مواضيع اليوم

غباء اسرائيلي أم دهاء؟!

عبدو شامي

2009-08-17 15:08:54

0

 

غباء اسرائيلي أم دهاء؟!

يطل علينا بين الفينة والفينة، عدد من كبار المسؤولين الاسرائليين بتصريحات غريبة مريبة، يتوعّد بها الدولة اللبنانية بالويل والثبور وعظائم الامور، اذا ما تعرض الكيان الاسرائيلي الغاصب لأي اعتداء مصدره لبنان.
فبعد إقرار البيان الوزاري لحكومة الثلث المعطل الذي تلى حوادث أيار الإرهابية، سارع المجلس الوزاري الإسرائيلي إلى الانعقاد في 8/8/2008، معلناً أن إسرائيل ستعتبر حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، مسؤولة عن أي حدث يقع على الأراضي الخاضعة "لسيادتها"، أو أي أحداث يتحمل مسؤوليتها مواطنون لبنانيون.
ومؤخراً، في4/8/2009، حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الحكومة اللبنانية، تبعة أي تدهور قد يحصل على الحدود المشتركة.
ونقلت عنه الاذاعة الاسرائيلية: "أن إسرائيل تراقب بعيون ساهرة تعاظم قوة الحزب المتواصلة، وأنها نقلت رسائل في هذا الشأن إلى جهات مختلفة، وفي حال الإخلال بالتوازن الدقيق، سندرس اتخاذ خطوات". وأضاف: "إن إسرائيل لن تقبل بالفصل بين مسؤولية الحزب والحكومة اللبنانية، واذا حصل تدهور على حدودنا الشمالية مستقبلاً، فإن لبنان هو الذي سيتحمل المسؤولية". وشدد على أن "إسرائيل لن تقبل بالواقع السائد المتمثل في دولة مجاورة لها تنتمي إلى عضوية الأمم المتحدة وهيئات دولية وعلى أراضيها ميليشيا إرهابية لها أعضاء في البرلمان والحكومة، ومع ذلك تملك 40 ألف صاروخ".
وفي6/8/2009، تابعت اسرائيل تحذيراتها للبنان، إذ هدد وزير الدفاع ايهود باراك مجدداً باستخدام كل القوة العسكرية للدولة العبرية في حال نشوب نزاع مع لبنان؛ وصرح باراك للاذاعة الاسرائيلية: "اذا نشب نزاع على حدودنا الشمالية، سنتحرك بكل القوة المطلوبة ... ما جرى خلال حرب لبنان الثانية (صيف 2006) لن يتكرر". واوضح انه "في ذلك الحين بعثت الولايات المتحدة برسالة فهمت من خلالها الحكومة الاسرائيلية انه يجب عدم ضرب البنى التحتية في لبنان".
وما يستدعي الاستغراب والدهشة، أن هذه التصاريح الاسرائيلية تنم في ظاهرها عن سذاجة في التفكير وفي التكتيك العسكري، يستبعد أن تصدر عن أقوى جيش في الشرق الأوسط ورابع أقوى جيش في العالم.
فإسرائيل تعلم علم اليقين وتتابع عن كثب، تعاظم قوة حزب ولاية الفقيه في لبنان: عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وتدرك جيداً ان ذلك الحزب الايراني بات يملك من القدرات والمقومات ما يفوق قدرات الدولة اللبنانية برمتها، ودويلته في توسع مستمر يتغذى على ضعف وعجز وتقصير الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، السياسية منها والأمنية والإجتماعية بشكل خاص، ما يعني أن أي استهداف اسرائيلي للدولة اللبنانية وخصوصاً مؤسساتها العسكرية والامنية ومرافقها الحيوية، سوف يؤدي تلقائياً الى اضعافها وشلّها نهائياً، وبالتالي اتاحة فرصة ذهبية أمام حزب ولاية الفقيه الذي يملك جيشاً بديلاً للجيش اللبناني، تمكنه من توسيع وتركيز دويلته على أنقاض الدولة اللبنانية المسحوقة، و بالتالي بسط سلطته او تسلطه على الدولة بشكل كامل!! وبالتأكيد سيُدخل هذا الواقع الجديد لبنان في فوضى، تقحمه أتون حرب أهلية مدمرة، تساهم بشكل مباشر في تقسيمه الى دويلات طائفية بما يتوافق ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته السياسة الصهيو-أميركية.
وهنا نجد أنفسنا امام ثلاثة اسئلة منطقية:
