عيد بأي حال عدت يا عيد .....
مكللا بالدم ورائحة الموت ، بصراخ الأمهات الثكلا ، والأطفال الأيتام ، والآباء المجوعين ، والأسرى المغلوليين في أغلال القهر، والجبروت الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ، كآخر قوة استعمارية في العالم ، يعود يوم الحادي والعشرين من آذار، تماما كما يعود كل عام على فلسطين، والفلسطينيون هذا الشعب المكلوم . يعود هذا اليوم بصورته التي نعرفها صورة الألم والحسرة صورة القهر ، صورة مصادرة أدنى حقوق الأمومة والطفولة والإنسانية عموما ، يعود وهو يدمغ الإنسانية والبشرية بالإدانة والرفض ، على الصمت المخزي والمهين أمام جبروت وطغيان الآلة العسكرية الصهيونية .
يعود يوم الحادي والعشرين من آذار هذا العام ولم تجف بعد دماء الأمهات والنساء والأطفال والشيوخ والشجر والحجر في فلسطين ، يعود اليوم مطأطأ الرأس أمام أحزان الحزانا والمشردين ، يود أن يلثم الجراح ، أن يطبطب على المثلومين المعدمين ، وهو يدرك هذه الحياة قليلة المسرة ، وهو لا يرى في الأفق مجرد بقعة ضوء او بصيص أمل في العتمة الموحشة ، التي استأسد فيها الوحش الإسرائيلي ، وبات الكشاف مركزا على شدقيه ودماء الأطفال تسيل من بين فكيه ، وبيده بعض الأشلاء من الأطفال ، وهو يقف على تل من الجماجم ...
ترى أي عيد .. وأي يوم وأي شهر وأي سنة يمكن أن تمسح جراح من فقدوا الأحبة والأهل والأقارب والجيران دفعة واحدة ..لمن تجرعوا مرارة الموت اليومي والقتل اليومي والابادة الجماعية أمام أعين العالم القريب منهم والبعيد على حد سواء ..كانت مؤامرة دولية سكت عنها الجميع لمخطط مرسوم .. لم تكن حماس الهدف ولم تكن المقاومة الهدف بل كانت الهدف كل الهدف فلسطين من البحر إلى النهر بكل ما فيها من شجر وحجر وناس وحيوانات وارض ..
ليس لأمهات غزة عيد ، ليس لنساء فلسطين عيد ، فالحزن والقمع وتقطيع الأوصال مستمر منذ أكثر من ستين عاما ، وجرح الأمس كجرح اليوم يلكأ يوميا ، ولا يزال ينزف كأنه جرح للتو ، هل ترى من ينزف ويتألم يمكن ان يحفل بيوم للأم أو أي يوم آخر ..
لعل من ابتكر هذه الفكرة فكرة تمجيد ألام في يوم لعله ابن عاق .. أو لعله ذو إحساس مرهف شاهد ما شاهد من قتل وسفك للدماء فآثر أن يكرم ألام بيوم ... أو ... أو .. لكنه لم يكن يدري أن يوما سيأتي على البشرية يستوحش فيه الشر بوجه البراءة والنقاء والصفاء والحب المتفاني والعطاء بلا حدود بلا فضلة وبلا منة ...
لم يكن ليدور بذهنه أن البشرية ستفقد إنسانيتها .. وتتآمر كلها مرة واحدة على شعب واحد اعزل .. تنتهك فيه كل الحقوق كبيرها وصغيرها ترتكب بحقه كل الجرائم ما نعرف ومالم تعرف البشرية له مثيلا ..
فهل يكفي يوم لنحتفل بأم تزف أبناءها لساحة الوغى على طريق الحرية ، تلك الحرية التي أدركت بغريزتها إنها لن تتحقق بالمؤتمرات والتصريحات وكلمات الرفض وبيانات الشجب والاستنكار .. أدركت أن طريق التحرير لن يعبد بغير الدم واللحم والجماجم والنار .فنراها تزغرد وهي تزفهم إلى درب الشهادة والعز والإباء ، نراها كما الصحابيات القديمات ، تحتسبهم عند الله شفعاء .
ستندم الإنسانية على ما ارتكبت بحق نفسها ، وبما وصمت به جبينها من عار وخزي لن تمحوه الأيام ، كما سيزول الاستعمار ويمضي إلى مزبلة التاريخ كما هي طريقه الحتمية المرسومة منذ الأزل لكل مستعمر وطاغية.
وسيرسم الأولاد على الجدران بكاو تشوك أحذيتهم صور الجبناء وهم يجرون أذيال الخيبة والندامة ، وستبقى فلسطين فلسطين من البحر إلى النهر ..وكل عام وأمنا الكبرى ( فلسطين ) ونحن بألف خير .وسلام على من قضوا وسلام على من ينتظروا .
التعليقات (0)