عيد الفصح اليهودي يروي قصة شعب
مع اكتمال بدر نيسان العبري، في الخامس عشر، من كل عام تبدأ احتفالات الشعب اليهودي بعيد الفصح (بيسح)، وتستمر سبعة أيام، تيمنا بنجاة الشعب اليهودي من العبودية في مصر قبل اكثر من ثلاثة آلاف عام، وبداية الترحال في صحراء سيناء التي انتهت بدخول بني اسرائيل الأرض المقدسة، ارض اسرائيل، التي كتب الله لهم ولأبناءهم من بعدهم.
يعتبر الفصح واحد من أهم أعياد اسرائيل فهو يرمز الى انعتاق بني اسرائيل، الشعب اليهودي، من ربقة العبودية، وتحوّلهم الى أمة، تنعم بالحرية والاستقلال. وهو الأول من بين ثلاثة أعياد، هي الفصح والأسابيع والمظال، التي تعتبر أعياد الحج او أعياد شد الرحال الى بيت المقدس في أورشليم، ونحر الهدي او أضحية الفصح "خروف العيد"، وتأدية الشعائر والصلوات، تخليدا للعهد الذي كتب الله لبني اسرائيل، وخروجهم من عبادة الأوثان والعباد الى عبادة رب العباد، ومن جور الفراعنة الى عدل التوراة، ومن ضيق الحال الى سعته.
يذكر انه بعد استقرار بني اسرائيل في ارض اسرائيل، وبناء معبد في أورشليم، بيت المقدس، لعبادة اله واحد، أصبحت فريضة النحر تؤدى في بيت المقدس دون سواه، وحافظ ملوك وأنبياء اسرائيل على هذه الفريضة على مر العصور، وشددوا على تأديتها في مكانها الذي لا تصح الا به، وهو بيت المقدس. وورد في التناخ "كتاب اليهود" (التوراه والأنبياء وكتوفيم)، في مواضع عدة، ذكر ملوك وأنبياء اسرائيل الذين أقاموا فريضة أضحية الفصح، تجديدا للعهد والبيعة مع الله، حتى أصبحت هذه الشعيرة رمزا لأقامة هذا العهد، منذ شُرعت الفريضة في زمن موسى، سيد الأنبياء، في مصر، الى إقامتها على يد خلفه يشوع بن نون، الى الملك حزقياهو (القرن الثامن قبل الميلاد)، الذي جدد تطبيق شرع التوراة في مملكة يهودا، الى الملك يوشيا (القرن السابع قبل الميلاد)، المجدد اليهودي الكبير، الذي محى كل ذكر لعبادة الأوثان في مملكة يهودا، الى عزرا الكاتب (القرن الخامس ق.م) الذي عكف على إحياء علوم التوراه وتشريع القوانين.
وغني عن القول، انه منذ خراب بيت المقدس اليهودي وحتى اليوم، يتعذر على أبناء الشعب اليهودي تأدية شعيرة نحر كبش الفصح، حيث لا تصح هذه الشعيرة، شرعيا، الا في مكانها الشرعي، وهو بيت المقدس اليهودي في أورشليم. لكن ذكراها ما زالت حاضرة في الوجدان اليهودي، يذكرها كل يهودي، خصوصا عشية عيد الفصح، مساء الرابع عشر من نيسان، ويسمى "ليل هسيدر"، حيث يجتمع أفراد العائلة، ويمكن ايضا في نطاق مجموعات غير أسرية، حول مائدة الفصح، لأستقبال العيد، وسرد حكاية عيد الفصح للنشئ، ويتميز هذا الحفل بطقوس وأطعمة خاصة بالعيد، وتشمل خضار ذات طعم مر حيث ترمز الى مرارة العبودية، بالأضافة الى ضلع خروف مشوي يرمز الى أضحية الفصح التي كانت تذبح في بيت المقدس في أورشليم بعد ظهر يوم الرابع عشر من نيسان العبري عشية عيد الفصح، وبيضة ترمز الى "أضحية العيد" التي كانت تذبح للتعبير عن الفرحة والبهجة الى جانب "أضحية الفصح"، وفطائر العيد (متسوت)، وغيرها من الأطعمة التي يتميز كلّ منها بدلالة ورمزية معينه.