1- هل تريد اسرائيل حقاً اضعاف ذلك الحزب أو إنهائه عسكرياً، أم تريد من جهة اولى: ابقاء نفسها تحت خطر مزعوم يجذب لها أموال الصهاينة وعطف الدول الداعمة في العالم، ويبقي الشعب اليهودي متأهباً للحروب لكي يبقى فيها مدافعاً عن وجودها، ومن جهة ثانية: ضرب الدولة اللبنانية كلما تحسن اقتصادها وتمتن سلمها الاهلي وتثبّت عيشها المشترك؟!
2- ألا تعلم اسرائيل ان تصريحاتها وتهديداتها تلك، تخدم مشروع حزب ولاية الفقيه الذي يتذرع بها للاستمرار بالتسلح بمختلف أنواع الاسلحة التي ثبت بما لا يقبل الشك في أيار2008 انها معدّة للاستعمال في الداخل اللبناني، لفرض وانتزاع مكاسب سياسية وطائفية داخلية وخارجية؟!
3- ألا يشير ذلك الواقع الى تقاطع مصالح بين الطرفين؟!
في "حرب" تموز 2006، لم يكن هناك قصور استخباري لدى الجيش الاسرائيلي. كانت لدى الجيش الصهيوني معلومات جيدة عن تشكيلات حزب ولاية الفقيه، والاسلحة التي بحوزته، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدروع، والمخابئ والمخازن، وشبكة الخنادق المحصنة، ومسارات وقوافل نقل السلاح، وأماكن منصات اطلاق الصواريخ، وطرق القيادة... فكل ذلك كان يتم تحت اشراف طائرات العدو الاستطلاعية التي لا تفارق الاجواء اللبنانية، فضلا عن الأقمار الصناعية التجسسية التي تستطيع رصد أدق الاشياء والتضاريس والتفاصيل في الجنوب اللبناني.
ومع ذلك كله، لم يتم القضاء على قدرة الحزب القتالية أثناء ذلك العدوان المريع الذي طال الدولة اللبنانية وحدها: بشعبها وجسورها وطرقاتها ومطارها ومرفئها وبناها التحتية وسياحتها واقتصادها، وبقي الحزب يطلق صواريخه حتى ساعة وقف اطلاق النار لكن باتجاه الاحراج والتلال والوديان والقرى ذات الكثافة العربية واحياء العرب في حيفا، فيما بقيت المستوطنات المتاخمة للحدود الشمالية شبه سالمة، وكأن الجيش الاسرائيلي والحزب فقدا ذاكرتهما أو أصيبا بالعمى!!
واللافت، أنه قبل نحو شهرين من الحرب، نشر الاعلام الصهيوني خبر اجراء الجيش الاسرائيلي مناورة اطلق عليها تسمية "تكاتف الاذرع"، جرى فيها الاستعداد للسيناريو التالي: " حزب ولاية الفقيه يخطف جنوداً من الجيش الاسرائيلي في قيادة المنطقة الشمالية. الجيش الاسرائيلي يرد بصورة شديدة. الحزب يشرع في هجوم صاروخي على الجبهة الداخلية يستمر لبضعة أسابيع. الجيش الاسرائيلي يدخل خطوة برية متعددة الاذرع في عمق لبنان". والمفاجأة: بعد شهرين حصل السيناريو بحذافيره، واستمرت "الحرب" 33يوماً!
بعد مرور أشهر قليلة على انتهاء ذلك العدوان على الدولة اللبنانية، بدأت أسراره تتكشّف؛ ففي 30/10/2006 نشرت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية شهادات جنود اسرائيليين أدلوا بها امام لجنة الخارجية والامن في الكنيست التي أنشئت للتحقيق في مجريات الحرب، فقد أفاد جنود شاركوا في الحرب:" ان تصفية منصات صواريخ الحزب لم تتقرر كهدف مركزي للقتال في لبنان"، كما تحدّثوا عن "أوامر غامضة للمهمات"، ما اوقع الجنود الاسرائليين في "بلبلة تامة في كل ما يتعلق بطرق القيادة، خاصة مع تغيير المهمة بشكل لا يتوقف".
وهذا ما أكده بعد ثلاث سنوات على انتهاء "الحرب"، نائب رئيس الاركان الاسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية جنرال الاحتياط موشي كابلينسكي في 12تموز 2009، حيث أشار "انه لم يكن هناك قاسم مشترك بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية، والحكومة لم تحدد للجيش أهداف القتال" خلال الحرب.
ومنذ انتهاء حرب تموز، تعمل اسرائيل على تزويد وسائل الإعلام ومن يهمه الأمر، بأنواع وكميات الاسلحة والصواريخ التي يتزود بها حزب ولاية الفقيه، وهي لا تنكر- كما لاينكر الحزب ايضاً- أن قوته وترسانته العسكرية تعاظمت عما كانت عليه عام 2006، أي بعد العدوان الذي يفترض أنه شن لإضعافه أو القضاء عليه؛ وكان آخر تلك المعلومات الصهيونية، ما كشفت عنه مصادر عسكرية اسرائيلية في 9آب2009، من أن الحزب الايراني يستعد لتسلم صواريخ مضادة للطائرات وأخرى أرض- أرض من نوع "فتح-110" من ايران، مشيرة الى ان الحزب تسلم في الفترة الأخيرة صواريخ أخرى من المصدرنفسه. وكان شاؤول موفاز قد صرّح منذ فترة وجيزة، أن حزب ولاية الفقيه بات أقوى بثلاث مرات مما كان عليه في حرب تموز 2009!! الأمر الذي أكدّه حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثالثة لتلك الحرب، عندما قال:" اليوم أقول: نحن في وضع محلي وإقليمي ودولي أفضل مما كنا عليه في تموز2006".
والمفارقة هنا: أن العدو الصهيوني لايحرّك ساكناً عند مشاهدته شاحنات السلاح تتدفق الى لبنان، فيما تشن مقاتلاته الحربية غارات جوية بشكل دوري تقصف خلالها انفاق تهريب الاسلحة في رفح، كما قامت في أواخر كانون الثاني الماضي وفي الاسبوع الاول من شباط بتدمير قوافل اسلحة ايرانية في الصحراء السودانية كانت تنقل الصواريخ الى قطاع غزة!
وبالمناسبة، يخطئ من يظن أنَّ حرب تموز أفشلت مشروع الشرق الأوسط الجديد في المنطقة، لا بل تلك الحرب ساهمت في تركيز ذلك المشروع وتوسيع رقعة تطبيقه، خصوصاً مع الشرخ الكبير والعميق الذي أحدثه الحزب الإيراني في المجتمع اللبناني عبر اتهامه الحكومة اللبنانية بالتآمر عليه أثناء الحرب والسعي لإطالة أمدها للقضاء عليه، وما استتبع ذلك من شحن مذهبي وطائفي وضع البلاد على طريق التفتيت؛ هذا فضلاً عن اضعاف الدولة وتعاظم شعبية الحزب وقوته العسكرية على أثر العدوان وبعده. فصدقت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بقولها عند اندلاع تلك الحرب:"إنَّنا نَشهَدُ ولادة شرق أوسطٍ جديد".
فها هي أفغانستان قد احتلت وقسمت عملياً الى اكثر من دويلة بتعاون اميركي-ايراني مشترك، وها هو العراق قد احتل وقسم الى ثلاث دويلات بمساعدة ايرانية أيضاً، وها هي فلسطين المحتلة قد فتِّتت دولتين بين الضفة وغزة، واليمن اليوم على طريق التفتيت بسبب التمرد والفتنة الحوثية، ولبنان قد وُضِع على ذلك الطريق التقسيمي هو الآخر، مع الكنتونات والمربعات الأمنية التي يتحكّم بها الحزب ويحظرها على الدولة، والفدرالية التي اقامها فعلياً في عدد كبير من المناطق اللبنانية تمهيداً لاستيلائه على السلطة في لبنان كلياً.
وما يستدعي الانتباه، أن تحقيق جميع تلك الانقسامات والتقسيمات تمّ بجهود بذلتها وتبذلها ايران وأتباعها، وكأنها الأداة التي اوكلت اليها مهمة تنفيذ ذلك المشروع الخبيث في منطقتنا.
ومن هنا ندرك عدم صوابية ما ذهب اليه أمين عام حزب ولاية الفقيه في14/8/2009، عندما قال:"حرب تموز ساهمت بإسقاط أخطر مشروع أميركي ـ صهيوني على المنطقة...اليوم فشل هذا المشروع وسقطت بعض أجزائه ولم نعد نسمع منذ آب 2006 بمشروع الشرق الأوسط الجديد".
وبالعودة الى صلب موضوعنا، وانطلاقاً معادلة: أن اي اضعاف للدولة اللبنانية يعني تلقائياً تقوية الدويلة المسلحة المتنامية داخلها، يبقى السؤال حول طبيعة التصريحات الاسرائلية الأخيرة المهددة للدولة اللبنانية مطروحاً: غباء اسرائيلي أم دهاء؟!
                                                                                                                                        عبدو شامي

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !