غازي القلوب
غازي القصيبي
قبل أي اسهاب في الكلام نقول رحمك الله غازي القصيبي وغفرلك واسكنك فسيح الجنان انه سميع مجيب الدعاء ...
تمر بالانسان شواهد واحداث منها المفرح ومنها المحزن ومنها مادون ذلك وأعظم ، وتبقى هذه الدنيا محطة من محطات الانسان يعيش فيها ما بقي ثم حتما وبدون استئذان او تسليم منه يجبر على مفارقتها بامر الهي محتوم ، كل مسلم يعلمه ويؤمن به ولكن لا يعلم متى هذا اليوم .
بالآمس القريب استوفى هامة شامخة من هامات الوطن كافة استحقاقاته من هذه الدنيا وانتقل الى دار لها رب رحمته وسعة كل شئ كريم لا يعادل كرمه شئ .
عندما اعود بذاكرتي الى الوراء لاستذكر مآثر غازي فلن تسعفني مداد كلماتي ولن تفي عباراتي ما يرقى لما يجول بخاطري ،ولكن لعلي اتخطى حدود زمن ضاق باهله لالتقط بعض ما يختلجني من مشاعر تبوح سر غازي القلوب فقد غزى بحبه كل قلب حتى خارج حدود الوطن،ظاهرة في زمنه كالمتنبي في عهده ،ظاهرة في الادب ،ظاهرة في الشعر، ظاهرة الادارة ، ظاهرة في الوطنية والاخلاص ، ظاهرة في التربية ، ظاهرة تعدت حدود الزمان والمكان ، ظاهرة عاشت كل حدث على مستوى الوطن على مستوى الامة على مستوى العالم ، لم يمر حدث الا وعاشه غازي فكان يعيش في قلب الامة والامة تعيش في قلبه من فلسطين الى لبنان الى الخليج وحروبها ...الى والى .
من اجمل القصائد التي قراءتها لغازي في طفولتي عندما كنت في مراحل عمري الاولى قصيدة بيروت عندما كانت تأن تحت قصف المدافع وصلي رصاص البنادق بايدي ابناؤها في الحرب الاهلية المشؤمة .
بيروت! ويحك! أين السحر والطيـب؟
و أين سحر على الشطـآن مسكـوب؟
و أيـن رحلتنـا و الوجـد مركبنـا؟
و البحر أفق من الأحـلام منصـوب؟
و أنـت مترعـة النهديـن متـرفـة
دنياك وعد بشوق الوصل مخصـوب
فـي مقلتيـك مـن الأهـواء أعنفهـا
و فـي شفاهـك إيمـاء و ترحيـب
و في يمينـي ورود جئـت أزرعهـا
على ضفائر فيهـا الليـل مصلـوب
لا ابالغ ان قلت انني اقتنيت كل نتاج غازي الادبي والفكري من دوواين ومطبوعات وكنت من اشد المعجبين به فكرا وادبا رجل كان يحمل سيف الكلمة فيسطرها بجراءة وبلاغة لم يسبقه اليها احد ، احب الناس فاحبوه وغزى حتى قلوب معارضيه ومنتقديه عاش شريفا شجاعا مخلصا ومات نظيفا كريما ،لم يطاله فساد المال ولا انحناءات الرائ والكلمة ، لم يكن للحياد عنده مكانا يطرح رؤيته بكل وضوح وجلاء حمل رسالة وادى اكثر مما يجب ، رحل فاحس برحيله الجميع ولكنه لن يحس بهم بعد اليوم ، مآثره ومناقبه ستبقى منار وسيرته ستتناقلها من بعده الاجيال . هذا ما تركه للدنيا فلعل الله ينفعه بصالحها ويغفر له مادون ذلك انه السميع العليم.
التعليقات (0)