ومن بين تقاليد عيد الفصح نذكر ايضا جمع التبرعات والمال لتوفير احتياجات العيد للفقراء والمعوزين، حتى تعم الفرحة جميع أفراد الشعب على حد سواء، دون التمييز بين غني وفقير.
ويعتبر اليوم السابع من عيد الفصح حسب التقليد اليهودي، بأنه اليوم الذي أمر الله موسى ان يضرب طريقا في البحر، فانفلق البحر، وعبره موسى وقومه، فنجو فيما غرق فرعون وجنده في اليم. وثمة أنشودة في التوراه تسمى "أنشودة البحر" ما زال بنو اسرائيل يتغنون بها في اليوم السابع لعيد الفصح.
ومن أسماء العيد: عيد الفصح، وعيد الفطائر، وعيد الحرية، وعيد الربيع. كما يعتبر العيد رمزا لحرية الفرد والجماعات أينما كانوا، ومن مقاصده وجوب نبذ العبودية.
ويكتسب عيد الفصح بعدا قوميا متميزا حيث يعبّر عن وحدة الشعب اليهودي في كل مكان، وتتجسد هذه الوحدة بإلتئام شمل الأسر اليهودية الى مائدة الفصح، وتفتح البيوت اليهودية أبوابها على مصراعيها في ليلة الفصح لأستقبال الضيوف والزائرين، حول مائدة العيد، لتعم أجواء من البهجة والسرور، فيما يعد تعبيرا عن وحدة الشعب والمصير، وهو الأساس الذي يحمل معنى أسمى وقاعدة عليا تمثل جميع أفراد الشعب اليهودي أينما حلّوا وارتحلوا ومفادها أن اليهود أولياء بعضهم لبعض.
وتمثل الحرية التي يرمز اليها العيد، انعتاق الشعب اليهودي، ماديا وروحانيا، من العبودية الدينية والروحية والثقافية، وعودة الشعب الى أصالته وطبيعته الأولى التي فُطر عليها، وما يمليه عليه ضميره ووجدانه. وتعزز رقائق الفصح الشبيهه بخبز الرقاق، بأصالتها وعفويتها وخلوها من اي مظهر من مظاهر التخمير، تعزز من معاني الحرية المرتبطة بعيد الفصح.
ويرتبط عيد الفصح ارتباطا وجدانيا وفطريا بأرض اسرائيل، ويظهر هذا جليا في سفر "نشيد الأنشاد" الذي يقرأه كل فرد يهودي في عيد الفصح، ونشيد الأنشاد هو أحد أسفار التناخ "العهد القديم"، ويحتوي على مجموعة من قصص الحب العفوية، ووصف للقرية اليهودية الريفية القديمة، وأناشيد الرعاة، وأغاني الكروم، وأغاني أهل المدينة، وأغاني الأفراح والمناسبات، وأناشيد الربيع والأزهار، وقصص عائلية. وينسجم كل ذلك مع كون عيد الفصح هو ايضا "عيد الربيع"، حيث يحلّ في موسم الربيع من كل عام.
يذكر ان بعض المسيحيين كانوا يروّجون لأشاعات مفادها ان اليهود يخطفون الأطفال في عيد الفصح لأستنزاف دمهم واستخدامه لتحضير فطير الفصح، علما ان الشريعة اليهودية تحرّم القتل، فما بالك بالأعياد، كما تحرّم التوراة شرب الدم تحريما باتا. هذا فضلا عن كون القتل يتنافى قطعا مع مقاصد الأعياد اليهودية. لكن المتصفح لمواقع الأنترنت الاسلامية يرى ان بعض صغار العقول والمخابيل ما زالوا يروّجون ببغائيا لترّهات وهلوسات من قبيل "ذبح القرابين البشرية" في عيد الفصح، تلكم الهلوسات التي لا ترقى حتى لقصص الشعوذة وروايات الأفلام البوليسية ..
كل عام وأنتم بكل بخير
التعليقات (0)