عيد الوطن والنعمة المجهولة
الوطن في المعاجم اللغوية يعرف بالمأوي والمكان أو المحل الذي ينزل فيه الشخص او اي كائن حي ففي لسان العرب الوَطَنُ: المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله؛ وقد خففه رؤبة في قوله: أَوْطَنْتُ وَطْناً لم يكن من وَطَني، لو لم تَكُنْ عاملَها لم أَسْكُنِ بها، ولم أَرْجُنْ بها في الرُّجَّنِ قال ابن بري: الذي في شعر رؤبة: كَيْما تَرَى أَهلُ العِراقِ أَنني أَوْطَنْتُ أَرضاً لم تكن من وَطَني وقد ذكر في موضعه، والجمع أَوْطان. وأَوْطانُ الغنم والبقر: مَرَابِضُها وأَماكنها التي تأْوي إليها؛ قال الأَخْطَلُ: كُرُّوا إلى حَرَّتَيْكُمْ تَعْمُرُونَهُمَا، كما تَكُرُّ إلى أَوْطانها البَقَرُ ومَوَاطِنُ مكة: مَوَافقها، وهو من ذلك. وَطَنَ بالمكان وأَوْطَنَ أَقام؛ الأَخيرة أَعلى. وأَوْطَنَهُ اتخذه وَطَناً. يقال: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كذا وكذا أَي اتخذها محلاً ومُسْكَناً يقيم فيها.
فالوطن هو المكان الذي يشعر فيه الانسان بالراحة والطمأنينة والامان اكثر من اي مكان اخر في الدنيا . ويلجأ اليه اذا ضاقت به البلدان الاخرى ، ويتحمل فيه مصاعب المعيشة في ظروف قاسية قد لا يتحمل ربعها في اي مكان آخر ، وهذا ما ذكره الشاعر في قوله : داري وان جارت علي عزيزة....واهلي وان ضنّو علي كرام . وهو المكان الوحيد الذي يحن الانسان له ، ويتوق للرجوع اليه مهما طالت مدة البعد عنه ، ومهما تعددت اسباب هذا البعد .
والوطن ليس مجرد ما تحتويه قطع ارض من تراب وشجر ، او حجر ومدر ، بل هو انتماء لكل ذلك واكثر ، فهو انتماء جغرافي ، سياسي ، ثقافي ، تاريخي ، تراثي لتلك الارض ، يرتبط بها الانسان في كل تلك الامور عبر الارتباطات مختلفة . وسواء عرف هذا الانسان حدود وطنه الجغرافية ام جهلها ، أو وافق سياسته ام خالفها ، أو علم بتاريخه وتراثه وحافظ عليه بصورة حسنة ام لا . فكل هذا لا ينفي كونه مواطن له حقوق ، كالعلاج والتعليم والامان وتوفير مقومات المعيشة ، وعليه واجبات تجاه وطنه ، فالخيانة مرفوضة منه ، والولاء له والدفاع عنه واجب عليه ، ويجب عليه المحافظة على امن الوطن واستقراره ووحدة اراضيه وتلاحم شعبه ، كما يجب عليه ان يظهر وطنه بالشكل الحسن الائق امام الدول والاخرى .
في مختلف دول العالم تكثر الاعياد ، فمنها ما هو متوارث عن عادات قديمة في تلك الدول ، ومنها ما هو ديني بحسب الاديان التي تعتنقها شعوبها ، غير ان العيد الوطني في كل الدول يختلف عن غيره من الاعياد فهو احتفالية شعبية ، يبرز فيها انتماء الانسان وارتباطه بهذه البقعة من الارض . ولهذا الانتماء جانب ديني اشار اليه الدين الاسلامي ، فقد اعتبر المدافع عن وطنه مجاهد في سبيل الله ، وعدّ المقتول دون وطنه شهيداً ، بالاضافة الى هذا جعل الغربة عن الوطن - لما تحتويه من ألم قاسي على صاحبها - من العقوبات التي تفرض على المجرمين الذين يسعون في الارض الفساد الى جانب عقوبات الصلب والقتل ، قال الله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .
لذا علينا احياء هذه الاحتفالية في كل عام من اجل ان نعرّف ابنائنا بتراثنا الذي ورثناه عن آبائنا واجدادنا ، ونظهر اهتمامنا بالوطن وحمايته ، ونبدي استعدادنا للدفاع عنه ضد اي خطر يتهدده من الخارج او من الداخل ، بالاضافة الى اظهار ثقافة الوطن وتاريخه في جميع المحافل الدولية . ولكن يجب ان لا تكون هذه الاحتفالية باثارة الفوضى وتكسير المحلات كما حصل في احد مدن الشرقية قبل ايام ، فهذا الاسلوب مرفوض من الجميع ، وعلى الجميع التصدي لهذه الاعمال ومنعها نهائيا ، فالوطن ليس لشخص معين بل هو لكافة الشعب ، فاذا كان الشعب هو من يسعى لاثارة الفوضى في الوطن ، أو انه غير مستعد للدفاع عنه ، فممن ننتظر الدفاع عنه ؟ ، ان من يعمل ذلك اما انه اجنبي وليس من ابناء الوطن وشعبه ، او انه مغرر به ولا يعي حقيقة ما يفعله .
اننا ولله الحمد والمنة على هذا ، ننعم في نعمة كبيرة لا تجاريها الكثير من النعم وهي نعمة الامن في الوطن ، فلا نضيعها مننا بسبب جهلنا لها وعدم شكرنا لله تعالى على هذه النعمة الكبيرة والمجهولة لدى الجميع الا من فقدها والعياذ بالله من ذلك ، فقد روي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام انه قال : ( نعمتان مجهولتان الأمن بالأوطان والصحة بالأبدان) ، نسأل الله ان لا نقع في مسألة كفر النعمة التي نحن ننعم بها ، ونستهين بنعمة امن الوطن ، كما نسأله ان يمد لنا فيها يحمي لنا وطننا الغالي، ارضا وحكومة وشعبا ، ضد اي مكروة قد يتعرض له .
التعليقات (0)