهلي وبعثت اهلي ليخطبوا لي بنت الحلال . فاما ان اتزوج الآن واما ان انسى الزواج الى الأبد فتوكلت على الله خصوصا وانا اعرف كل شيء عن زوجتي المستقبلية ومتأكد من انها ستتتحمل معي الأيام بسرائها وضرائها وانا احمد الله الى الآن على توفيقه لي في زواجي .

واستمرت الحياة ورزقت بثلاثة اطفال اخرهم جائت مع الأحتلال وكأنها كانت مستبشرة خيرا لزوال الغمة , الا انها لم تكن تستطيع النوم بسلام منذ ان جائت الى الحياة فصوت المروحيات الأمريكية كان يخيفها كل ساعة عندما تمر من فوق بيت اهلي وهي تكاد ان تلامس اسوارسطحه .

وبعد ان هدأت المعارك ذهبت الى دائرتي ابحث عن اخبار الوزارة وجديدها وفرحت كثيرا حين علمت ان الموظفين غير البعثيين سيستلمون رواتبهم بانتظام بل وسيتم تعويضهم عن الأشهر اللتي انقطعت فيها رواتبهم . وفجأة وجدت في يدي سبعة اوراق من فئة المئة دولار مرة واحدة وانا اللذي لم استلم طيلة عملي في الوزارة اكثر من ستين الف دينار عراقي شهريا أي مايعادل ثلاثون دولارا امريكيا . لم اصدق نفسي وطرت من الفرح الى بيت اهلي لابشرهم واقول لهم ان الخير قادم ولقد ولت ايام حساب المصروف باجزاء الفلس الى غير رجعة واول شيء عملته هو اني ذهبت الى الصائغ واشتريت خاتما ذهبيا للحاجة ولزوجتي لأرفع عن كاهلي جزء ولو بسيط من الهم الثقيل اللذي كنت احس به بعد ان باعت الحاجة معظم مصوغاتها من اجل ان تزوجني ولم يبقى عندها الا سلسلة بسيطة اعطتني اياها لأقدمها شبكة لزوجتي مع خاتم وحلقة استطعت ان اشتريهما من مالي .

وبدأت الرواتب تزداد رويدا رويدا وبدأت زوجتي تصبح من صاحبات الأساور والخواتم الذهبية وبدأ البيت يستعيد ما فقده من اثاث واجهزة كهربائية خصوصا وأن اخوتي اللذين يعيشون معي في بيت اهلي من الموظفين ايضا . الا ان القلق بدأ يزداد ايضا وكلما فرحت بزيادة جديدة للرواتب كلما ازداد خوفي وهلعي من ازدياد مناظر الموت والقتل اليومي اللذي بدأ ياخذ من امامي بعض من اعرف واحب . وبدلا من الخوف على نفسي فقط اصبح لزاما علي ان اخاف كل يوم على اربعة ارواح اخرى اصبحت في ذمتي . وصبرت كما صبر باقي العراقيين املا في ان ياتي اليوم اللذي اعيش فيه امنا على حياة عيالي واهلي وحياتي والكل يقول لي انتظر . ولم اعترض وظللت انتظر .

قالو لي انتظر فسيذهب صدام واهله بعد ان احتل الكويت فلم يذهب وظل جاثما على صدري ثلاثة عشر سنة اخرى من اغلى سنين حياتي لم استطع ان اجمع فيها فلسا واحدا لعيالي .

قالوا لي انتظر فهذه المرة سيذهب لا محالة وستفرح ونفرح جميعا . وبالفعل ذهب ولكني لم استطع ان افرح وانا اراه يذهب ليأتي مكانه محتلا اعرف لؤمه وخبثه جيدا واعلم انه ما جاء الا لمنفعته هو لا لمنفعتي وعيالي .

قالو لي انتظر فسيسلم المحتل السلطة للعراقيين وستتحسن الأمور وانتظرت .

 ثم قالوا لي انتظر الأنتخابات لتنتخب من ستختاره انت ليحقق لك احلامك وانتظرت حتى انتخبت .

ثم انتظرت الماء ان يعود ليجري في حنفية بيتنا وانتظرت الكهرباء ان تعود كي استمتع بها وعيالي ولأستطيع واياهم ان اشرب ماء باردا على الأقل . وانتظر ان تنتهي الأنفجارات وعمليات القتل العشوائي . وانتظرت ان تصبح الشوارع جميلة ونظيفة وان ترفع عنها جدران العزل الطائفي . وانتظرت ان تبنى مدن سكنية على احدث طراز فيها المدارس الجميلة والحديثة ومولات عملاقة تشبه مولات دبي . وحدائق واسعة تحتوي على بحيرات والعاب جديدة ينطلق فيها عيالي شبيه باهايد بارك لندن اللذي قرأت عنه . وانتظرت ان ارى المقاهي والكازينوهات الشبيهة بما اشاهده في المسلسلات التركية . وانتظرت وانتظرت وانتظرت ...

ها انا الآن في الخامسة والأربعين . موظف وراتبي يعادل الف دولار امريكي ولكن هذه الألف اصبحت كأنها الثلاثين دولار اللتي كنت استلمها قبل الأحتلال بعد ان اكل الغلاء وشراء الكهرباء والماء والوقود معظم الزيادة الهائلة في راتبي .

اعطتني الوزارة مشكورة قطعة من الأرض في اطراف المدينة ومع انها بعيدة عن كل شيء الا انني رضيت وحمدت الله . ولكن كيف سأبنيها في هذا الغلاء وانا لا استطيع ان اوفر من راتبي شيئا يذكر فقالوا لي انتظر فستعطينا الدولة قرضا ميسرا , وما دام ان الوضع الأمني قد تحسن فان المستثمرين قادمون من كل حدب وصوب وسيأتي الخير معهم فانتظر .

انتظر ! . انتظر ماذا ؟ انتظر وانا ارى ما كان يسرقه صدام وعدي وخير الله يسرقه الآن عمار الحكيم وعادل عبد المهدي ووائل عبد اللطيف وووو .

انتظر وانا ارى السياسيين اللذين وضعت ثقتي بهم وانتخبتهم لا هم لهم الا الفدرالية اللتي تمكنهم من ان يقسموا العراق الى اقطاعيات خاصة لهم ولعوائلهم .

انتظر ان يقتل احد ابنائي وهو ذاهب الى المدرسة بقنبلة يزرعها من يزرعها والكل يزرع والحمد لله .

وماذا انتظر من  طفلي اللذي في الأبتدائية ان يتعلم في هذه المدرسة , وهل هو يتعلم حقا وكلنا يعرف حال التعليم في الدول العربية فما بالك بمدارس العراق . وأي مستقبل ينتظره بعد ان يتخرج من تعليم بهذا المستوى .

نعم انا اعترف باني وابناء شعبي قد اخطأنا بان سمحنا للملك ولقاسم وللبكر ولصدام ان يضحكوا علينا طوال هذه السنين . ولكن الكل تكالبوا علي , الكل كان يحاول ان يستغلني ليحقق مايريد .

 يقولون لي انتظر فكلها خمسة او عشرة سنين وستصبح الأمور على مايرام .

 وكم خمسة وعشرة بقيت في العمر كي انتظر . هل انتظر لكي ابدأ اعيش حياتي وانا اناهز الستين .

لقد ظلمني صدام وظلمني العرب وظلمتني امريكا وحلفائها ولا زال يظلمني الظالمون الى الآن ولن انتظر بعد اليوم .

اريد حقي الأن ولا ارى امامي الا ان اقدم اوراق لجوئي وعائلتي الى أي بلد من بلدان الأحتلال . فهم اكثر المسؤلين عن ضياع سنوات عمري . اريد لعيالي ان يتعلموا ما ينفعهم في مستقبلهم لا ان يضيعوا سنين عمرهم كما اضاعها ابوهم . اريد ان اعيش وعائلتي كما حلمت طوال عمري الآن في هذه اللحظة , لااريد الأنتظار اكثر من ذلك , ولينتظر من يريد الأنتظار .   

منذ الغد انا ذاهب الى احدى دول الجوار لأقدم اوراق لجوئي وعائلتي لمن يقبلنا لاجئين ......

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات