موقع الحوار المتمدن-محمد حسن فلاحية:::
يقول البعض أنّ لسوريا الحق في التحالف وبناء مشروع معقد مع إيران وهي تبذل مسعاعيها لإستعادة الجولان بأي ثمن ولو كان ذلك على حساب التخلي عن المشروع القومي الذي تطرحه منذ تولي حزب البعث السوري سدة الحكم بشكل تكتيكي وليس ستراتيجي فهي تقف في وجه كل ما يحاك من دسائس ضد الأمن القومي العربي من المحيط الى الخليج ولكن الوقائع على الأرض اثبتت عكس ذلك حيث أنّ سوريا لعبت دوراً محورياً مسانداً لطهران في كل المناسبات وعلى رأسها الحرب الإيرانية العراقية وما صدر مؤخراً على لسان كبارالمسؤولين في الحرس الثوري الإيراني يبرهن على الدور السوري الهام للغاية بالنسبة لإيران في تلك الحقبة خاصة فيما يتعلق بفتح مجالها الجوي لإيران لضرب العراق ضاربة كل الشعارات التي رفعها حزب البعث السوري عرض الحائط لكن بعد وصول تسونامي الثورات العربية الكبرى الى سوريا ومحاولة النظام السوري قمعها بكل ما ملكت يداه منها الإستعانة بعناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وخاصة دلالات الصمت الإسرائيلي المؤيد للنظام السوري في مواجهة أي تغيير كيف يمكن تفسيرما قام به النظام السوري طيلة السنوات الماضية وعلى وجه الخصوص تحالفه مع النظام الإيراني لبناء مشروع إقليمي مشوّه ؟! أحاول في هذا المقال قراءة المشروع المذكورمن منظار مهندس العلاقات الإيرانية السورية "عبد الحليم خدام " في كتابه وتصريحاته الأخيرة حول العلاقات الإيرانية السورية.
اعتمد النظام الإيراني منذ نشأته قبل ثلاثة عقود سياسة شد الحبال مع جيرانه وخاصة العرب حيث واصل ستراتيجية متشنجة بتكتيكات مصاحبة لموجات جزر ومد مستنداً على تنفيذ مخططاته باستخدام الموارد الهائلة من تصدير النفط والموارد الطبيعية الأخرى التي تستخرج معظمها من إقليم عربستان الواقع على الضفة الشرقية للخليج العربي وازداد أهمية الدور الإيراني الإقليمي بعد انهيار الإتحاد السوفياتي ومُنح هذا النظام الفرصة التاريخية إثر سقوط النظام العراقي السابق مما مهد له الأرضية كي يتمدد في المنطقة عبر تجنيد عناصر طائفية شيعية خدمة لمصالحه وفي هذا الإطار يكشف السياسي السوري المنشق عن نظام الأسد في كتابه الأخيركيف استخدمت طهران دمشق كورقة خدمة لمشروعها الإقليمي مستغلة حالة الإرباك الذي كان يعيشها الوطن العربي آنذاك حيث قامت دمشق بمساعدة طهران على عقد تحالفاتها الاقليمية في مناطق ملتهبة من باكستان وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطين للعبث في أمن هذه المنطقة آخذة دوراًً محورياًً يهدف الى بسط نفوذها .
ويصف خدام طبيعة النظام الإيراني بهذه الصورة «بعد ثلاثة عقود من قيام الجمهورية الاسلامية في ايران، لايزال الحديث عن الخطر الايراني ولايزال القلق يتصاعد خوفاًً من أهداف ايران ومن سياساتها ». ولا یأتی هذا الکلام عبثاًٌ من على لسان مهندس الحلف الستراتيجي الإيراني السوري عبد الحليم خدام حيث أنه يعرف مكنونات هذا التحالف بحذافيرها فيرى خدام أنّ المشروعات الموجودة حالياًً في المنطقة تتوزع بين ثلاثة قوى لا غير دون وجود لمشروع عربي يذكر فـحسبما يروي خدام أن المنطقة تشهد «صراع بين ثلاثة مشروعات استراتيجية، وبالأخص في المشرق العربي، هي: المشروع الاسرائيلي، والمشروع الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والمشروع الايراني في غياب مشروع عربي للدفاع عن مصالح العرب وسيادتهم وأرضهم. وهو ما دفع بالمنطقة العربية للتحول الى ساحة صراع بين هذه المشروعات .» .
