مواضيع اليوم

عيد الثورة .. بأي حالٍ عدتَ يا عيد !

محمد شحاتة

2009-07-25 09:27:39

0

(الضباط الأحرار)
مجموعة من الضباط اجتمعوا ليتدارسوا الأوضاع السيئة خاصة في الجيش وامتهان المحتل الانجليزي للسراي..

فقرر الضباط أن يقوموا بعمل ما يشبه الاحتجاج القوي ضد السراي ..وقد كان ..

ثم كانت حركة الضباط الأحرار .. واستيقظ شعب مصر على بيان ألقاه "محمد أنور السادات " من الإذاعة المصرية يفيد قيام الحركة ثم الانقلاب ثم الثورة على الملك فاروق .. والذي تنازل – سلمياً – ودون أدنى مقاومة عن العرش شرط أن يغادر البلاد مغادرة رسمية ووداع رسمي ليستقل المحروسة إلى إيطاليا..
وقد ظهر الضباط الأحرار يقودهم اللواء "محمد نجيب" وهو كان أعلى رتبهم جميعاً والقائد لهم والراعي الرسمي والمسئول الأول عن الحركة أو الانقلاب أو الثورة .. وكان ظهورهم في أشد المواقيت تاريخية في حياة شعب لم يحكمه ولمئات السنين أحد من أبنائه ..

حيث توالى وتواتر عليه الأجانب يحكمونه من كل حدب وصوب بدءا من الهكسوس ومرورا بالرومان ثم المماليك والعثمانيين والفرنساويين وانتهاء بالانجليز والعلويين نسبة إلى أسرة محمد علي باشا الألباني الذي كان آخر سلساله الملك فاروق .. حيث العرش تحت يد الاجنبي بينما ما عداه فمن الممكن أن يكون للمصريين فيه نصيب كالوزارة والحياة النيابية وتتفاوت درجات الحرية في ذلك.
فكان الشعب المصري يرزح تحت نير ما بين استعمار انجليزي رابض وملك علوي قابض على أنفاسه حتى حدثت حركة الضباط المصريين الأحرار بقيادة محمد نجيب ..

هنا وهنا فقط وقف شعب مصر أمام نفسه ولأول مرة في حياته منذ مئات السنين ليجد مجموعة من أبنائه الصلب يقفون على بساط عرشه ... في هذه اللحظة استيقظ الحلم الكامن في رحم المستحيل .. مصر للمصريين ..

في هذه اللحظة أستطيع أن أقول لك أن الثورة قد اندلعت ..

وقد وجد الضباط الأحرار أنفسهم أمام هذا الحلم الذي لم يكن قد طرق أحلام أكثرهم خيالاً .. ولكن هاهي البلد كلها بين أيديهم ..
أعلن الضباط الأحرار سقوط الملكية وإعلان الجمهورية ..

كان هذا الإعلان وحده بمثابة صك الفكاك من العبودية للملكية والانفلات منها إلى رحاب الحرية وإثبات الكينونة ..
ثم توالت البيانات .. أهداف الثورة الستة
(1) القضاء على الاستعمار وأعوانه
(2) القضاء على الفساد وأعوانه
(3) القضاء على الإقطاع
(4) إقامة جيش وطني حر
(5) إقامة عدالة اجتماعية
(6) إقامة حياة ديمقراطية سليمة
أهداف غاية في المثالية جديرة بأن يجود الشعب بمهجة روحة ليراها تتحقق ..

تم إعلان تنصيب اللواء محمد نجيب رئيساً للجمهورية ومن حوله الضباط الأحرار .. ليس غيرهم ..
كان نجيب يعتقد في قرارة نفسه أنه والضباط الأحرار رجال جيش .. وأن مهمة محددة قاموا بها ونجحت مهمتهم وانتهى دورهم عند ذلك وأنه مآلهم العودة إلى ثكناتهم وتسليم زمام الأمور لأبناء مصر من السياسيين والمدنيين المخلصين ..

ولكن .. هنا.. كان مفترق الطرق ..

آمن الضباط الأحرار أنهم هم أصحاب الفرح وهم أصحاب الحق في الاستمرار.... فاستمروا ..

وتمت الإطاحة الغامضة بالرئيس محمد نجيب .. وتحديد إقامته .. حتى مات مذموماً مدحورا !!!

وصعد نجم البكباشي جمال عبد الناصر وتبوأ عرش الحكم ..

وقد كان على موعد مع الأقدار ..

بشرته القمحاوية و ووجهه المصري المنحوت بأنامل القبول .. وبنيته الجسمانية القوية .. كل ذلك كون كاريزما انصهرت في بوتقة الحلم الشعبي المتعطش فخلق من جمال عبد الناصر زعامة لم يدانيه فيها أحد على مستوى العالم الثالث ..

بل وناطح بها زعماء العالم الأول وفرض نفسه على أجندة الأحداث المصيرية التاريخية ..

وانطلق عبد الناصر.. انطلق مدفوعاً بتيار جارف وإعصار هادر وشعب مولع بتحقيق حلمه الكبير ..بأن يتخلص من الاستعمار الانجليزي .. وقد كان حينما قرر عبد الناصر تأميم قناة السويس ورفع السيطرة البريطانية عنها بقرار ضمن خطاب أسطوري وتحركات موافقة للإعلان بإحلال هيئة مصرية كاملة محل الهيئة الأجنبية لإدارة القناة في تحد كبير لقدرات المصريين ..

وقد كان الثمن حربا ثلاثية قادتها بريطانيا ومعها فرنسا وإسرائيل عرفت باسم العدوان الثلاثي الذي أثار سخط أمريكا وروسيا وأكسب عبد الناصر نصراً سياسياً باهراً جعل المصريين يذهبون في محبته حد التدله والوله خاصة بعد إعلانه سلسلة من القرارات التي تعزز مكانة الطبقات الوسطى والكادحة ... كتأميم الأراضي والإصلاح الزراعي ....وإعادة توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين الذين كانوا أجراء مزارعين ...

وإنشاء الجامعات المقترن بمجانية التعليم ... وإقامة بنية إنشائية تحتية من الصناعات الاستراتيجية ... كالحديد والصلب ...والغزل والنسيج ... والمصانع الحربية .. وإصدار قوانين تحديد الأجرة للأماكن السكنية لحماية المستأجرين البسطاء .... ثم المشروع القومي الجبار المتمثل في إنشاء (السد العالي) والذي سحبت أمريكا والبنك الدولي تمويله فعرض الاتحاد السوفيتي المساهمة في إنشائه فكان مشروعاً قومياً التفت حوله الأمة وأضاف إلى عبد الناصر رصيدا إلى رصيده المفتوح بلا نهاية في قلوب الشعب المصري ...

وامتد إلى الشعب العربي بإحياء عبد الناصر مشروع القومية العربية ومساندته حركات التحرر في البلاد العربية والإفريقية من ربقة الاستعمار وإنشاء منظمة دول عدم الانحياز مع "تيتو" يوغسلافيا و"نهرو" الهند .. وإنشاء جامعة الدول العربية .. ومحاولة إنشاء اتحاد عربي بدأ بسوريا إلا أنه لم يكتمل ..

كما أنه كان الراعي والحامي والمتبني لمنظمة التحرير الفلسطينية والداعم للقضية الفلسطينية والمواجه بعداء كمل للكيان الصهيوني ولبريطانيا وللقوى الاستعمارية مما خلق منه هدفاً عمل الغرب جاهداً على تدميره والتخلص منه بكل الطرق باعتباره خطراً على مصالح الغرب وعمقاً استراتيجيا للاتحاد السوفيتي ..
كان عبد الناصر بشهادة أعدائه قبل أحبائه نظيفاً طاهر اليد ومات على ذلك ولم يجرؤ أشد خصومه أن يرميه بمثلبة تتعلق بذمته المالية حتى وفاته المفاجئة في 1970 والتي جاءت في أحلك ظروف الأمة عقب هزيمة 1967 وكأن وفاته كانت بمثابة وفاة للحلم العربي الكبير.. فشيعته الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج في أكبر جنازة في تاريخ العالم ( ستة مليون شخص) حتى الآن وكأنها كانت تشيع حلمها الذي اندلع في 1952 ولم يكتب له التحقق.. فالحلم العربي .. والعطش الشعبي .. هما اللذان أضفيا هذه الهالة الهائلة على حركة الضباط الأحرار وباركاها وأصبغا عليها صفة وسمة الشرعية الثورية وأمداها بوقود ومدد من مهج الشعب وقلبه الفياض ..

فالضباط الأحرار .. وعبد الناصر بالذات كان كمن هز جذع الشجرة العربية فتساقط عليه حُباً جنيا وولاءً نقيا وشعباً صادقاً وفيا..
وما كان حال الشعب العربي وأخصه المصري إلا كمثل (طلمبة ماء) ارتوازي تعاني جفاف الحلق وتحتاج لكي تعمل أن يبتل حلقها ببعض ماء ..وكانت حركة الضباط الأحرار كمثل إناء به ماء تم صبه في حلق الأمة الجاف ومع تحريك يد "الطلمبة" ... مجرد تحريك يدها اندلع الماء من جوفها كمثل الشلال الهادر لا يوقفه شيء ..

