العدد رقم: 1027 2008-09-22
بحثاً عن العدالة
تحقيق: عباس حسن أحمد
حرب الشفافية
الحلقة (2)
توقيع حار
قبل ثلاث سنوات تقريباً وبينما كنت اتجول في شوارع الخرطوم في رحلة البحث عن المعلومات لفت انتباهي بشدة تلك السيارات الفارهة المرابضة بداخل المبنى الزجاجي المطل على شارع البلدية والمواجه للبنك العقاري من الناحية الغربية أنه معرض (.....) للسيارات فدفعني الفضول الصحفي إلى داخل المعرض للتعرف على السيارات الضخمة التي كانت تعكس شيئاً من الانفتاح التجاري بعد زوال الحدود الجغرافية أمام مد العولمة الكاسح.. وبينما انا أتجول فإذا بشخصية مسؤول كبير يدخل إلى المعرض من البوابة الغربية ويرتدي بزته المعهودة ويحمل في يده سبحة صغيرة.. وبدأ يتجول في المعرض بصحبة الموظف الموجود وكنت اسير خلفهم ولكن بخطى بطيئة وركزت المسؤول في جولته على عربات الأسعاف وبعد ان تفقدها جيداً سأل الموظف المسؤول عن سعر الواحدة فرد قائلاً: (34) ألف دولار فقال المسؤول" لو بتجاملونا انا عايز 4، 5، حبات ولاّ انا ماشي الخليج الساعة الثانية ظهراً اشتريهم من هناك" انتهى حديث المسؤول والذي كان بداية لأسئلة كثيرة دارت بخلدي وقتها.. اسئلة على شاكلة هل إن الدستور والقوانين تسمح لمسؤول كبير مثله ان يشتري مثل أي مواطن يدخل إلى بقالة ويطلب ما يشاء دون حسيب أو رقيب وإذا كانت هذه هي الطريقة هل هو عدم اعتراف بالنظام المتبع أم الهيمنة على كل شئ؟ أين إدارة الشراء والتعاقد التابعة لوزارة المالية الولائية الاتحادية، الإدارة المسؤولة عن شراء كل احتياجات الولاية ثم اين هي فواتير الشراء وكم هي المبالغ التي صرفت في المشتريات طوال السنوات الماضية؟ ثم هل الطريقة التي اتبعها المسؤول هي تفعيل لقوانين المشتريات والعدل والشفافية في ابسط صورها أم ان المسؤول ضرب بالقوانين عرض الحائط واستخدم سلطاته التي تعلو فوق كل حساب.
تسييس الخدمة المدنية مدخل للفساد
ويقول مسؤول رفيع بوزارة المالية ان تسييس الخدمة المدنية فتح الباب واسعاً أمام الفساد خاصة بعد تقديم أهل الولاء الذين لا يملكون المعرفة والخبرة على أهل الكفاءة والإدارة وكان هذا مدخل لتقنين الفساد حيث يقوم المسؤولون بتكوين اللجان من العناصر الموالية لهم والتي تمرر وتجيز القرارات التي ترضي مخدميه ارضاءً له وثمناً للمنصب الذي جلس على كرسيه دون وجه حق.
ويواصل المسؤول قائلاً ان من أهم أسباب الفساد هي الأجور والمرتبات وعدم كفايتها لتكاليف المعيشة فنجد مثلاً موظفاً يعمل في واحدة من الإدارات الحساسة كدائرة العطاءات مثلاً ومرتبه لا يكفي لتغطية احتياجاته الاساسية ناهيك عن الكمالية منها فهذه مدعاة لمد يده للمال العام وأخذ الرشاوى والحوافز والمكافآت بدون وجه حق ففي السابق كانت مرتبات موظفي المالية من أعلى المرتبات وكانوا يتمتعون بمزايا في التدريب والتأهيل والسفر وتمثيل الإدارة في مجالس الإدارات واصبح تحايل الموظفين الآن شيئاً عادياً وطبيعياً.
صورة.. مقلوبة:-
ويُواصل القول.. هذا ما كان عليه الوضع في السابق أما الآن فقد تبدل الوضع غير الوضع وأصبحت الصورة مقلوبة كما اصبح الموظفون يسعون للحصول على الرشاوى والحوافز كأمر عادي وطبيعي.
فساد مبطن
ويواصل المسؤول قائلاً نعم هناك فساد وتوجد تجاوزات ولكن هذا الفساد محمي ومسنود بالنفوذ السياسي والضغوط الكبيرة التي تمارس على مدراء الإدارات خاصة مدير المراجعة الداخلية الذي يكشف الأخطاء قبل وقوعها وإذا حاول معالجتها تأتيه الأوامر من جهات عليا بأن يمرر الشغل.. والمسؤولون الذين يمارسون هذه الممارسات هم الذين يرفضون اجازة مشروعات القوانين الجديدة وتعديل القوانين القائمة فيقفون عقبة أمام تعديلها لأن القوانين الحالية تمكنهم من أداء ممارساتهم لذلك نجد ان جميع مشروعات القوانين تذهب ادراج الرياح وهكذا نجد ان السياسة افسدت الخدمة المدنية وان التنازلات الكبيرة التي قدمها المؤتمر الوطني في نيفاشا هي التي أدخلت البلاد في دائرة الفساد والترهل الدستوري فصار عدد الوزراء أكبر من الموظفين وكذلك عدد المحافظين في درجة وزير وأصبحت هذه المناصب منافذ للفساد والفوضى العارمة التي لا يمكن ان يتخيلها إنسان.
وللتعرف على الطريقة التي تتم بها شراء الاحتياجات الحكومية التقينا الأستاذ محمد عبد الله علاقي مدير الإدارة العامة للشراء والتعاقد بوزارة المالية الاتحادية والذي قال حول اللغط الأخير الخاص بموضوع العطاءات إن له اسباباً موضوعية منها دستور السودان لعام 2005 الذي أعطى صلاحيات واسعة للولايات وسلطة اصدار القوانين واللوائح الخاصة وخصص لها وزير مالية ومجلساً تشريعياً لاجازة القوانين دون الرجوع للمركز الذي ضعفت سلطته الرقابية على الولايات وهنا تكمن المشكلة إذ لا يوجد نص في الدستور يحدد العلاقة بين الولاية والمركز فيما يتعلق بالموارد كما ان التنسيق بينهما شبه معدوم.
مناقصة عامة: ويقول علاقي هناك قانون يحكم عملنا في الإدارة وهو قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لعام 1977 الذي تفسره لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لعام 1995 التي تحكم أعمال جميع الإدارات المالية بموجب الفصل الثامن في الفصل الثامن الشراء والتعاقد والتي تنص على ان الأجهزة الحكومية من رئاسة الجمهورية والأجهزة الاتحادية والولائية ومؤسسات القطاع العام والشركات الحكومية عند احتياجها لأي مشتريات ان تتبع نظام المناقصة العامة الذي يعتمد أسلوب الاعلان في الصحف وتحقيق الشفافية وفي بعض الحالات الاستثنائية يمكن اتباع نظام المناقصة المحدودة التي لا تحتاج لاعلان وذلك لان عدد المتنافسين في السلعة معلوم ومحدود.. وتنص أيضاً اللائحة على ان يقوم مدير الوحدة مقدمة العطاء بتكوين لجنة فنية ولجنة مالية من داخل الوحدة أو من خارجها إذا كانت التخصصات غير موجودة في الوحدة للتقييم الفني والمالي ومن ثم تتم التوصية لأقل العروض من بين العروض المجازة فنياً وعندما نريد الاعلان عن عطاء نقوم بتكوين لجنة أخرى تسمى بلجنة وضع المواصفات الفنية للسلعة أو الخدمة المراد شراؤها وهذه المواصفات الفنية يجب ان تكون دقيقة وتفصيلية وعامة, وكلمة عامة هنا مهمة جداً لكي لا تكون المواصفات مفصلة على مواصفات محددة أو جهات معينة لأنه في عملية الفرز يتم فتح مظاريف العطاءات وتقييمها بمقارنة المواصفات بعد الاعلان عن العطاء في الصحف واللجنة التي تقوم بهذه العملية يجب ان تتكون عضويتها من إدارة الوحدة أو المؤسسة مقدمة العطاء بالإضافة لمحاسب وإداري وفني مختص بالسلعة بجانب مندوبي الشركات المتنافسة الذين يحق لهم حضور فتح المظاريف وإعلان الاسعار فقط ولا يحق لهم حضور فرز العطاءات فهي عملية فنية تحتاج لوقت ليس بالقصير.
تقارير دورية:
ويواصل الأستاذ علاقي قائلاً نحن الآن نقوم بإعداد خطة سنوية للشراء على مدار السنة لكل وحدة حكومية منفصلة بعد تحديد جميع المشتريات مسبقاً ولدينا تقارير واحصائيات شهرية نطلبها من هذه الوحدات بعد تنفيذ مشترياتها خلال الشهر وهي تقارير شهرية وربع سنوية ونصف سنوية نقوم بتقديمها للمسؤولين في الإدارات العليا بالوزارة التي تقدم تقاريرها لمجلس الوزراء ونجد ان محتويات هذه التقارير توضح تفاصيل المشتريات من حيث النوع والقيمة وتحديد التجاوزات التي تحدث في الوحدات والتي تضمن في تقرير المراجع العام والمراجعة الداخلية التي تعتبر من أهم الإدارات وتكمن أهميتها في انها تكشف الفساد قبل أو أثناء وقوعه وتعمل على معالجة الانحرافات قبل استفحال الفساد كما نجد ان تقارير المراجع العام تذهب للبرلمان ولا تقوم جهة بفتح البلاغات في التجاوزات التي تحدث والتي يصل حجمها لمليارات الجنيهات.. وفي العامين الماضيين عملت وزارة المالية على تحديث القوانين واصدار قانون للمشتريات الحكومية ويوجد الآن مشروع قانون امام المجلس الوطني منفصل عن قانون الإجراءات المالية والمحاسبية للعام 2008 ونتوقع بعد اجازة هذا القانون ان يسد كل الثغرات الموجودة في القانون القديم التي تحدث من خلالها التجاوزات.
كشف العطاءات
ويقول الاستاذ علاقي العطاء له شروط عامة وخاصة وأهم هذه الشروط هو شرط التأمين الميداني وقدره (2%) من اجمال قيمة المشتريات تدفع نقداً أو بشيك معتمد أو بخطاب ضمان بنكي والشخص الذي لا يفي بهذا الشرط يستبعد من المنافسة على العطاء.
اما المصفي القانوني الخبير ابراهيم دهب (ترست) فقد سخر من هذا الشرط
الذي يجمع بين السذاجة والسخرية المضحكة
السودانى
------------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
ٍالكادر المفتوح في النيل الأبيض
تحقيق/ راشد أوشي .. الحلقة الاولى
ترقيات مشبوهة
الترقيات المشبوهة، عنوان عريض تصدّر قضايا التعليم بولاية النيل الابيض، فبعد سنوات من الشكاوي المتواصلة التي جأر بها المعلمون بمحلية كوستي من رائحة الفساد في الترقيات بالولاية تم فتح تحقيق مطوّل في الأمر، غير ان المفاجأة كانت ان بداية التحقيق قاد، وبسرعة كبيرة، للكشف عن حقائق مُذهلة عن الترقيات في النيل الابيض، هذا ما أكدته الخطوات التي اتخذتها محلية كوستي لمعالجة بعض حالات الترقيات المشبوهة، وبالبحث المتأني الدقيق والوقت الذي استغرقه هذا التحقيق كانت الحقائق التي قادت لسبر أغوار قضية أفضت فى نهاياتها للقضاء علي سمعة وهيبة التعليم بالولاية، في الحلقة الاولي نحدّثكم عن قضية يُنتظر ان تتفجّر من ثناياها قضايا أخرى..
بداية قُنبلة..!!