كيف يمكن أن يحدث حلف ستراتيجي بين النظام الديني الطائفي الإيراني والنظام العلماني السوري ؟ الإجابة تكمن بمقدار معرفة النظام السوري قبل الإيراني حيث أن النظام الحاكم في سوريا نظام علماني الشكل وطائفي الباطن تحكم سوريا عصابة باسم المذهب العلوي هذا الأمرمكّنها من عقد تحالف مع النظام الشيعي الصفوي الحاكم في طهران آملة باستعادة دور سوريا التي فقدتها بعد ظهور نجم الراحل جمال عبد الناصر فالنظام السوري يُعرف عنه بذي الصبغة البراغماتية وهذا ينطبق أيضاًًعلى النظام الإيراني حيث بعكس ما يتصور البعض أن النظام الإيراني ليس ثيوقراطياً كما يعرف عنه بقدر ما هو براغماتي عنصري يستغل المذهب خدمة لكيان الدولة في إيران وليس العكس فهنالك عبارة شهيرة يتناقلها المثقفون في إيران من قبل أحد المنظرين في الزعامات الدينية المتشددة (محمد جواد لاريجاني ) يبرهن فيها على براغماتية النظام في إيران حيث يقول :"نحن جاهزون للدخول في تفاوض مع الشيطان في قلب جهنم " فلا عجب من تغير طارئ في مواقف النظام خدمة لمشروعه وهذا الأمر من شأنه تعقيد معرفة المشروع المذكور إذا ما اندمج بالبراغماتية المؤدلجة بإيديولوجيا ما سواء كانت دينية أم قومية وهذا ينطبق تماماًً على نظام معقد صاحب مشروع معقد يحكم إيران طيلة العقود المنصرمة.
يكثر هذه الأيام التساؤل بين شريحة واسعة من المثقفين العرب المتابعين للشأن الإيراني خاصة بعد تصاعد حدة التوتر بين إيران من جهة والبحرين والكويت بشكل خاص ومجلس التعاون الخليجي والسعودية بشكل عام من جهة أخرى حول حقيقة المشروع الإيراني فيتساءل مهندس العلاقات الإيرانية السورية "خدام "عن صحة هكذا مشروع قائلاً:«أن المشروع الاقليمي لايران يثير القلق لدى عدد كبير من الدول العربية لأنه يتجاوز سيادتها الاقليمية ويشكل تدخلا في شؤونها الداخلية ما يزيد من ارباك الأوضاع في المنطقة ويعقد العلاقات بين ايران والدول العربية، كما سيؤدي الى انقسامات داخل الدول العربية بين مجموعات تتعامل تحت مظلة المشروع الايراني وموالية لايران وبين أنظمة الحكم الأخرى». ويضيف: «ومن عوامل القلق لدى الدول العربية، نمو العصبية المذهبية لدى المسلمين الشيعة في مختلف مناطق وجودهم وتعاطفهم مع ايران من جهة نمو التوترات المذهبية بينهم وبين المسلمين السنة من جهة أخرى ».
ویتساءل خدام :"هل ايران جادة في تحقيق مشروعها الاستراتيجي في المنطقة وبناء دولة قوية قادرة على تحقيق نفوذها من لبنان الى أفغانستان، وأن تكون هذه الدولة المرجعية وقائدة شعوب المنطقة؟ ويجيب بنعم.. ايران جادة في تحقيق مشروعها الاقليمي مع الأخذ في الاعتبار، انها لن تلجأ الى استخدام قوتها العسكرية في تحقيق مشروعها، ولن تخوض حربا خارج حدودها الوطنية لأنها تعرف الأضرار الكبرى للحروب ومعرفتها من خلال الحرب مع العراق، اضافة الى ذلك، فان لجوءها الى القوة العسكرية سيضعها في مواجهات متعددة مع الدول العربية ومع الغرب المتطلع دائما الى حماية مصالحه، وبخاصة النفطية، لكنها ستخوض الحرب وتستخدم قوتها العسكرية في حال تعرضها لعدوان خارجي."
من بين أهم ما يطرح بشأن المشروع الإيراني دور سوريا في اكمال حلقة هكذا مشروع حيث تعتمد ايران في الوصول الى تنفيذ مشروعها الاقليمي من خلال توظيف الأحداث والوقائع فكل حدث يعطيها فرصة.ويشيرخدام الى التحالف بين سوريا وطهران: «في سورية، وظفت التحالف بأن تصبح سورية الأرض المفتوحة أمام النشاط الايراني الاقليمي، وعبر سورية نجحت ايران في بناء التحالف مع عدد من الفصائل الفلسطينية الرافضة للعملية السلمية، وبذلك أصبحت موجودة عبر هذه الفصائل في قلب المعادلة الفلسطينية وقلب ساحة الصراع العربي - الاسرائيلي، وفي العراق وظفت الحرب الأميركية على العراق فأمسكت الوضع في العراق عبر حلفائها وعبر أجهزتها الأمنية، وأصبح لها دور رئيسي في العراق ما اضطر الولايات المتحدة لطلب الحوار معها حول الوضع الأمني في العراق، كما أنها وظفت الحرب الأميركية على نظام طالبان لتمسك بجزء مهم من الوضع الأفغاني ما دفع أيضا الولايات المتحدة لبحث الحوار معها حول أفغانستان.».
وحول عمل طهران تغيير الأنظمة خدمة لمصالحها يقول ؛هل تعمل ايران على تغيير أنظمة الحكم في الدول العربية؟ يجيب: أن أي تغيير يصب في خدمة سياساتها أو يلتقي معها في الخطوط الرئيسية ترحب به قيادة الجمهورية الاسلامية، ولكنها لا تعمل على تحقيق التغيير في هذه الدولة أو تلك لأن ذلك سيدخلها في نزاعات جانبية من جهة. ومن جهة ثانية فهي قيادة ليست مغامرة أو مقامرة، لكنها ستقوم بتوظيف أي مناخ للتغيير في أي بلد باتجاه خدمة سياساتها ومصالحها.
وغيرت إيران المعادلة السابقة بعد أن حاولت جاهدة ركوب موجة الثورات العربية الى استخدام الموالين لها ومؤيديها في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي خاصة كخط أمامي في جبهتها بعدما كانت قد أبقتهم في السابق كورقة ضاغطة تستخدمها في الأوقات الحرجة ، وهذا الأمر منطبق فقط على منطقة الخليج لأنها تدرك أن هذه المنطقة - خط أحمر- بالنسبة للمصالح الدولية ولكن لا أرى أنها ستقدم على حرب ضد تدخل درع الجزيرة في البحرين وأنها تدرك تماماً تجربة صدام حسين باجتياح الكويت لذلك فان القيادة الايرانية لن تقدم على خلق شئ ملموس ضد دول الخليج وستعمل على بسط مشروعها الإقليمي عبر اظهارها حسن النوايا المغلفة بالعداء والكراهية تجاه دولة الخليج، مع الاستمرار بمشروعها التوسعي في شتى الطرق إلا في حالة وقوع خطر كبير قد يهدد بقاء نظامها.
إذا ما أردنا تقريب وجهات النظر حول المشروع الإقليمي السوري الإيراني في المنطقة ما علينا إلا إلقاء نظرة على نقاط التشابه بين النظامين حيث هذا الأمر مكنهما من عقد تحالف استمر لثلاثة عقود أو أكثر حيث كان تحالف طهران بدمشق موجوداً زمن الشاه الإيراني السابق ، سوف تنفرط عقدة هذا الحلف لو تغيرت هذه النقاط بأي سبب كان فالنظام السوري والإيراني يحكمان مكونات دينية وعرقية مختلفة فالنظام السوري كما النظام الإيراني في موقع الأقلية داخل بلديهما حيث أنّ الفقه الصفوي الذي يحكم طهران هو أقلية نظراً لتعدد المشارب الفقهية الشيعية في هذا البلد بغض النظر عن وجود مشارب فقهية خارج المذهب الشيعي مثل التصوف والمذاهب السنية الأربعة وغيرها من المذاهب في إيران وكذلك الحال هو بالنسبة للتعددية العرقية فالفرس في إيران أقلية تحكم أكثرية شعوب (عرب كرد بلوش تركمان وأذريين وغيرهم) فالمشروع الإقليمي المطروح من قبل النظام الإيراني ليس مشروعاً متفقاً عليه لا بين الشعوب الغير فارسية ولا بين أتباع المذهب الشيعي نفسه وهذا الأمر ينطبق أيضاً بشكل ما على النظام السوري حيث هنالك أغلبية عربية سنية محكومة وأقلية علوية تحكم البلد وشعب كردي وهنالك مسيحيين ويهود في سوريا فالتناقض والديكتاتورية جعل المشروع الإقليمي الإيراني السوري يكتمل ولم تنفرط عقده لحد الآن إلا إذا حدث ما لايرغب به النظامان في الفترة القادمة.
التعليقات (0)