غاندي داعية العمل السلمي
رغم المعاناة الشديدة التي كابدها غاندي بعد اختياره لخيار العمل السلمي واللاعنف في مواجهة غطرسة المستعمر البريطاني وجبروته، إلا انه لم تساوره الشكوك يوما ولم يفكر ولو للحظة أنه سيتخلى عن العمل السلمي ويتجه إلى خيار العنف أو السلاح، رغم أن الموضة السائدة في عهده آنذاك هي حركات المقاومة المسلحة التي كانت تقاوم المستعمر بالسلاح في العديد من دول العالم الثالث.
لقد شكل غاندي ملهما للكثير من الشعوب المستضعفة والتي آمنت بما قام به غاندي وسعت بكل وسائلها المشروعة إلى المقاومة السلمية والعمل السلمي في مواجهة الغطرسة والاستعمار، فبعد أن كان استثناءا أصبحت أفكاره ملهمة للعديد من الزعماء التاريخيين المعاصرين للسود في أمريكا، والحركات التحررية في آسيا وإفريقيا، لقد أصبح غاندي ملهما للكثيرين بعد أن كان حالة استثناء جزم الكل مسبقا أنها ستفشل، وأنها فكرة لن تعود عليه وعلى الشعب الهندي إلا بالوبال والدمار، فكان العكس وتحررت الهند بسبب العمل السلمي لغاندي.
لقد اعتمد غاندي على مبدأ العمل السلمي و اللاعنف الذي يستند إلى احترام عميق للقانون، ويدعو الناس إليه بقوله: "إن على الذين يستخدمونه أن يفعلوا ذلك بطريقة غير عنيفة دائماً"، ويركز غاندي أيضاً على واجب الطاعة المدنية العام، إن هذا التصور الذي يطرحه غاندي هو تصور مطلق للاّعنف، وهو التصور الذي يعد نظرية سياسية وصلت إلى مصاف المبادئ السامية للإنسانية.
لقد رسخ (المهاتما غاندي) مبادئ اللاعنف - والتي يطلق عليها أحياناً مبدأ المسالمة -، ويقول بهذا الصدد:"إن عقيدتي بشأن اللاعنف لم تعتمد على سلطان شخص بل نشأت من دراستي لكل أديان العالم، ويضيف؛ أن الديانات المختلفة قاطبة هي زهور روضة واحدة، وأفنان دوحة باسقة".
وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا"، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقا "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه.
ما أحوجنا اليوم إلى تبني نظريات مماثلة غاية في المرونة لتحقيق الأمن والسلم على الأقل في ربوعنا كعرب أو مسلمين، حيث نظريات علمائنا الأجلاء المتعلقة باللاعنف مركونة ولا يتجرأ احد على تطبيقها رغم تعالي الأصوات الداعية لنبذ العنف وتبني السلام كخيار استراتيجي في كل الأمور والأحوال.
التعليقات (0)