قبل عام 1992م لم يكن هناك كادر على مستوى الولايات وكان التنافس للحصول على الترقيات يتم على مستوى المركز، بعد ذلك منحت هذه الصلاحية للولايات ورُبطت بقيد زمني محدد للترقي من درجة لدرجة، تبدأ بالدرجة (14) الى (12) وتتم خلال عامين، ومن (12) الى (10) وتتم فى اربعة اعوام ومن العاشرة للثامنة اربعة اعوام ايضا، ومن الثامنة للسابعة اربعة اعوام.. وفي عام 1995م تم سحب الدرجة السادسة بقرار جمهوري في حين امتد القيد الزمني للترقي للخامسة لخمس سنوات، ومن ثم يستمر التدرج.. وحتي 1998م كان الكادر بولاية النيل الابيض يطبق بالصورة الصحيحية ولكن منذ ان تسلم مدير شئون الخدمة حينها محمد البدوي الشيخ والذي ورد اسمه في عدد من المستندات التي تحصلنا عليها، منذها صارت الترقية غير خاضعة لاي ضوابط وظيفية بقدر ما هي راضخة للمصالح الشخصية والصداقات و(الشُّلليات)، وهذا ما كشفت عنه بالضبط المستندات التي بطرفنا، حيث توضّح إحداها(وهذا ماسنتعرّض له لاحقاً)، ان المدير التنفيذي لمحلية كوستي اتخذ عدة قرارات لمعالجة الترقيات المشبوهة التي كشف عنها بالمحلية، وحدث ذلك بعد تقدم احد المعلمين بشكوى عن وجود ترقيات غير قانونية، وكشفت الشكوى بعد التحقق منها عن فضائح طالت شخصيات كبيرة، كما انها كشفت عن ان الامر لم يقتصر على الترقيات المشبوهة بل التعيينات والوظائف التي تم شراؤها سابقاً ( كل ذلك مُثبت بالمستندات)، كما اشارت المستندات الى انه مابدأت فضيحة صغيرة في كوستي حيث شرع المراجع العام بالولاية في فتح تحقيق في هذا الخصوص بعيداً عن الصحافة ضمن مراعاة مهنية الديوان، كان اكبر بكثير حتى من توقعات المراجع العام نفسه..!!
ليس أوانه..!!
في محلية كوستي حيث بلغت شكوى احد المعلمين المعتمد بعد ان لم تتحرك شكواه بطرف وزارة الحكم المحلي منذ عهد وزيرها الاسبق بابكر شنيبو ( قيد انملة)، بل ان البعض نصح ذلك المعلم بان ينسى الموضوع ( لحدِّ هنا) وان لايرهق نفسه بالبحث عن حقه (ليس هذا اوانه)، ولكن اصرار المعلم على ان الامر لايهمه شخصياً بل يهم شريحة كبيرة فقدت هيبتها ومصداقيتها امام جيل كامل، ولكي لاتفقد هيبتها امام الاجيال القادمة، هو يصر على حقه وبلغت شكواه المعتمد الذي امر على الفور بتصحيح الاوضاع ومعاقبة كل من نال ترقية لا يستحقها وسحب كل الامتيازات التي نالها بموجب الترقية واسترداد كل الاموال التي صُرفت له بغير وجه حق، وقد اثني المعلمون على الخطوة التي اتخذها واكدوا مضيهم قدماً لاثبات حقوقهم ..!!
لم تعُد آمنة..!!
عدد من المعلمين قالوا،ان الشئ المؤسف هو ان ماتم الكشف عنه حتى الان من فساد في الترقيات والتوظيف (يشمل شراء الوظيفة) ويمسُّ شريحة مهمة وحساسة جداً في اخلاقياتها ومهنيتها، ويترك انطباعاً لدي الرأي العام الذي بات يعرف ان المدارس لم تعد آمنة ليدفعوا بأبنائهم اليها لاكتساب العلم والصفات الفاضلة.. ويقول بعض المعلمين ان الممارسات التي تمت على مدار السنوات الماضية في ظل سيطرة نقابة واتحاد موالي كان يغطي علي الترقيات المشبوهة (من ضمن اعضاء النقابة وفقاً للمستندات التي بحوزتنا من نال ترقيات كشف عنها كشف الاقدمية الذي بحوزتنا والصادر عن ادارة تعليم مرحلة الاساس بكوستي عن العام 95- 1996 م للدرجة الخامسة معلمين)، وذهبوا الى ابعد من ذلك عندما كشفوا عن ان النقابة قامت بنقل اكثر من (14) معلماً من الناشطين في الكشف عن الترقيات المشبوهة لخارج كوستي بعيداً عن اسرهم كعقاب لهم، ويقول المعلمون ان الممارسات السابقة اسهمت بفاعلية في تدني هيبة المعلم والتعليم بالولاية ، ويستدل جُل من تحدثوا لنا من المعلمين بنتائج مرحلة الاساس لمحلية كوستي خلال الاعوام الماضية، ويقولون انها ببساطة صارت تحتل ذيل القائمة عند الاعلان عن النتائج..!!
شلل عام..!!
الشكوى من وجود فساد في الترقيات لم يبدأ من اليوم بل يعود لفترة زمنية امتدت على مدار اكثر من ثماني سنوات، غير ان الشكوى لم تقتصر على الترقيات فقط، ففي سنوات وصفها المعلمون بالمظلمة، كانت الوظائف تُباع، وذهبوا الى ان تلك السنوات شهدت خروقات كبيرة وخطيرة للكادر المفتوح للمعلمين الذي اصدرته (حينها) وزارة الخدمة العامة والاصلاح الاداري والعمل بالنمرة و خ ع أ أ ع/ د ش خ/ تقويم/، منشور شئون الخدمة رقم ( 21/ 95)، بتايرخ 11/12/1995م، والمعنون لمدير عام الخدمة العامة/ ولاية النيل الابيض، واوضح المنشور ان التعديل في التدرج الوظيفي المفتوح للمعلمين مرتبط بالقيد الزمني الذي يطبق عند الترقي من درجة لاخرى،ويقول المعلمون ان بعض زملائهم نالوا ترقيات بعد استبدال شهادات الميلاد بملفات خدمتهم او استبدال تواريخ الترقيات، وفي اختراق اخر لمنشور وزارة الخدمة، كانت الترقيات تتم وفقاً للانتماء السياسي والقبلي والصداقات الخاصة والشلليات، مما ادى في النهاية لحالة من الشلل العام الذي اصاب جسد التعليم..!!
أُم المصائب..!!
بعض المعلمين سواءً من اؤلئك ( المَرضِي عنهم) او الذين لديهم علاقات خاصة، تخطوا السن القانونية للمعاش منذ سنوات، ومن خلال التعامل مع الملف، وبالرجوع للـ(كارديكس) في الخرطوم، يتبين انهم يفترض احالتهم للمعاش، غير ان الذي يحدث بالنيل الابيض، وبالتحديد في شئون الخدمة، انه يتم استبدال شهادات الميلاد بالملف، وبما ان (الكارديكس) به الشهادات الحقيقة التي يتم تسجيلها بعد مرور عامين من التعيين، فان الذي يحدث ايضا ان بعض المعلمين الذين تم انتدابهم لليمن تم استبدال شهادات ميلادهم حتى تتوافق مع شروط الانتداب التي تقتضي ان يكون عمر المعلم اقل من خمسة واربعين عاماً، ويبلغ عدد حالات الترقيات المشبوهة التي كشف عنها في مدينة كوستي اكثر من (20) حالة، وفي الواقع ان الذين نالوا تلك الترقيات لم يستفيدوا منها الا اثناء العمل، ولكن عند احالتهم للمعاش يتم، وبذات الصورة الخفية، اعادة مستنداتهم الحقيقية لملفات الخدمة لينالوا المعاش وفقا للدرجة الصحيحة..!!
خبرة مافى ..!!
قام المراجع العام بالولاية- حسبما اشارت لذلك معلومات موثوق بها وكان بعض مصادرها من شهود العيان- بفتح تحقيق في الترقيات المشبوهة ولكن فرق المراجعة التابعة لديوان المراجع العام قابلتها بعض المعوقات في شئون الخدمة حيث يفترض ان يقوموا بعمليات فحص دقيق لملفات الخدمة، غير ان الاوامر الصارمة للمراجع العام- كما اكدت ذلك المصادر- فتحت الباب امام المراجعين ليتم الكشف عن حقائق مذهلة عن الترقيات المشبوهة في محليتين من ثماني محليات، وتشير توقعات المصادر ان المراجعين قد يواجهون صعوبات اكثر عند مراجعة الملفات في القطينة علي وجه الخصوص، والدويم ومحلية الجبلين ( سابقا)، ومن المرجح- حسب المصادر- ان نشر القضية في هذا التوقيت بالذات، والذي يتزامن مع عمل دؤوب للمراجع العام، قد يخفي ملفات كاملة بعد افسادها او حرقها، وهو سيناريو- كما اكدت المصادر- يبدو اقرب لأيّ احتمالات اخرى سيما بعد الفضائح التي كشف عنها في كوستي وحدها حيث تم ضبط اكثر من 20 حالة ترقي مشبوهة، في حين ذهبت بعض المصادر الى ان العدد الكلي بالولاية حتى اللحظة للحالات التي تم رصدها يبلغ اكثر من 180 حالة، كشف جلها ان التعليم بالولاية كانت تقوده مجموعة من غير ذوي الخبرة في العملية التعليمية..!!
السودانى
--------------------------------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
خبراء تصفية الشركات يحملون البنوك والشركات مسئولية التعثر في المصارف
الخرطوم / هالة حمزة
لاشك أن مشكلة التعثر المصرفي تشغل الآن بال البنك المركزي بشكل كبير خاصة وأن التعثر بلغ نسبا مضاعفة حيث سجل في السابق انخفاضا من 26 % الى 24 % الى 22 % وهي نسب رغم انخفاضها تدريجيا الا أنها تسجل ارتفاعا كبيرا مقارنة بالنسبة العالمية (6 %) ، ونظرا لتمدد الجهات المسئولة عن انتشار وتفشي ظاهرة التعثر من عملاء ومصارف وموظفين وعوامل أخرى داخلية وخارجية، السوداني تحدثت الى العديد من خبراء تصفية الشركات حول أثر تصفية الشركات على التعثر المصرفي ومدى اسهامها في المشكلة والذين قللوا من أثر التصفية على المصارف مشيرين الى سابقة واحدة في هذا الصدد (بنك الصفا) فيما أكد البعض الآخر تحمل الطرفين للمسئولية الكاملة للتعثر (البنوك والشركات).
وقال دهب حسنين ترست خبير التصفية للسوداني ـ أن من حسن الطالع أن البنوك التي تعرضت للتعثر نتيجة للتصفية في السودان هي بنك واحد (بنك الصفا) وذلك خلال الـ (50) عاما الماضية، مشيرا الى أن هذه نسبة مشرفة جدا للاقتصاد السوداني وللشركات السودانية وذلك بالمقارنة مع المصارف بالدول المجاورة والتي تأثر أغلبها بالافلاس والتصفيات وقد بلغت في ذلك ما يربو عن (المائة) بنك، الأمر الذي يدلل على أن تعثر الشركات في السودان لم يؤثركثيرا على تعثر البنوك بالرغم من أن هنالك بنوكا تتأثر فعلا من تصفية الشركات الا أن المسبب الرئيسي في ذلك هو البنوك نفسها وذلك لأنها تلجأ الى منح المرابحات والمشاركات من دون ضمانات كافية، فهي تتحمل مسئولية (90) % من مشكلة التعثر حيث تعمد الغالبية العظمى من البنوك الى ضمان معاملاتها عن طريق شيكات صادرة منها ويكون حساب المستلفين منها (صفرا) وهذه ليست مسئولية الشركة أو المواطن الذي استلف المبالغ من البنوك وأشهرت أو أشهر افلاسه.
ومن جهته أشار عبد الماجد الدغور خبير التصفية الى أن من الصعوبة بمكان تحميل المصارف أو أصحاب الشركات وحدها مسئولية التعثر فالمسئولية مشتركة وذلك لأن البنوك تمنح تسهيلات بضمانات وهمية أو ناقصة، فالعقار الذي يبلغ سعره مثلا (25) ألف جنيه يقوم البنك بتقييمه بـ (250) ألف جنيه رغبة في جني الأرباح ولا يمكن اخفاء رائحة الفساد في ذلك، كما أن البنوك تقوم باعطاء تسهيلات مصرفية بعقار مملوك على الشيوع وهذا يعتبر خطأً كبيراً اذ ليس من المفترض على البنوك قبول عقار مملوك على الشيوع وانما عليها أن تقبل بعقار مملوك ملكية كاملة لطالب التسهيلات المصرفية، مشيرا الى الأضرار الكبرى التي تخلفها قبول رهونات الشيوع على المصارف لما فيها من مخاطر واحتمالات برفض ملاك الشيوع الآخرين واعتراضهم على التسييل خاصة وأن العقار غير مفرز (عقار واحد يملكه الجميع)، داعيا البنوك الى التنبه لمثل هذه الممارسات باعتبار المسئولية الكاملة التي تتحملها خاصة وأنها تملك مؤسسات ورقابة وآليات لكبح جماح طمع بعض الأفراد، مؤكدا اعتراضه الشديد على فتح الباب أمام كل راغب في انشاء شركة وطرق التسجيل التي تتم بها من دون ضبط.
---------------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
الحساب ولد..!!
تحقيق: راشد أوشي
تقرير المراجع العام بالنيل الأبيض
المراجع العام: تضاعف حجم الاختلاسات حوالى أربع مرات خلال عامين
حذَّر تقرير المراجع العام بالنيل الابيض للاعوام 2003-2004-2005 الذي قدم مؤخرا للمجلس التشريعي بعد انتهاء عطلة الاعضاء،حذّر من ارتفاع نسبة الاعتداء علي المال العام بصورة بلغت مراحل لايمكن السكوت عليها بعد الآن، وناشد التقرير نواب المجلس إن يمارسوا دورهم في الرقابة علي الجهاز التنفيذي، بيد أن التراجع الذي حدث خلال العام 2005م في حالات الاعتداء علي المال العام قياسا بالمسترد من اموال يثير الاحباط حقا، التحقيق التالي هو حلقة ضمن حلقات تكشف عن فساد حقيقي يجري التعامل معه على انه من الامور العادية:
عقبال.. الاعتداءات الجديدة..!!
عقب نهاية كل عام مالي يختتم المراجع العام بالنيل الابيض تقريره لنواب المجلس التشريعي بالعبارة التالية: (والمراجعة تتقدم بتقريرها هذا عن الحساب الختامي للعام (كذا) تعلم الدور المتعاظم الذي يضطلع به مجلسكم الموقر بصفته التشريعية والرقابية من توجيه للاجهزة التنفيذية بالولاية باحكام تنفيذ ماتنص عليه القوانين واللوائح المالية بما يحمي ويصون المال العام).. انتهي، ولكن ذات (اللقطة الاخيرة) التي يختتم بها (سيناريو) الاعتداء علي المال العام تكون هي (اللقطة الاولي) لسيناريو اعتداءات جديدة كما أن العبارة تبدو كذلك جديدة علي مسامع نواب المجلس التشريعي الذين يبدو عليهم، ايضا، انهم كانوا في حالة (بيات رقابي) تمتد بطول هموم انسان الولاية وعرضها..!!
(هوجة).. في فنجان..!!
في 29 يونيو 2006 م ويومها كان المجلس التشريعي للولاية –كما اشار لذلك المراجع العام بالولاية عبد الله عثمان احمد في تقريره- في اجازة قدم المراجع تقريره للعام المالي 2004 ونسخة اخري للعام 2005م، حينها كان الوالي الدكتور محمد نور الله التجاني رئيس المجلس وقد ثار النواب في (هوجة) عنيفة ضد الفساد في الولاية ولكن تلك الهوجة سرعان ما هدأت واتضح إن الغرض منها لم يكن الفساد في حد ذاته ممثلا في الاشخاص الذين تورطوا فيه وانما الصراع االسياسي علي منصب الوالي الاسبق الذي بدا انه سيغادر قريبا- حسب احد مصادرنا - ويكشف تقرير المراجع العام أن جملة الاعتداء علي المال العام (الاختلاسات) للعام المالي 2004 بلغت دينار 53,597,065 بزيادة 400% عن اختلاسات العام 2003 التي كانت جملتها 13,292,432 دينار، واضاف التقرير: (تضاعف حجم الاختلاسات حوالي اربع مرات)، اذا لماذا (هوجة) النواب..!!
خالف.. تذكر..!!
المراجع العام بالولاية الذي يختتم تقريره كل عام بذات العبارة سالفة الذكر يبدو وكأنه قد مل تكرار (نصائحه) بعد أن بلغ حجم الاعتدءات مبلغا يمكن أن يندرج تحت مسمى (وصمة العار)، فقد اكد التقرير ارتفاع نسبة المخالفات المالية بين العام 2003- 2004م الي 150%، واشار الى أن جملة المخالفات المالية للعام 2003 بلغت 45,790,986 دينار في حين ارتفعت في 2004 الي 68,775،311 دينار، وبلغت جملة الاعتمادات المالية المصدقة للصرف علي فصول الميزانية الاربعة 14,3 مليار دينار بينما بلغ الصرف الفعلي لذات البنود 10,2 مليار دينار، واضاف التقرير: (ومقارنة بمصروفات العام 2004م بايراداته نجد أن هذا العام حقق عجزا بلغ 954 مليون دينار (9325 ,10,279)دينار يمثل نسبة 10% من الايرادات !
الحساب.. يوم الحساب..!!
مضى العام المالي 2003- 2004م بشره وقليل خيره، فالمواطن الذي اطلع علي تقرير المراجع العام في الصحف توقع أن يكون هناك حساب (دقيق) هذه المرة سيما أن بعض نواب المجلس سربوا معلومات عن اتجاه بدأ يتبلور داخل الحزب الحاكم بالولاية ويدعو صراحة لمحاربة الفساد، في وقت كانت معدلات الانفاق علي التنمية تشهد انخفاضا والفقر يتمدد بمقدار المشاريع الزراعية التي انهارت..!!
ابدأ.. عاجزا..!!
بلغت جملة الاعتمادات المصدقة للعام 2005م (23,325) دينار بينما بلغ الصرف الفعلي (15,388) دينار، وبمقارنة- كما اشار تقرير كانت المرتبات (الفصل الاول) تشكل هاجسا لاي حكومة وكان الموظفون بوحدة قلي الادارية قد بلغوا مبلغا خطيرا حين لم يتقاضوا رواتبهم لعشرين شهرا علي التوالي، وعموما كان الاتجاه العام بالولاية يشير لتغيير الوالي وقد اطاح تقرير المراجع العام حينها بالوالي الاسبق بعد فترة من تسريبه للصحف، غير أن حجم المال المسترد (حوالي 13%) يكشف عن أن موعد الحساب لم يحن بعد ولايظن انه سيكون قريبا حسبما في تقارير المراجع العام - مصروفات العام 2005م بايراداته نجد إن العام حقق عجزا بلغ (1,711) مليار دينار يمثل 12,5% من حجم الايرادات (13,677- 15,388)، ويشير التقرير في موضع متقدم (تقرير عام 2005) الي أن: (عدم واقعية تقدير الربط وذلك لعدم الاخذ في الاعتبار ماتم تحصيله فعلا في العام السابق أو الستة اشهر كمؤشر تبنى عليه تقديرات العام الجديد)، وذلك الخطأ الفادح الذي يتكرر كل عام يبدأ من وزارة المالية التي يفترض فيها ادارة القطاع الاقتصادي، واصبح من (السهل جدا) أن تعلن الوزارة انها (مفلسة) منذ بداية العام المالي (يكشف تقرير المراجع العام في موضع آخر حجم الديون علي وزارة المالية ونسبة تسديداتها الضعيفة)، وعادة ما تبدأ وزارة المالية عامها المالي بعجز مقدر..!!
كان يمكن.. تداركها..!!
رغم أن تقرير المراجع أشاد بجهود الولاية في قفل حساباتها في وقت مبكر- قياسا بالعام الماضي 2004 التي تكررت فيه بعض الاخطاء التي صاحبت قفل الحساب، الا ان التقرير اشار-الي انه كان يمكن (تدارك) اخطاء العام الماضي (يعني تكررت) لولا السباق المحموم بين الولايات الذي لم يأخذ في الاعتبار الوقت المسموح به قانونا لانجاز القفل)، واضاف التقرير: (وفي تقديرنا إن ذلك الوقت الذي حدد بثلاثة اشهر من انتهاء العام المالي لم يصفه (الشارع)- (هكذا جاءت العبارة بالتقرير ونظن إن المقصود منها (الشرع) من التشريع القانوني)- عبثا انما قصد من ورائه تجويد الاداء والعمل المتقن)، واكد التقرير إن الوقت حان للاهتمام بتجويد الاداء فقد اتسعت دائرة الانفاق العام وتضاعف حجم الموازانات من عام لآخر، وابان: (وبما أن الحسابات المقفولة تعتبر مصدراً من مصادر الموازنات فكان لزاما علينا تجويدها)، واضاف التقرير: (حتى تعبر الموازنات بصور ادق تعتمد علي بيانات سليمة ودقيقة وتنأى عن العشوائية والتخبط)..!!
شلعوها.. الولاية..!!
من المفاجآت التي حفل بها تقرير المراجع العام أن ولاية النيل تعتمد على الدعم الاتحادي بشقيه بنسبة بلغت 55% وحتى الايرادات الذاتية التي تمثل (فقط) 45% لايتم تحصيلها كاملة ودائما ما يكون العجز هو (السمة العامة) الوحيدة المشتركة بين كل الميزانيات، وقد اجيزت ميزانية العام المالي 2005م بعجز بلغ (550) مليون دينار من جملة الميزانية، وفي العام 2005م ارتفعت نسبة الاعتماد علي الدعم الاتحادي (التنموي والدعم الجاري) عن العام 2004م بنسبة بلغت 58%، واشار التقرير الي إن (موازانات حساب الدعم- الدعم الجاري) التي ظهرت في حساب وزارة المالية كانت بفارق قدره (395,95دينار لم يظهر) والذي ظهر في يناير 2006 أي بعد شهر، وفي حين ظهر الدعم التنموي والتزامات رئاسة الجمهورية –حسب جدول المراجع- في كشوفات المالية) ظهر بالمقابل فرق بلغ (29,940,132) دينار من جملة مبلغ الدعم الاضافي والاضافي الخاص واستيعاب الخريجين البالغ(1,419,164,094) دينار (عبارة عن دعم الخريجين مورد في ديسمبر ظهر في يناير 2006 بدفاتر المالية الولائية)، غير أن مايؤسف له في التقرير حقا- وذلك ماعبر عنه المراجع بشكل لطيف- إن ولاية تعادل مساحتها مساحة دولة الكويت تقريبا وغنية (جدا) بمواردها تستجدي المركز، وما لم يقله المراجع صراحة وهو يعيد تكرار نصائحها أن افضل حل هو أن (تُشلَّع الولاية) فذلك خير من بقائها عالة حتى علي انسانها..!!.
العدد رقم: 1027 2008-09-22
آخر الحساب
تحقيق راشد أوشي..
فى تقرير المراجع العام بالنيل الأبيض
الحركة الشعبية: الفساد بالولاية تجاوز كل حدود الممكن والمعقول ونحن مع العقاب الرادع
وزارة المالية لم تخلُ من المخالفات المالية وهي الوصي علي المال العام
افسحنا في الحلقات الثلاثة الماضية المجال واسعا لتقرير المراجع العام لان التقرير غطي الاعوام المالية (2003-2004-2005-2006م) وهي فترة ليست بالقليلة واضافة لذلك انها كشفت على أن الفساد المسكوت عنه لم يعد السكوت يجدي نفعا معه في ظل تدهور الخدمات وبطء تنفيذ مشاريع التنمية وارتفاع معدلات الفقر لحدود (مخيفة)، وفي هذه الحلقة التي يبدو انها لن تكون (الاخيرة) نستمع لراي الحركة الشعبية المشاركة بالمجلس التشريعي وطرحها لمحاربة الفساد وانتقادها للمسؤولين الذين يعوقون عمل المراجع العام بعدم الالتزام بـ(قفل) حساباتهم في الوقت المحدد، في ما يطالب احد نواب المؤتمر الوطني بمحاسبة الفاسدين ايا كان موقعهم ويصف تأثير الفساد على اقتصاديات الولاية بالـ(مدمر)، ومن جهة اخرى نعرض سريعا للاسباب التي حالت بيننا وبين مقابلة رئيس المجلس التشريعي وما حدث بشأن وزارة المالية (الحصن) الذي يجب علي الصحافة ألا تقترب منه الا(حين) يسمح لها.
الحركة.. تدين..!!
كان راي الحركة الشعبية علي لسان رئيس كتلتها البرلمانية بمجلس الولاية التشريعي الاستاذ الرشيد علي عمر المحامي واضحا في تنديده بالمستوى الذي وصل اليه الفساد ومؤيدا للمراجع العام الذي (كرر توصياته) بدون فائدة، وتساءل: (لماذا يتجاهل من تعنيهم التوصيات ما هو صحيح)؟، ويقول الاستاذ الرشيد إن غياب الشفافية والمحاسبة وعدم سيادة حكم القانون ادى لاستشراء الفساد في مفاصل الحكومة واقعدها عن النهوض بمهامها في تحقيق التنمية المستدامة وتقديم الخدمات، مشيرا الي انه كمحامي تولي العديد من قضايا الفساد بمحلية كوستي، مضيفا: (ذلك الشكل من الفساد لايضمن في تقرير المراجع العام لان الموضوع بينطفي غادي.. غادي)..!!
واحيانا.. جهارا نهارا..!!
عزا الاستاذ الرشيد علي عمر المحامي (الضمور) الذي اصاب الخدمة المدنية بالولاية للفساد الذي وصفه بانه: (تجاوز كل حدود الممكن والمعقول)، ويقول إن ما يؤسف له حقا إن الذين يمارسون الفساد (يحفزون) بالصمت علي جرائمهم لارتكاب المزيد منها ويؤكد: (القائمون علي الامر ينظرون للامور انطلاقا من مصالح حزبية ضيقة)، مضيفا نحن ضد الفساد ومع معاقبة المفسد مهما كان موقعه)، ورغم اشادته بما جاء بتقرير المراجع العام الا أن الاستاذ الرشيد يتحفظ علي التوقيت الذي قدم فيه التقرير للمجلس ويقول: (التقرير غطى الاعوام المالية 2003-2004-2005-2006م في حين قدم في النصف لاول للعام 2008م)، مشيرا الي إن المراجع العام يواجه بمصاعب (جمة) خاصة مع الوزراء الذين لايلتزمون بتقفيل حسابات وزاراتهم في الموعد المحدد، مؤكدا إن المخالفات المالية التي اشار اليها التقرير تشكل (مؤشراً خطيراً) وتدل علي الخلل الواضح في اداء بعض اعضاء الجهاز التنفيذي، ويقول الاستاذ الرشيد إن ما كشفه تقرير المراجع العام يمثل رأس (جبل الجليد) لفساد اصبح (منظما وقويا) وله (لوبيات) تديره من خلف الكواليس واحيانا (جهارا نهارا)..!!
وزارة المالية.. هي المسؤولة..!!
اكد رئيس اتحاد الرعاة بالنيل الابيض عضو المجلس التشريعي ابراهيم المساعد (مؤتمر وطني) إن وزارة المالية هي المسؤول الاول عن أي تصرف غير (قانوني) في المال العام بصفتها (الوصية) على المال العام، ويقول إن من ضمن ملاحظاته علي تقرير المراجع العام أن المالية لم تخلُ من المخالفات المالية في حين يفترض فيها أن تكون بعيدة عن كل هذا باعتبار انها التي تدير الشأن الاقتصادي والتنموي، مشيرا الي إن القطاع الرعوي هو أول القطاعات الاقتصادية المهمة التي يمكن إن تتعرض لهزات عنيفة (مدمرة) بسبب الفساد الذي يهدر المال الذي يفترض إن يسخر للنهوض بكافة القطاعات الاقتصادية المؤثرة (الرعوي والزراعي والصناعي)، ويقول ابراهيم المساعد إن تقرير المراجع العام كان شاملا ووافيا و(صريحاً جداً) مضيفا: (وبالتالي يجب تنفيذ توصياته بحذافيرها اذا كانت هناك رغبة حقيقية في محاربة الفساد)..!!
ولهذا السبب.. هم يعانون..!!
ويقول ابراهيم المساعد إن الولاية التي تشهد مشاريع تنموية واقبال المستثمرين عليها تحتاج أكثر ما تحتاج لـ(تصريف) سليم في شؤون المال (حدثت بعض (المشاكل) في مفوضية التنمية ادت لابعاد مديرها التنفيذي وسنفرد لهذا تحقيقاً آخر- المحرر) لاستغلال ما اسماه بالـ(فرصة الثمينة) للنهوض بالولاية من (وعثتها) الاقتصادية والتنموية، مؤكدا أن كثيراً من الاموال التي اهدرها الفساد خلال السنوات الماضية كانت كفيلة بحل كثير من مشاكل نقص الخدمات (الحاد) بأرياف الولاية، مضيفا: (اهلنا في الريف لايجدون الرعاية الصحية في حدودها الدنيا ويعانون كثيرا)، ويقول ابراهيم المساعد إن الحل لمعالجة قضايا الفساد التي (انهكت) الولاية كثيرا واضح، مضيفا: (لايهم من نحاسب وزيرا كان أم غفيرا، المهم إن نقطع دابر هذا الداء القاتل)..!!
وللأسف.. هكذا يتصارعون..!!
لم اتمكن من مقابلة بقية النواب عن احزابهم المشاركة في المجلس التشريعي ولكن حسب متابعات السوداني لمجريات عرض تقرير المراجع العام فان معظم اؤلئك النواب انتقدوا بشدة ما جاء في التقرير وحددوا موقفهم منه ولكن نظرا للمسترد من مال عام (13% في 2005) فان تلك الانتقادات لن تتجاوز –باي حال- حدود قاعة المجلس (بعيداً) لان أي اتجاه لمحاربة الفساد في الوقت الراهن – حسب احد نواب المؤتمر الوطني الذي فضل حجب اسمه- لن يكون في صالح الحزب سيما أن الانتخابات علي الابواب وسيفقد الحزب كثيرا، ويقول مصدري إن الشئ المؤسف إن قضايا الفساد لاتظهر علي السطح الا في (اطار ضيق) ولتحقيق اهداف محدودة في ظل الصراع القائم داخل الحزب علي المناصب، ويضيف المصدر الذي اكتفى بما قال: (ولكن مايحمد لهذا المجلس الذي تشارك فيه الحركة واحزاب حكومة الوحدة الوطنية كان صوته واضحا وهذا وتلك محمدة علي الأقل) ، بالمقابل لم اتمكن قط من مقابلة رئيس المجلس التشريعي مهدي الطيب ولانظن إن هناك داعياً لشرح كيف اننا لم نتمكن من مقابلته لان رواية (هذا الشئ) أصبحت مملة لنا وللقراء..!!
لن تكون.. الأخيرة..!!
لن تكون هذه الحلقة الاخيرة بكل تاكيد فثورة الغضب التي ثارت داخل اروقة وزارة المالية والمعلومات التي بدأت تتدفق بلا(خوف) عن شركة بحر ابيض والكيفية التي بيعت بها ، بالاضافة لمعلومات ومستندات اخرى – تخص قضايا اخرى استعرضها التقرير- ليس هذا مجال تناولها، ولكن ما يهمنا هنا اننا لسنا ضد مدير مكتب وزير المالية (عبد الوهاب) الذي ظل يعدنا منذ أكثر من عام ونصف سواء بمقابلة الوزير الاسبق الذي علمنا من مصادرنا انه لم يكن يرفض مقابلتنا، ولكن (تقديرات) مدير المكتب ذهبت الي اننا سنسبب (ازعاجا) – كيف توصل لهذا التحليل- للوزير الحالي الذي لايرغب في التعامل الا مع (صنف) محدد من الصحافة، علما بان تقرير المراجع العام هو الذي كشف عن الفساد والمخالفات المالية بوزارة المالية وليس نحن كما أن من هاجم المالية هم المواطنون ونواب المجلس التشريعي، ولعل لا عبد الوهاب ولا وزير المالية المهندس علي آدم عليان يستطيعان الادعاء باني (اكذب أو اتجمل) لان عدد المكالمات -99% لايتم الرد عليها- والرسائل التي ارسلتها سواء لعبد الوهاب أو للوزير اطلب مقابلته، لان هذا اثباته سهل للـ(غاية)، وعموما لا تهمنا الا الحقيقة في المقام الاول والاخير وان يعرف الرأي العام هذه الحقيقة لانها ليست حكرا لوزارة المالية، اما (صغائر الأمور) التي يروج لها انها غرضنا من التحقيق فهي (ليها ناسا) ولا اظن لا المراجع العام ولا انا ولا المواطن المكتوي بنار الفساد يمكن أن نكون من النوع الذي لاينظر للامور الا من زاوية صيقة
----------------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
في أول حديث له للصحف بعد رفض المالية لتجديد تعاقده: (1-2)
حاوره: عبد الوهاب نايل- هالة حمزة
المدير العام لديوان الحسابات لـ(السوداني): الوزارة رفضت التجديد لخلافي مع وكيلها حول تطبيق نظام (G-F-S) ولبعض القضايا الجوهرية
د.محمد الفتح بك: لجوء الوكيل للصندوق القومي للموارد (لفك زنقة المالية) فيه خرق لاتفاقية السلام
الجو غير معافى بالمالية لهذه الأسباب!! وأي اتجاه لتحجيم الديوان انتكاسة في مصداقية وشفافية الدولة
د.البك : أتوقع فشل مهمة الخبير المغربي لجهله بالنظام المالي بالسودان
حوار مع د. محمد الفتح بك المدير العام لديوان الحسابات القومية
أولت الدولة اهتماماً رسمياً كبيراً بتطوير النظام المالي وتقوية الدور الرقابي عليه.. وقد لجأت تحقيقاً لذلك إلى إعداد نظام مالي جديد يعتمد على الحوسبة في إعداد البيانات والاحصاءات المالية في الموازنات العامة للدولة والنأي بها عن التقليدية المخلة.. وهو نظام احصاءات مالية الحكومة (G-F-S).. فكان النظام.. وبدأ التطبيق على يد الخبير الأوحد في المجال بالسودان.. د.محمد الفتح بك المدير العام لديوان الحسابات قبل القرار الأخير من وزير المالية بانهاء فترة تعاقده بالديوان.
ويمثل د.البك أنموذجاً حياً لاقصاء الدولة لخبراتها الوطنية، والاعتماد بشكل كلي على كل ماهو أجنبي ويطلق عليه (خبير).
(السوداني) جلست مع د.البك مستجلية تداعيات قرار الاقصاء وقراءته لمستقبل تطبيق النظام ومدى امكانية نجاح من تستعين به الدولة من الخبراء الأجانب في تطبيقه، فالى مضابط الحوار:-
د.البك.. ماهي تداعيات رفض وزير المالية لتجديد فترة تعاقدك لتولي رئاسة الديوان.. وأثر ذلك على تطبيق نظام احصاءات مالية الحكومة باعتبارك الخبير الأكبر في المجال؟
في الحقيقة سأبدأ حديثي أولاً عن نظام احصاءات مالية الحكومة أو الـ(G-F-S) فهو نظام يمكن كل الجهات من الافصاح المالي وهو نظام في صالح الدولة وليس ضدها، ويمكن من تحسين صورتها في الخارج لا سيما وان هنالك الآن الكثير من الحديث حول الفساد والذي لا يمكن الرد عليه بخطابات وانما ببيانات منشورة تمكن الأجهزة الرقابية من الاطلاع عليها بما فيها الصحافة والمواطنين وقد كنا نعد العدة لإجراء تدريب كامل للمحاسبين وبدأنا بالفعل في إجراء الاتصالات بالولايات لهذا الغرض وذلك ينصب كله في سبيل إنفاذ قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2007 والذي يلزم الجهات المختصة بتطبيق النظام والذي يواجه تطبيقه مشاكل كثيرة منها ضرورة إعادة هيكلة وزارة المالية بشكل عام حتى تتمكن من مواكبة هذا العمل.
أما الشق الأول من السؤال فإنني تلقيت خطاباً رسمياً من د.الجاز وزير المالية يفيد بعدم تجديد عقد عملي بالديوان لفترة أخرى وذلك بعد انتهاء فترته في 30 يونيو 2008 الماضي، وخطاب شكر وعرفان آخر منه لإرسائي قواعد النظام المالي والمحاسبي للوزارة حسب نص الخطاب.
ولكن لماذا رفض الوزير تجديد التعاقد؟
السبب في ذلك هو ان تطبيق نظام الـ(G-F-S) جعلنا في حالة صراع دائم مع المسؤولين بوزارة المالية على رأسهم وكيل الوزارة الحالي ومجموعة من الإدارات العامة بالوزارة، وقد بدأنا نواجه مناكفة شديدة في تطبيق النظام، والذي يسجل عملية افصاح كبيرة، فهو يأخذ إدارات كثيرة في المالية ويحولها إلى إدارات أخرى ويتطلب إعادة هيكلة الوزارة كما ذكرت لكم في السابق.
إذن الوكيل هو السبب في رفض التجديد؟
نعم فالوكيل قد تعمد هذا الصراع كما انه هو أول من أعلن عن رفض الوزارة لتجديد التعاقد معي وقد ذكر ذلك في أحد اجتماعاته مع مديري الإدارات بالوزارة، ولقد سمعته يقول بأن هنالك احتمالاً كبيراً بعدم تجديد تعاقده ولذلك كان من الصعب الاستمرار في ظل استفحال الصراع بيننا.
تبعية الديوان:
بماذا تصنف يا دكتور هذا الصراع هل هو شخصي أم انه في نطاق العمل؟
أنا افتكر ان الصراع بيني ووكيل وزارة المالية ليس شخصياً وانما هو صراع ناتج عن أشياء محددة وهي اصرارنا الشديد على تطبيق نظام احصاءات مالية الحكومة بالشكل الذي قدمناه به، في العمل بالوزارة، كما اننا نختلف كذلك حول تبعية ديوان الحسابات وهل يظل جهازاً قائماً بذاته ويتبع لوزير المالية أم يتم تقليصه إلى إدارة - كما كان في السباق- ضمن إدارات الوزارة، هذا عدا الصراع بسبب رفضنا القاطع للعودة إلى الوراء في الأورقة والحوسبة والخلاف العلمي الحاد في الطرح، لأنك أحياناً قد لا تقبل برأي إنسان غير متخصص إذا كنت أنت متخصصاً في مجال معين، ونحن نحترم الاختلاف حول موضوع ما، إذا كان من يخالفنا في الرأي على درجة علمية متساوية (مشاركاً في ذات التخصص) ولكن انعدام ذلك سيؤدي حتماً إلى حدوث مشاكل كثيرة، وربما نصر على رأينا على الأقل ونرفض التعامل مع شخص نشعر بأنه يسعى إلى عرقلة العمل.
زنقة الوكيل:
وقال د.البك مواصلاً حديثه ومن أسباب الصراع كذلك هو اصراري الكبير على تطبيق كافة بنود اتفاقية السلام كما وردت، وقد كان لدي رأي واضح حول الصندوق القومي للموارد والإيرادات بحكم تطبيقي للنظام في الموازنات الأخيرة وقد كان الوكيل يلجأ كثيراً إلى عمل أشياء لا تتماشى مع اتفاقية السلام وعندي خطابات من الوكيل تسلمتها من المفوضية القومية للإيرادات بمجموعة أشياء!! مما أدى إلى المزيد من الصراع المشترك، وقال مرات الوكيل يكون (مزنوق) في مبالغ ويحصل عليها من الصندوق القومي للإيرادات ونحن ضد ذلك وضد تبعية الصندوق لوزارة المالية، لأن الصندوق جهة محايدة ويفترض ان يظل كذلك وفقاً لما جاء في الاتفاقية، ولكن الوكيل يرى خلاف ما نراه نحن وقال نحن ننادي باستمرار بعدم تبعية الصندوق للوكيل أصلاً.. ومن المفترض ان يكون خارج وزارة المالية (في موقع منفصل) بعيداً عن تدخل الوكيل، لأنه بذلك يدير أموال مستويات الحكم وهذه واحدة من الخلافات.
دور اشرافي:
ماهو دور وزارة المالية إذن في الصندوق؟
دور وزارة المالية هو توفير المعلومة وجلب الإيرادات وليس التدخل في الأنصبة فهي تشرف على الصندوق بحكم ولايتها على المال العام، ولكن لا يجب ان يكون لها دور في التنفيذ.
------------ ؟
اعترف بأن الجو غير معافى بوزارة المالية بسبب مسألة تطبيق النظام، من عدمه ولكن الحق يقال بأنه نظام وجد الدعم الكبير من الجهات الرسمية بالدولة ممثلة في المجلس الوطني والذي أرسل لي تهنئة خاصة بمناسبة مشاركتي كمحاضر ومشارك في السمنار والقمة التي عقدت بلندن حول النظام كما حظي كذلك بدعم مجلس الوزراء، ووزير المالية السابق الزبير أحمد الحسن، ومن وزير الدولة السابق د.أحمد المجذوب، وقد بدأ الإعداد للعمل بالنظام في عهد وزيرة الدولة السابقة بالمالية عايدة يحيى المهدي وكذلك د.لوال دينق وقد وجد الدعم من كل القائمين على أمر الوزارة ووكيل المالية السابق الشيخ المك.
وماذا يريد الوكيل.. إلغاء العمل بالنظام؟ أم ماذا؟
يرى الوكيل د.أبو قناية منذ أول يوم من توليه وكالة وزارة المالية ان هذا العمل يحتاج إلى وقت طويل لتطبيقه، مما افرز جواً غير معافى حقيقة وعندما يكون الجو غير معافى بين شخصيتين قياديتين بالوزارة، فإن ذلك يقود الى صراع علني وقد كان، إلا انه تم حسمه من قبل الوزير والذي رأى حسب تقييمه بأن أذهب أنا ويبقى العمل، ولكنني أقول بأن العمل بالنظام سيستمر من دون توقف.
ورطة
ولكن إلا ترى استحالة استمرار النظام بعد اقصائك عن الوزارة باعتبارك الخبير الأوحد في المجال بالسودان.. ألا ترى في ذلك دوافع خفية لإلغاء النظام؟
أريد ان اؤكد شيئاً مهماً .. انه ليس هناك اتجاه من الدولة ولن يكون هناك اتجاه لإلغاء العمل بالنظام أو التخلي عنه وهذه ورطة لأن قانون الإجراءات المالية والمحاسبية أكد في إحدى مواده المعدلة في شهر 12/2008 على تطبيق الحكومة القومية لنظام (G-F-S) وان تستند الولايات على ذلك، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان الرجوع عن النظام لأن ذلك سيخلق مشاكل عديدة ومتشعبة.
عوداً إلى بدء، د.محمد الفتح بك هل تلقيت أي اتصالات رسمية من وزارة المالية بعد ذهابك؟
لا نهائياً، وقد كنت حريصاً على الذهاب بعد تسلمي لخطاب الوزير وقد كان من الممكن ان ابقى بالوزارة إذا كان انهاء تعاقدي تم لسبب آخر وليس بسبب الصراع الموجود بيني ووكيل المالية وكان من الضروري ان أغادر الوزارة منعاً لتأجيج الصراع.
طريقة التعيينات للمناصب القيادية بالديوان كيف تتم ومن هي الجهة المسؤولة عن ذلك؟
منصب المدير العام لديوان الحسابات هو وظيفة قيادية وأية وظيفة بهذا المستوى يتم التعيين لها بواسطة مجلس الوزراء أو بمعرفة وموافقة منه لأنها وظيفة بدرجة وكيل.
على هذا الأساس هل تم اخطار مجلس الوزراء بقرار انهاء التعاقد؟
يفترض ان يكون هنالك تنسيق قد تم مع مجلس الوزراء حول ذلك أو ابداء موافقته عليه، غير انني أشك في ان القرار تم إتخاذه داخلياً (داخل الوزارة).
د.البك.. هل تشتم رائحة أغراض خاصة من قرار انهاء التعاقد؟
والله الأغراض (إلا تكون شيئ في إطار الموظفين بالوزارة)، وأنا في رأيي ان الدولة من المفترض ان تدعم خطوطها الدفاعية لأن لديها من المشاكل ما يكفيها.
هل ثمة مهددات محتملة قد تنشأ عن تطبيق النظام بداخل الوزارة؟
لا ليست هنالك مهددات بالمعنى المفهوم وانما يمكن القول بأن العاملين في مراكز القرار بالوزارة يشعرون بأن النظام سيهدد وجودهم وبقائهم بالوزارة وفي مراكز السلطة بها، وذلك لأن أغلبهم غير متخصصين في الاقتصاد أو المالية، بل ان هنالك من يملك تخصصاً في الزراعة، والجغرافيا والآداب ولعل الوكيل بحاجة إلى وقت طويل لفهم النظام والعمل به لأنه نظام معقد جداً، ويمتلك خاصية كبيرة من الصعوبة التمكن من التعاطي معه بشكل سريع.
ماهي قراءتك لشكل التعامل والتعاون المستقبلي بينك ووزارة المالية لإنجاح النظام؟
أنا أخبرت د.الجاز بإنني على استعداد للعمل بالوزارة في إدارة يراها هو لأجل بقائي لإكمال النظام الموجود، وقد أبدى موافقته على ذلك، وقال لي بأن انهاء التعاقد ليس أمراً مهماً، ولا يجب ان يعني النهاية لعلاقتي بالوزارة، وقد عكس لي الوزير رضائه التام عن أدائي بالديوان طيلة فترة عملي به والتي امتدت لأربعة أعوام وان ذهابي تم حسماً للخلافات التي نشبت.
انعدام تنسيق:
هل أنت راضٍ عن طبيعة العمل في الوزارة وماهو تقييمكم لتقرير الأداء ربع السنوي للموازنة؟
هناك تضارب كبير وانعدام تنسيق فعندما يطلب الوزير من احدى الإدارات بالوزارة إعداد تقرير معين فإنه يتلقى تقريرين متضاربين من نفس الإدارة، وهذا ان دل على شئ فإنما يدل على انعدام التنسيق ولكن ذلك سينتهي تماماً بتطبيق النظام والذي يحقق الدقة والافصاح المطلوبين بالوزارة اما فيما يختص بتقرير الأداء ربع السنوي للموازنة فقد كان لنا بمثابة المشكلة الأولى مع الوزارة وذلك لأن الوزارة لم تتبع في إعداده نظام الـ(G-F-S) وانما لجأت إلى الطريقة التقليدية في إعداد الموازنات السابقة حيث تم إعداده يدوياً وتصنيفه خارجياً، وقد أعلنت احتجاجي الشديد على ذلك لأن النظام الجديد موجود وبحاجة إلى تطبيق ولعل خطورة هذا النظام تكمن في انه لا يرتبط أصلاً بالبشر وانما بالحوسبة وبالتالي فإن حوسبة الأنظمة ستمنع التدخل البشري في المسائل المالية.
دعم رئاسي:
هل تنبئ المعطيات الأخيرة – برأيك- بتحركات غير مرئية- لتحجيم سلطة الديوان؟
نعم- هنالك تنبؤات من قبل المحاسبين وغيرهم بحدوث ذلك وان يتم تقليص الديوان إلى إدارة عامة كما هو الحال في السابق في عهد المدير العام رحمة الله عبد القادر وقد دعمت الدولة ممثلة في الرئيس بعد مجيئنا إلى الديوان الاتجاه إلى تحويل الديوان إلى ديوان الحسابات القومية وذلك بموجب القرار رقم (195) لسنة 2005 وذلك لأن الرئيس شعر بأهمية تقوية الديوان، وقد أصدر قرارات أخرى بحماية المحاسبين والإداريين، ولقد تلقينا تقريراً من صندوق النقد الدولي قبل حوالي شهر من الآن (لا يزال بحوزتي) وقد أوضح ضرورة تطوير ديوان الحسابات وان يتم تحويله من ديوان للحسابات إلى ديوان خزانة حتى يستطيع ان يؤدي عمله على الوجه الأكمل، وان تتبع إليه إدارة التدفقات النقدية بالوزارة ولكن تصطدم هذه الآراء بالمشاكل التقليدية الموجودة بالوزارة.
ما مدى تأهيل العاملين بالإدارات المالية بمؤسسات الدولة؟
مسألة التأهيل من أكبر المعضلات حيث ان أغلب العاملين والمدراء الماليين والموظفين بالإدارات المالية غير متخصصين في المجال، ولقد ظللت أنادي بقوة بضرورة ان يتم تعيين مدراء ماليين وموظفين متخصصين ودارسين للمحاسبة والاقتصاد والمالية، ولكن هنالك بؤر فيها مراكز قوة في الدولة فالكهرباء مثلاً معظم المديرين الماليين بها هم مهندسو كهرباء وعندما تحدثت عن ذلك، برزت وتكتلت آراء عديدة مناهضة لي ولنظام الـ(G-F-S) حيث يرى العديد من الموظفين بالدولة بأن هذا النظام سيفرض ضغوطاً جديدة على المؤسسات والشركات.
ماهي سلبيات الأنظمة المالية السابقة قبل الـ(G-F-S)؟
ان النظام المالي السابق يشتمل على الكثير من الأخطاء وهي أخطاء موروثة منذ العام 1956 وهو نظام مالي لا يصلح لإعداد البيانات والشاهد على ذلك ان كل الموازنات التقليدية السابقة لا تسجل كل ماهو غير نقدي فكل القروض التي تتحصل عليها الدولة وكل المتأخرات غير مسجلة، وكذلك أصول الدولة بأنواعها المختلفة غير محصورة وغير مسجلة مثل العربات والكباري والطائرات والأراضي (عليكم ان تتخيلوا ذلك)، مما اضطر ضرورة إعداد نظام لاحصاءات مالية الحكومة لحل كل هذه المشاكل ولقد بدأنا العمل في حصر الأصول عبر لجان قومية لحصر وتقييم ممتلكات الدولة ومعرفة حجمها، ووضعنا خطة لتنفيذ ذلك، وان تتوفر للدولة بمطلع العام 2010 معلومات كاملة حول أصولها وحقوقها، وديونها الخارجية، إذ ان الدولة لم تتمكن حتى الآن من معرفة حجم ديونها الخارجية.
هل تمت اتصالات بينكم وحكومة الجنوب فيما يتعلق بالنظام الآن؟
تلقيت اتصالات بالفعل من الشركة المنفذة للنظام، بحكومة الجنوب، وقد طلبت مني الاشراف على النظام وتطبيقه، وهذه ورطة لأننا نتحدث عن وحدة السودان، والسودان يشتمل على أربع مؤسسات للحكم، هي الحكومة القومية والتي تمثل الحكومة المركزية، وحكومة الولايات في الشمالية وحكومة الجنوب وهذه الأخيرة أقرب إلى الحكومة الاقليمية لأن بها مجلس وزراء ورئيس وولايات ومحليات، وقد ألزم الدستور الانتقالي كافة مستويات الحكم بأن تتبنى أعمالاً مشتركة، فإذا قام أي مستوى مثلاً بتطبيق وتبني أي عمل ما.. فإن على باقي المستويات تبنيه وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى استحالة إعداد موازنات شاملة وسيحدث خلط بين بيانات مطبقة بنظام الـ(G-F-S) وأخرى مطبقة بالنظام التقليدي في الموازنة الواحدة.
ماذا عن تطبيق النظام في الولايات؟
الآن هنالك اتفاق مع والي النيل الازرق مالك عقار على تدريب كوادر من الولاية على النظام وبالفعل قمت بتدريب من قام بإرساله لذلك، كما تلقيت اتصالات مماثلة من ولاية نهر النيل، وأخرى لتدريب مساعدين للخبراء كما تلقيت تقارير مكتوبة تؤكد نجاح التجربة السودانية في النظام باعتبارها التجربة الأولى في الدول العربية والافريقية والثانية في العالم بعد استراليا في الشفافية وقد كتبت السفارة السودانية بواشنطن تقارير كثيرة للوزارة تؤكد الاشادة بالتجربة وعكست صورة السودان واهتمامه بالافصاح المالي في المحافل الدولية.
علمنا باعتراض د.لوال دينق وزير الدولة بالمالية على عدم ابلاغه بقرار انهاء تعاقدك باعتباره شريكاً في الحكم، فما مدى صحة ذلك؟
أنا لم اسمع بذلك من د.لوال، ولكن ربما يكون قد حدث ذلك، ولكنني اراهن على ان الدولة والوزارة ستصححان الوضع بشكل أو بآخر حفاظاً على استمرارية النظام، كما اتوقع ان تعي وتتفهم الدور الكبير الذي يقدمه ديوان الحسابات وذلك لأنه ليس من مصلحة الدولة اضعاف الأجهزة الرقابية المالية، وإلا فإنها ستثبت بذلك ما يقال عنها، كما يجب عليها ألا تقلص الديوان إلى إدارة لأن سيؤدي إلى حدوث انتكاسة كبرى في مصداقيتها وشفافيتها وتهزم قرارات المجلس الوطني ومجلس الوزراء وقرارات الرئاسة بقومية الديوان.
خبير أجنبي
برأيك كيف ستنفذ الدولة النظام بعد ذهابك.. وهل ستلجأ إلى خبراء أجانب في ظل اقصائها لخبراء وطنيين؟
لقد لجأت الدولة بالفعل إلى خبير مغربي لتطبيق نظام الـ(G-F-S)، وهو يملك خبرة في التصنيف المالي فقط ولكنه لا يملك خبرة عن النظام المالي في السودان، إذ ان إعداد الموازنة بالسودان لها تركيبتها الخاصة، وقد اجتهدنا انا والخبير المقيم (د.وابل) سنة كاملة لإنفاذ اتفاقية السلام وتطبيقها وفقاً لنظام الـ(G-F-S) وبالتالي فمن الصعوبة بمكان ان يتمكن أي شخص أو خبير من الخارج أن ينفذ ذلك.
---------------------------------------------------------------------------
لعدد رقم: 1027 2008-09-22
انتقاد حاد للبنك المركزي
الخرطوم: هالة حمزة
خبراء بالقطاع المصرفي يحملون بنك السودان الجزء الأكبر في تفاقم التعثر بالبنوك التجارية
أثارت الانتقادات الحادة التي وجهها محافظ بنك السودان المركزي د.صابر محمد الحسن للمصارف مؤخراً بأنها المسبب الرئيسي في تصاعد مشاكل الديون المتعثرة بالمصارف وذلك لتقاعسها عن تطبيق توجيهات المركزي فيما يلي الالتزام بمعايير الشافية والإفصاح المالي وإدارة المخاطر، وعدم الالتزام بمعرفة العميل (أعرف عميلك) وتوجيه التمويل للعلاقات الشخصية، اثارت حفيظة العديد من الخبراء والعاملين بالقطاع المصرفي الذين انتقدوا بدورهم البنك المركزي وحملوه الجزء الأكبر من مسؤولية تفاقم مشاكل التعثر، وذلك من خلال توجيهاته الخاطئة للبنوك بالدخول في محافظ خاسرة اسهمت في استمرار وتزايد التعثر بها.
وقال مصدر مصرفي رفيع لـ(السوداني) في تعليق على الانتقادات المذكورة ان البنك المركزي يملك أذرعا في البنوك ممثلة في مسؤول الالتزام والمراقب الميداني وأتيام التفتيش المستمرة في كل بنك على حدة، وزاد متسائلا: لماذا لا يتدارك المركزي مشاكل التعثر من خلال موظيفه قبل استفحالها؟ وكان من الأجدر ان يتم تفعيل مسؤول الالتزام والمراقب الميداني بدلاً عن توجيه الانتقادات للبنوك.
وأشار المصدر إلى التزام البنوك بمعايير الشفافية والإفصاح في تعاملاتها المالية، والشاهد على ذلك تقديمها تقارير شهرية للبنك المركزي بتفاصيل العمليات التي تمولها البنوك بما فيها العمليات المتعثرة، كما انها تحتوي على أدق التفاصيل المصرفية، وذلك لأنها لا تستطيع اخفاء أي معلومة عن المركزي بسبب التقارير اليدوية والإلكترونية والتي ستكشف للبنك المركزي كل الحقائق.
وأبان المصدر ان البنك اسهم في تعثر المصارف بسبب بعض التوجيهات التي اصدرها للبنوك بالاشتراك في عدد من المحافظ الخاسرة والتي لا عائد منها على البنوك مثل محافظ الهدى والزراعة والإسكان الاقتصادي والتمويل الأصغر، حيث إنها تمثل في مجملها تمويلات متعثرة، كما ان سياسته نحو دعم قطاع النقل أدت إلى اغراق هذا القطاع، وزيادة تعثر المصارف، وأضاف المصدر ان البنوك تلتزم أكثر بالشفافية في ابراز التعثر أكثر من التزامها بالشفافية في جانب منح التمويل، مشيراً إلى ان من أسباب التعثر في المصارف كذلك عدم تفعيل الضبط المؤسسي بها من قبل أعضاء مجلس الإدارة والتدخلات السياسية التي زادت من حجم المشكلة خاصة في الأعوام الأولى من عمر الإنقاذ.
وفي ذات المنحى أبدى كمال الزبير، المدير العام لبنك المال المتحد، رؤية مغايرة لما ورد على لسان مصدر (السوداني) وذلك بتحميله البنوك المسؤولية في عدم اهتمامها بدراسة اوضاع العملاء بشكل جيد واعتمادهم على المظاهر الخارجية لهم مما يؤدي إلى منح التمويل لجهات غير مؤهلة. ووجه الزبير في المقابل انتقادات للعملاء ووصفهم بعدم الشفافية والإفصاح في تعاملهم مع البنوك، وقال ان أكثر العملاء يلجأون إلى منح البنوك ميزانيات مختلفة عن التي يقدمونها للضرائب وغيرها، مشيراً إلى ان البنوك ملزمة بقانون البنك المركزي بالإفصاح والشفافية، وطالب مدير بنك المال البنوك والعملاء بإصلاح سلوكياتهم وأساليبهم في التعامل المشترك بينهم لتقليل التعثر وتحقيق التنمية المنشودة في القطاع المصرفي والاقتصادي.
فيما أيد مصدر مصرفي آخر موقف محافظ البنك المركزي في انتقاداته للمصارف، وقال لـ(السوداني) ان البنك المركزي يرى عيوب المصارف ما لا يراها غيره، ويدرك كذلك مدى التزامها بالضوابط التي يصدرها من عدمه، ودعا المصدر البنوك بالالتزام بضوابط (أعرف عميلك) وضوابط الائتمان للحد من مشاكل التعثر في استرداد التمويل.
يذكر ان البنك المركزي أشار في أحد منشوراته السابقة إلى ان البنوك رغم التزامها إلى حد كبير بمتطلبات العرض في ميزانياتها إلا أنها لم تلتزم بمتطلبات الإفصاح، والذي يتيح للمساهمين والمودعين الارتباط المباشر بإدارة ومتابعة عمليات المصرف وتدعيم دور السوق ودور البنك في إدارة المخاطر المتعلقة بعمليات البنك وموقف البنك المالي ولكل ما من شأنه ان يؤثر على استثماراتهم.
--------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
تجفيف مصادر الفساد.. كيف؟! اقتصاديون ومحاسبون: معالجة الأسباب بصورة عملية لا تسكينية مفتاح التجفيف
تقرير: أنور شمبال
يمثّل عدم الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات (تنفيذية، تشريعية، وقضائية) أقوى الأسباب لتفشي ظاهرة الفساد في البلاد بجانب ضعف الدخول وانحسار خدمات المرافق العامة وغياب قواعد للعمل ومراشد للأداء، وحرية للإعلام. ويؤكد خبراء اقتصاديون وقانونيون ومراجعون أن معالجة الظاهرة واقتلاعها يكمن في معالجة الأسباب بصورة عملية لا تسكينية -في إشارة إلى تقارير عبدالله مارن المراجع العام- باتت مكررة تعكس ذات الممارسات ولم تغيِّر شيئاً رغم التوصات التي يقدمها المجلس للوحدات التنفيذية بجانب قرارات البرلمان. إلى وقت قريب لا يعرف المجتمع السوداني هذه الممارسات المشينة وان الهمبتة والسرقة في بيوت بعينها ويتحاشاها الناس، فما الذي سرى في أخلاق أهل السودان؟ ومن هو المسؤول عن هذا التحول؟ وهل هناك إمكانية ترميم هذه القيم بعد أن صار العالم قرية صغيرة؟! قال تعالى في سورة [الروم: 41] (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
هروب رأس المال
يعتقد الشيخ محمد المك وكيل وزارة المالية السابق أن ما يذوقه الناس من الظاهرة التي استشرت بصورة واضحة؛ خلخلت القيم الاخلاقية واصابت الناس بالاحباط واللامبالاة، وعدم احترام المهنية في العمل. وقال لـ(السوداني) ان الامر لا يتوقف الى هذا الحد ويتمدد هروب رأس المال، وهدر الموارد، وتفشي الصراعات "وما أحداث الهجوم على ام درمان ببعيد عن ذلك"، والفشل في حذب الاستثمارات الاجنبية، مشددا على أهمية التركيز على المعالجة الاجتماعية وزرع القيم الاخلاقية.
وذكر في ورقة عن (دور الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد بالسودان) أن الحسم والجدية في تنفيذ الموازنة وفق البرامج المجدولة زمانياً مكانياً هو السبيل للحد من الظاهرة، مؤكداً أهمية الالتزام بالمصداقية والشفافية والانتظام في اعداد التقارير الدورية لأداء الموازنة، على مستويات الحكم كافة وارسالها للأجهزة التشريعية لكل مستوى.
اختلال
يرى المحاسب القانوني عوض حاج علي الأمين العام لمجلس تنظيم مهنة المحاسبة والمراجعة أن المعالجة تكمن في اجتثاث مصادر الفساد إلا أنه عاد وتساءل ما هو المصدر. وقال لـ(السوداني) إن ديننا وأخلاقنا وعاداتنا تنبذ السرقة والاختلاس وأكل أموال الناس بالباطل، مشيراً الى ان الاسرة السودانية الى وقت قريب تمحص عن أموال من يخطب بنتهم وسلوكه أما الآن فالأمر اختل ومن يملك المال هو سيد الناس.
فيما يرى المحاسب القانوني حبسو محمد الطيب (حسبو وشركاؤه) أن الوقت غير مناسب للحديث عن الفساد لاعتقادة ان ما تعرَّضت له مدينة ام درمان من هجوم جريمة كبرى يجب التفرغ لها والحديث عنها وليس الحديث على الفساد. وأوضح لـ(السوداني) أن الذي حدث له تأثيره البالغ على النشاط الاقتصادي وعلى ظاهرة الفساد نفسها، مبدياً أمله في تضامن كل القوى السياسية والتراضي من أجل سودان آمن مستقر.
كشف المستور
ووضع كرم الله عباس الشيخ رئيس المجلس التشريعي بولاية القضارف (المعفي) رئيس اتحاد مزارعي السودان السابق نموذجاً حيّاً لواحد من أساليب الفساد الذي استشرى في البلاد حينما قال وهو يدافع عن موقفه أن خلافه مع والي الولاية عبدالرحمن الخضر (المقال) هو وجود شبهة فساد في تنفيذ مشروعات تنموية بتكلفة أربعة مليارات جنيه قديم عبر تاجر واحد، مبيناً انه حينما دخلت القضية المجلس التشريعي للمراجعة والمقارنة بين أسعار التجزئة بالولاية واسعار التاجر تكشف أن البون شاسع والمفارقة غريبة في الأسعار وتبين أن التكلفة الحقيقية مليار واحد فقط. يتبين من حديث كرم ومن الشواهد السابقة أن المسؤولين بالحكومة لا يتبرعون بكشف الحقائق في مثل هذه المخالفات إلا بعد أن يفقد المسؤول موقعه الذي فيه.
قرارات مهضومة
وقال لصحيفة (الأحداث) كان قرار المجلس هو عدم التعاقد مرة أخرى لشراء أي مواد بناء إلا عبر كراسات بالمواصفات أو عطاءات انشاءات جديدة تتنافس عليها الشركات والأفراد. ولكن بعد ستة أشهر من ذلك فوجئ المجلس التشريعي للولاية بالتوريد الثاني يمنح لنفس الجهة! ونفس الشخص! وبنفس المبلغ أربعة مليارات أيضاً! وحينما سأل المجلس وزير التخطيط العمراني عن عدم التزامهم بالقرار، قال إن التوريد يتبع للمحليات والمحليات مستوى حكم له قراراته وأجهزته وصلاحياته فيما الأمر يمثل مضيعة لأموال الناس.
ويمضي كرم الله في القول: للأسف حكومة الولاية أبرمت بعد ذلك جملة تعاقدات مباشرة مع نفس الجهة لصيانة المستشفيات والمدارس والمنازل الحكومية في كافة أنحاء الولاية دون طرح عطاءات أو مناقصات بل بتعاقدات مباشرة ودون كراسات مواصفات أو جداول كميات أو تسعير بل وفي بعضها لا توجد عقودات مقننة بواسطة الإدارة القانونية ليتم تقنينها لاحقاً (أي سمكرتها) وتوفيق أوضاعها القانونية، ثم سار المسلسل في طريق صيانة مستشفى القضارف القديم بالمليارات! أما الطرق الترابية فحدث ولا حرج.
يمثل النموذج الذي ذكره كرم الله محل دراسة مع غياب المساءلة القضائية.
----------------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
"تقارير مارن" بين أوسلو والخرطوم!!
طة النعمان
ابتداءً، لا بد من تسجيل صوت شكر للسيد أبوبكر عبد الله مارن المراجع العام للدولة الذي ظل وعلى مدى سنوات متعاقبة يرفد الشعب من خلال القنوات التشريعية بمعلومات (رسمية) عن الفساد المستشري في أجهزة هذه الدولة السنية، يفعل ذلك كل عام لـ"العلم" والعلم نور كما يقولون "فجزاه الله خيراً وجعله في ميزان حسناته". يفعل ذلك بقدر ما يتيسر له وبقدر ما تسمح "الأيدي القوية" التي تصد أحياناً فرق المراجعة على اعقابها وتمنعها من امعان النظر في الدفاتر عندما تكون تلك الدفاتر تحتوي على "بلاوي وكوارث" فوق طاقة الاحتمال.. لكن حتى ما تطاله أيدي المراجعين وعيونهم ليس بالأمر اليسير أو القليل فحسابه "بمليارات الجنيهات القديمة" و"الملايين" الجديدة.
يوم أمس الأول (الاثنين) عندما كان وفد السودان يحضر مؤتمر المانحين الدوليين في اوسلو ويشكو ويتبرم من عدم وفاء المانحين بما قطعوه من وعود كان وزير العدل السوداني الأستاذ عبد الباسط سبدرات يحضر جلسة للبرلمان السوداني خصصت للتداول حول تقرير رئيس اللجنة الاقتصادية حول تقرير المراجع العام لعام 2006 الذي أكد ان قطعان أفيال الفساد لم تترك سنبلة ولا زهرة في حقل الدولة إلا قطعتها أو داست عليها حتى كادت تقضي على الأخضر واليابس. لم يلتفت أعضاء الوفد السوداني هناك أو المسؤولون هنا إلى "الحبل السري" الممتد عبر البحر المتوسط والصحراء الكبرى والرابط بين ما يحدث هناك في اوسلو وما يحدث هنا في الخرطوم. نسى هؤلاء السادة ان نسخة من "تقرير المراجع العام" هذا الذي يتجادلون حوله لا بد ان تكون قد وصلت إلى كل دولة من دول المانحين هؤلاء بالإضافة إلى تقارير أخرى تحصل عليها المنظمات الدولية بطريقتها الخاصة قد تكون أفدح بما لا يقارن مع ما توصل إليه المراجع العام في تقريره موضع النظر من نوع تلك التقارير التي تشكل أساساً لما يصدر عن "منظمة الشفافية الدولية" التي صنفت بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية كواحدة من أكثر الدول فساداً في هذا الكوكب.
الأستاذ سبدرات وزير العدل بشرنا في حديثه أمام البرلمان بشئ من "التحسن في جملة الأداء المالي وعدم وجود تجاوزات مالية مخيفة" وسبدرات رجل متفائل بطبعه، لكن عندما نطالع بعض التفاصيل الواردة في افادته والتي تقول مثلاً ان معدلات الاعتداء على المال العام قد انخفضت بنسبة (66.7%)، فنحن في حاجة لمعرفة الرقم الذي يمثل (100%) من المال المنهوب حتى نعرف مقدار نسبة الـ(43.3%) التي لازالت محل اعتداء الأفيال والغيلان، وأوضح وزير العدل أيضاً ان جملة الحالات القضائية التي تم (احتواؤها) من قبل المحاكم.- لاحظ (احتواؤها) هذه وليس (الفصل فيها واصدار الأحكام) كانت (93) وهي جملة ما أورده تقرير المراجع العام لسنة 2007، منها (18) حالة حكم نهائي و(15) حالة تم شطب البلاغ في مواجهتها (بعد السداد) إضافة إلى (11) حالة (سداد قبل فتح البلاغ) و(11) حالة أخرى لا تزال أمام القضاء و(8) حالات قيد التحري و(8) حالات أخرى قيدت ضد متهمين هاربين ولم يتم التحري فيها.
هذه بعض التفاصيل التي أعلنها سعادة وزير العدل وأوردتها صحف (الثلاثاء)، لكن الأستاذ سبدرات لم ينوِّر البرلمان، وبالتالي لم ينورنا عن طبيعة الأحكام والجزاء الوفاق الذي ناله من مدوا أيديهم الطويلة إلى مال الشعب في الظلام.
لم يقل لنا ان أحكاماً رادعة تجعل منهم "عبرة لمن يعتبر" قد صدرت بشأنهم. نعم قد لا يكون ذلك ذنبه لأنه قد حط رحاله في هذه الوزارة قبل شهور معدودات، ولكن أهم ما صدر عنه أن الوزارة لن تسمح "بالتسويات" في شأن المال العام، ما نعتبره عهداً ووعداً يسأل عنه أمام الشعب وقبل ذلك أمام العلي القدير.
ومع ذلك لا بد من الوقوف عند بعض التفاصيل اللافتة والمحزنة في آن معاً، من ذلك مثلاً وعلى حد قول وزير العدل ان هناك (14) حالة تم (شطب البلاغ) في مواجهتها (بعد السداد) بالإضافة إلى (11 حالة سداد) قبل فتح البلاغ و(8) حالات قيدت ضد متهمين هاربين و(15) حالة تم شطب البلاغ في مواجهتها لانعدام البينات - وهذه الأخيرة غالباً ما تكون من "شغل الحُرفا" المتمرسين على اخفاء الأثر و(تودير الدرب في الموية).. لكن ما علينا، دعونا ننظر في أمر من شطب البلاغ في مواجهتهم بعد السداد وأولئك الذين سددوا درءاً لفتح البلاغ ضدهم.. فكيف لدولة تحترم القانون والنظم واللوائح ان تشطب أو لا تفتح بلاغاً ضد شخص اعتدى على المال العام، ونهب الملايين ثم أعادها بعد ان انكشف أمره، ألم يُسخِّر مثل هذا المعتدي الأثيم أموال الشعب لمصلحته الخاصة حارماً الشعب من ريع استثمارها طوال فترة استيلائه عليها، ألا يمكن لهذه الملايين ان تدر أرباحاً إذا ما استثمرت لصالح الشعب والدولة، ألم تكن كافية لأن تسد رمق آلاف وملايين الجوعى الفاتحين أفواههم لتلقي اغاثات المانحين الأجانب، ألم تكن كفيلة بأن تحفر مئات الآبار في كردفان ودارفور لتوفير شربة ماء نظيفة لأولئك العطشى؟!. ألا يعني مثل هذا السلوك مكافأة للمعتدين على اثمهم وإغراء آخرين يقفون في صفوف الفساد لأخذ حصتهم واستثمارها والاثراء منها ثم إعادتها، ولسان حالهم يقول أنهم لم يفعلوا أكثر من استلاف "غرض حسن" أعادوه و"يا دار ما دخلك شر".
نعم ليس من حقنا ان نعتب على المانحين في اوسلو أو غيرها، طالما ان أموال الدولة (أموال الشعب) معرضة للنهب والضياع بشهادة المراجع العام وبشهادة أهل السودان قبله، الذين يرون ما يجري تحت أبصارهم، فكم من أشعث أغبر "لو أقسم على الله لابره" قد تحول بين يوم وليلة ودون أدنى مقدمات منطقية إلى ثري منعم منتفخ الأوداج يتسربل بفاخر الثياب ويمتطي فاره المركبات ويتطاول في البنيان وفي ظل غياب دولة العدل يفلت من الحساب والعقاب ولا يسأل عن من أين لك هذا، ومع ذلك نلوم المانحين لأنهم لم يفوا بعهودهم!!.
--------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
واني : الفساد يحارب في الجنوب وتتم تغطيته في الشمال
الخرطوم : محمد علي يوسف
قال رئيس مجلس تشريعي الجنوب جيمس واني ان الفساد "موجود في كل انحاء السودان، وتتم التغطية عليه في الشمال، بينما تتم محاربته في الجنوب" مضيفا: "عندما استلمت الحركة الشعبية السلطة بعد اتفاقية السلام كان معدل الفساد في الجنوب يفوق الـ(40%) ولكن تمت محاربته وتخفيض نسبته بمعدلات كبيرة".
وقال واني في حديث لـ(السوداني) ان التنمية تسير ببطء و"لكنها مستمرة"، مشددا على ان المبالغ المرصودة لبرلمان الجنوب "لا تتجاوز (مليون) جنيه، بينما تبلغ (11) مليون جنيه في المجلس الوطني، وقال انه اتفق خلال اجتماعه برئيس المجلس الوطني الانتقالي احمد ابراهيم الطاهر الاسبوع الماضي على ارسال دفعة من نواب تشريعي الجنوب الى الخرطوم في الدورة القادمة لتلقي عدد من الدورات والتدريب على العمل التشريعي.
وذكر رئيس المجلس التشريعي بالجنوب، الذي كان يشارك في الدعوة التي قدمها الحزب الاتحادي الديمقراطى المسجل للبرلمانيات المشاركات في ملتقى البرلمانيات الاول، للصحفيين ان برلمان الجنوب سيعود من عطلته مطلع ابريل القادم، مشيراً الى ان المجلس اجاز في دورته السابقة (13) قانونا وأربع ميزانيات، اضافة لدستور الجنوب وعددا من خطط الوزارات وبرامج عملها وقال:" مجلس تشريعي الجنوب بدأ من الصفر حيث لم يكن بالمجلس كرسي او ملف ولكنه الان اصبح مهيئاً للعمل التشريعي" واشاد واني بملتقى البرلمانيات الاول وقال (اتمنى ان يستطعن وضع قوانين لدعم الوحدة وجعلها جاذبة)
----------------------------------------------------------------
العدد رقم: 1027 2008-09-22
الإسلاميون والبكاء على الأطلال
في سياق حديثه عن الفساد وتحت عنوان (البنية التحتية للفساد) بصحيفة الأحداث عدد الأربعاء23/1/2008 كتب الدكتور التجاني عبد القادر القيادي الإسلامي السابق ما يلي(صار بعض إخواننا الغبش الذين كانوا يأكلون مثلنا الفول والعدس، ويساكنوننا في أم ضريوة والدروشاب، صار هؤلاء المستضعفون في الأرض ولاة ووزراء، فاستبشرنا خيرا أول الأمر وصرنا نفاخر بهم الأمم وكنا إذا تحدث فيهم متحدث نكاد نقطع لسانه، مراهنين على معدنهم الأخلاقي، ونقائهم الثوري، كنا نحدث أنفسنا بأنا قد عثرنا على الصخرة التي ستسد بوابة الفساد وتقطع الطريق على السماسرة والمافيات، وتنعطف نحو الفقراء والمحرومين، ولكن ذلك كان وهماً كبيراً، إذ صار نفر ممن ولي أو استوزر لا ينظر إلا إلى عطفيه، ولا يبني إلا سراياته الطويلة، ولا ينفق إلا على حاشيته ولا يقرب إلا عشيرته الأقربين،
ثم قسمت الدولة إلى مناطق نفوذ، فصار كل وزير أو وال يتخندق في منطقة نفوذه، تزول الجبال الراسيات ولا يزول تنهار البنايات ، وتنشب الحروب وينهار السلام ويضج الناس وسعادته باق لا يتزحزح، يدور حوله السماسرة والمقاولون وممثلو الشركات، بل إن بعضهم قد أنشأ له شركات خاصة فيتفاوض باسم السودان في بداية الاجتماع ثم يتوارى في الجانب الآخر من المكتب ليتفاوض باسم شركاته(على عينك يا تاجر)، والفارق الوحيد بين هذا اللون من الفساد والألوان السابقة أن بعض السابقين كانوا يسترون فسادهم بشيء من الكرم يطعمون الجياع ويكسون العراة، وكان بعضهم ينفق على الحركة الوطنية الناشئة، وعلى الصحافة وعلى الطلاب المعسرين ويعول الأرامل ويرعى اليتامى، أما في عهد تقصير الظل الإداري هذا فصرنا نرى فسادا لا يستره ظل من الكرم).
قد أشرت مرارا في هذه الصحيفة إلى أن النقد الصارم الذي يوجهه الإسلاميون المستنيرون لتجربة الإنقاذ يجب الاحتفاء به، ليس من باب (الشماتة السياسية) وإنما من باب الحرص على تصحيح المسيرة الوطنية ذلك الهدف الذي يقتضي- كخطوة أولى- صعود تيارات ديمقراطية واعية ومستنيرة ومنفتحة داخل كل جسم سياسي من مكونات الساحة السياسية السودانية، حيث تقوم هذه التيارات بدراسة نقدية لتجاربنا السياسية المختلفة بعيدا عن المكابرات الآيدولوجية والانحيازات العاطفية أو المصلحية، بهذا النهج فقط نستطيع أن نجعل من التجارب الفاشلة رصيدا موجبا ينضاف إلى رصيد التجربة الوطنية ولكن بشرط أن تسفر المراجعة النقدية عن تغيير لمنهج التفكير وللمفاهيم والمنطلقات النظرية الذي أنتجت الأخطاء ولا تكتفي بإدانة الأشخاص والمؤسسات وإن كان هذا أيضا جزء مهم من عملية المراجعة.
إن ما ذكره الدكتور التجاني عبد القادر بشأن الفساد يطرح سؤالين: الأول لماذا ازدهر الفساد وبلغ هذا الحد في عهد الإسلاميين؟ والثاني لماذا أدار الإسلاميون ظهرهم للفقراء ولم يعيروهم اهتماما في سياساتهم بعد أن انفردوا بالحكم؟ بالنسبة للسؤال الأول فإن استشراء الفساد أمر طبيعي في ظل الأنظمة الشمولية التي تهدر مبادئ الحكم الراشد من مشاركة وشفافية ومحاسبة وسيادة لحكم القانون، وبما أن الحركة الإسلامية أقامت حكماً شمولياً فما كان ينبغي للدكتور أن يتوقع منها شيئا سوى الفساد والإفساد! ولكن الدكتور استبشر خيرا باستيلاء إخوته على السلطة مراهنا على (معدنهم الأخلاقي ونقائهم الثوري)! وهنا يكمن الخلل المنهجي في فكر الإسلاميين! إذ أنهم يعتقدون أن التنظيم الإسلامي هو ثلة من الأتقياء الأنقياء الأطهار الذين يؤهلهم حسن إسلامهم وكمال إيمانهم لفرض وصايتهم على الدولة والمجتمع والانفراد بالحكم دون الآخرين، فهم لديهم من الورع والتقوى واستقامة الخلق ما يعصمهم من الفساد والظلم!
وهذا الوهم الآيدولوجي الساذج يغيّب مع سبق الإصرار والترصد حقيقة أن التنظيم الإسلامي قوامه بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، تتجاذبهم الأهواء وتفرقهم المصالح وتستبد بهم الأطماع وتعميهم شهوة السلطة والمال ويغريهم غياب الرقابة والمساءلة الشعبية بالفساد شأنهم شأن جميع المنتمين إلى الجنس البشري ولذلك إذا أراد التنظيم الإسلامي أن يقيم حكما صالحا لا ظلم فيه ولا فساد فكان عليه أن يبتعد كل البعد عن الانقلابات العسكرية والحكم الشمولي لأن التجربة الإنسانية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وأن الفساد توأم الاستبداد يلازمه كظله، وأن الاستبداد ملة واحدة حيث تتطابق ممارسات النظم الاستبدادية مهما اختلفت في مرجعياتها، فلا فرق بين الاستبداد باسم الإسلام والاستبداد باسم الاشتراكية أو باسم الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة أو باسم العلمانية أو تحت أي شعار ديني أو وضعي،
ولذلك فإن من أراد حماية البلاد والعباد من الفساد عليه أن يسعى لإقامة نظام تحول طبيعته السياسية وبنيته المؤسسية دون الفساد، نظام يحاصر الفساد والمفسدين بالانضباط الإداري والقوانين الرادعة والقضاء النزيه المستقل والصحافة الحرة ورقابة المؤسسات النيابية، أي إقامة النظام الديمقراطي بألف ولام التعريف! أما الرهان على(المعدن الأخلاقي) و(النقاء الثوري) فهذه طفولة آيدولوجية نرجو أن تكون شبت عنها الحركة الإسلامية،
وهذا لا يعني التقليل من شأن الدين والأخلاق في الإصلاح ولكن لا يمكن أن نرهن مصالح الشعوب في إقامة العدل وحماية الحرية وصيانة المال العام للوازع الديني والأخلاقي لحضرات السادة الإسلامويين الذين أثبتوا لنا بالتجربة قلة حظهم من هذين الوازعين، فمصالح الشعوب تحميها المؤسسات، وتحميها حزمة من الشروط السياسية والاقتصادية والقانونية التي تتصدى للانحرافات التي هي جزء من الطبيعة الإنسانية.
أما بالنسبة لموقف الحركة الإسلامية السلبي تجاه قضايا الفقراء فليس فيه ما يثير الدهشة فهو موقف يتسق مع تاريخ الحركة الإسلامية وفكرها، فالحركة الإسلامية السودانية على المستوى النظري لم تفرد مساحة لقضية العدالة الاجتماعية ولم تقدم مساهمات يعتد بها في الفكر الاقتصادي، بل كانت الحركة الإسلامية طوال تاريخها مستغرقة في قضايا التأصيل وحسم الهوية الحضارية ومحاربة الشيوعية وأسلمة الدستور والقوانين وتغطية رؤوس النساء، والتيار الإسلامي الوحيد الذي كان مهموما بالعدالة الاجتماعية كان بقيادة المرحوم بابكر كرار الذي نادى منذ الستينات بما أسماه (الاشتراكية الإسلامية) ولكن دعوته قوبلت بالرفض والاستهجان من التيار الغالب في الحركة الإسلامية الذي كان يعتبر(الاشتراكية) رجسا من عمل الشيطان لارتباطها بالشيوعيين،
أما دور الحركة الإسلامية في الاقتصاد السوداني عبر تجربة المصارف الإسلامية فكان خصما على مصالح الفقراء، إذ أن صيغ التمويل المستخدمة في هذه المصارف اتجهت لتمويل الاستثمارات قصيرة الأجل أي الأنشطة التجارية ذات الربح السهل والسريع وانصرفت عن تمويل الإنتاج الزراعي والصناعي المرتبط بمصالح الفقراء، وفي عهد الإنقاذ جاءت جميع السياسات الاقتصادية متبلدة الحس الاجتماعي وضاربة بالفقراء والمستضعفين عرض الحائط، وللمفارقة فإن الحركة الإسلامية التي صمت آذاننا باستقلال الإرادة والثورة على التبعية للغرب طبقت (روشتة) صندوق النقد الدولي بحذافيرها! نتمنى من التيارات الساعية للإصلاح في الحركة الإسلامية أن تجعل من أجندتها توطين فكرة العدالة الاجتماعية في فكر وبرامج الحركة من الآن فصاعداً.
السودانى
طالع
التعليقات (0)