وقد كان عبد الناصر هو القابض على ذراع هذه "الطلمبة" متى شاء تحريكها فإنها تنصاع وتنطاع له حباً وعرفاناً وطاعة وولاء .. حتى أنها ما كانت لتستجيب ليد غير يد زعيمها عبد الناصر الذي بموته فجعت وأمسكت مرة أخرى عن الجريان وعاد حلقها ليجف مرة ثانية ولم تجدي معه آبار البترول كلها لتعيد جريانه مرة أخرى ..
وليس أدل على موت الحلم ولا أشد تعبيراً من قصيدة رثاء الشاعر السوري الراحل نزار قباني لعبد الناصر والذي ذهب به فيها كل مذهب والتي عنوانها " قتلناك يا آخر الأنبياء)!!


قتلناك .. يا آخر الأنبياء

قتلناك ..

ليس جديداً علينا

اغتيال الصحابة والأولياء

فكم من رسولٍ قتلنْا ..

وكم من إمام ..

ذبحناه وهو يصلي صلاة العشاء

فتاريخنا كله محنة

وأيامنا كلها كربلاء ..

 

قتلناك ..

يا جبل الكبرياء

وآخر قنديل زيت ..

يضيء لنا ليالي الشتاء

وآخر سيف من القادسية

قتلناك بكلتا يدينا

وقلنا المنية ..

لماذا قبلت المجيء إلينا ؟

فمثلك كان كثيراً علينا ..

سقيناك سم العروبة حتى شبعت ..

رميناك في نار عمانَ .. حتى احترقت

أريناك غدر العروبة حتى كفرت

لماذا ظهرت بأرض النفاق ..

لماذا ظهرت ؟

فنحن شعوب من الجاهلية

ونحن التقلب ..

نحن التذبذب ..

والباطنية ..

نُبايع أربابنا في الصباح

ونأكلهم حين تأتي العشية ..

 

قتلناك ..

يا حبنا وهوانا ..

وكنت الصديق , وكنت الصدوق ,

وكنت أبانا ..

وحين غسلنا يدينا .. اكتشفنا

بأنا قتلنا منانا ..

وأن دماءك فوق الوسادة ..

كانت دمانا

نفضت غبار الدراويش عنا ..

أعدت إلينا صبانا ..

!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أنظر ماذا فعل الحب .. أو ماذا صنع الحلم .. كان حلماً عربياً كبيراً لم يكن ليحققه إلا من كان بحجم "نبي " صاحب رسالة ..

وإن كنا لسنا في معرض التشبيه ومدى مساسه .. ولكن نورد ذلك تدليلاً على مدى ما كان يمثله عبدالناصر الزعيم في وجدان الأمة العربية ..
كان هذا عن عبد الناصر الرئيس أو الزعيم ..
أما عن عبد الناصر البكباشي وبصفته أحد ضباط ثورة يوليو ..

وعن ثورة يوليو نفسها. وعن الضباط الأحرار .. وعما إذا كانت مقدراتهم على مستوى حلم شعوبهم من عدمه..

وعن كيفية الإطاحة بالرئيس محمد نجيب ومحوه من سجلات التاريخ في تصرف لا يجوز أن نطلق عليه إلا وصف الغدر ..

وعن أهدافها الستة ..وما صنعت لنا .. ثم ما صنعت بنا ... وما صنعت فينا ..

وعن الهزيمة التي لا زلنا ندفع استحقاقاتها حتى اليوم ولا نعرف إلى متى ...

وعن تداعيات القوانين التي مست بطبقة من طبقات الشعب بم أضرها وشرد أبناءها .

فلنا بل علينا أن نواجه أنفسنا قبل أن يواجهنا التاريخ الذي لا يعرف المجاملة ...

وأن نعترف بأخطاء ثورة يوليو وضباطها الأحرار والتي ارتقت إلى مرتبة الخطايا التي لا ينبغي ولا يجوز أن تغتفر..

حيث ان تداعياتها ومرارتها لا زالت تغص بها حلوقنا حتى اليوم ..

ولسوف نتناولها في مقال لاحق.. وللموضوع بقية.. إن شاء الله ...

" كنت أود أن أشارك أخي وأستاذنا "السيد بدر الدين عيسى" بتعليق على مقالته بهذا الشأن ولكن كما هو بادي من طول الموضوع وما يتبعه من جزء مكمل له وكذا اختلاف الرؤى مما حدا بي إلى نشره مستقلاً وذلك ربما يثري القارئ وله مني عظيم الاحترام والتقدير"

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !