العيد فرحةٌ ومحبةٌ وتعاطفٌ وتآلفٌ وترفعٌ عن الكبائر والصغائر والآثام والأحقاد.. فيه تصفو النفوس، وتسمو المشاعر، وتعزف القلوب موسيقى الجذل والأمل، وحب الحياة الحرة الكريمة العزيزة، ولحن الوفاء للوطن، ولكل العاملين من أجل رفعته وعزته ورِفائه وأمنه وتقدمه وسلامه وأمانه.. وفيه يصافح الناس بعضهم بعضًا مباركين مهنئين تلهج ألسنتهم بالدعاء، وبأجمل أمنيات الخير والسعادة والسلامة والنجاح والصلاح والفلاح.. وفيه يفرح الأطفال، ويرتدون أجمل الحلل والألوان، يزدانون بها، وتزدان بهم وبضحكاتهم الجميلة البريئة، وألعابهم الذكية التي تضفي على العيد كثيرًا من معاني البهجة والجمال والتألق والتأنق والتدفق والتواصل والوصال، وأسلحتهم التي يحملونها في قوةٍ وعزةٍ واعتدادٍ ومقدرةٍ واقتدار، يعبّرون من خلالها عن كثيرٍ مما يعتمل في قلوبهم، ويجيش في صدورهم، ويضطرم في نفوسهم الغضة المتفائلة المقبلة على الحياة من كل معاني العزة والأنفة وتحقيق الذات والأهداف والغايات والأمنيات والتمنيات.. وفي العيد يزور الأهل والأقارب والجيران والمعارف والأصدقاء بعضهم بعضًا، بعد زيارة المقابر وأضرحة الأولياء والصالحين والشهداء، وذوي الأسرى والأسيرات، والعائلات التي فقدت أحد أعزائها، أو إحدى عزيزاتها.. وفيه يصل الناس أرحامهم، وفيه يفرحون ويمرحون ويأكلون ويشربون ويحتفلون... فالعيد فرحةٌ ومتعةٌ وبهجةٌ للكبار والصغار، للنساء وللرجال، ولكافة فئات الناس من أبناء هذه الديار، وغير هذه الديار في كل بلاد العروبة، وفي كل ديار الإسلام، وفي كافة أرجاء هذا الكون دون استثناء.. فللشعوب كافةً أعيادها، وللأمم كافةً مناسباتها وأفراحها وأعيادها الدينية والوطنية والقومية والثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والفكرية، ولكل أمةٍ أيامها وأعلامها الذين تفخر بهم وتفاخر، ولكل أمة مناسباتها التي ترقى بها إلى مستوى الأعياد، حتى أن بعض الأمم التي تفتقر لمثل هذه المناسبات، ولمثل هذه الأعياد فإنها تصطنعها لنفسها، وتتبناها، وتطورها، وترعاها نظرًا لما تنطوي عليه من أهميةٍ في نهضة الأمم، وفي تطور الشعوب.
وإذا كانت أممٌ كثيرةٌ في هذا العالم اليوم تصطنع لها أيامًا، وتخترع مناسباتٍ تكون لها أعيادًا، كي تحقق لنفسها شيئًا من وجودٍ ذي بالٍ بين الأمم العريقة، وإذا كانت مثل هذه الأمم قد نجحت في ذلك بعض النجاح، أو كل النجاح في بعض الأحيان، وأصبحت أممًا قد يشار إليها بالبنان فإن من المؤلم حقًّا، بل وإن مما هو أكثر من مؤلم أن تصبح هذه الأمة العربية الإسلامية التي لعبت أكبر الأدوار في تاريخ البشرية في ذيل قائمة الأمم، وفي ذيل قائمة الشعوب، وأن تتحكم بها هذه القوى التي لم تكن يومًا على خارطة الدنيا عندما كانت هذه الأمة سيدة هذا الكون، وصانعة تاريخه وجغرافيته وحضارته، ومهوى أفئدة أبنائه من طالبي العلم، ومحبي الحضارة، والباحثين عن العلاج.. وإن مما هو أكثر من مؤلم أن تصبح هذه الأمة العربية الإسلامية على هذه الحال التي نراها عليها من التخلف والفقر والجهل والمرض والانقسامات والحروب والاقتتال والتباغض والتحاسد، ومن الفساد والتبعية للأجنبي.. إن أمة العروبة والإسلام البالغة مساحة أراضيها أكثر من ثلاثةٍ وثلاثين مليونًا من الكيلومترات المربعة، والبالغ تعداد سكانها أكثر من مليارٍ ونصف المليار من البشر، والتي تضم بين ثناياها وخباياها أعظم ثروةٍ نفطيةٍ في الكون، وأعظم احتياطيٍّ للغاز، وأضخم ثروةٍ معدنيةٍ في هذا العالم، بينما تضم أراضي العرب والمسلمين أكثر من ثلثي الثروة المائية والحيوانية في هذا الكون.. أمة العروبة والإسلام هذه على الرغم من كل ثرواتها، وعلى الرغم من تعدد مناخاتها وبيئاتها، وتنوع ثقافاتها وخيراتها ونباتاتها وأشجارها ومزروعاتها تضم أعلى نسبةٍ في هذا الكون من الفقراء والجهلة والأميين والمرضى، وتضم أعلى نسبةٍ في هذا الكون من التابعين للأجنبي الذي يتحكم برقابهم وأرزاقهم وثرواتهم وأراضيهم ومياههم وسائر ثرواتهم النفطية والمعدنية، بل ويحرمهم في كثيرٍ من الأحيان من زراعة أرضهم، ويحرمهم من تصنيعها وتطويرها، ويحرمهم من أمنهم وأمانهم واستقرارهم، ويتحكم بمدارسهم وجامعاتهم ومناهج أبنائهم وطريقة حياتهم ومعيشتهم، ويثير بينهم الخلافات والانقسامات، ويشعل النيران فيما بينهم، ويثير الاقتتال والاحتراب والمعارك والحروب بين صفوفهم، ويحرّم عليهم ما يحرم، ولا يحِلُّ لهم إلا كل تافهٍ من الأمور التي لا تسر صديقًا، ولا تزعج عدوًّا طامعًا في السيطرة على هذه الأمة، والتحكم بمصائر أبنائها.
يا أمة العروبة والإسلام!! يا أمة الصلاح والفلاح والعدل والعدالة والقوة والعزة!! يا أمة الوحدة والتوحيد والماضي المشرّف المجيد!! كيف تستقبلين هذا العيد؟ هل تحررت الأوطان من تسلط المتسلطين، وهمجية الغزاة الطامعين، واستبداد المستبدين، وغطرسة المتغطرسين؟؟ هل تحرر الإنسان من نير الاستعباد والاستبداد والطبقية، وكل ألوان الفساد والإفساد والمذلة والهوان؟ هل تحرر أولى القبلتين من الأغلال والقيود والأصفاد، وهل تحرر موطن الإسراء من هذه الغزوة الكبرى التي تستهدف كل جماليات الماضي ومثاليات الحاضر وأحلام المستقبل الزاهر؟ وهل هدأت النفوس، ووضعت هذه الفتن الداخلية، والحروب الأهلية المجنونة أوزارها في عاصمة بني أمية، عاصمة عبد الملك، وعاصمة ابنه الوليد؟ وهل هدأت النفوس؟ وأُطفئت الحرائق في حلب الشهباء موئل سيف الدولة فارس بني حمدان؟ وهل هدأت نفس شاعر العروبة أبي الطيب ذلك البصري العراقي العربي العروبي الحلبي الشامي الذي خاض الحروب إلى جانب سيف الدولة، وخلد بأشعاره تلك الحقبة من تاريخ الحمدانيين، وحروبهم المتواصلة ضد هؤلاء الروم البيزنطيين الطامعين في كل ديار العروبة؟ وبغداد – يا أمة العروبة والإسلام – هل عادت إليها أمجادها، وهل عاد إليها فرسانها، وهل عادت إليها عظمتها وعزتها ومنعتها؟؟ وهل تمكن العراقيون الأحرار من إطفاء كل هذه الحرائق التي أشعلها ويشعلها في بغداد، وفي كل أرض العراق العربي كل هؤلاء الأعداء الحاقدين الطامعين في فرض سيطرتهم على عاصمة الرشيد؟.
وا حرَّ قلباه، يا أمة العروبة والإسلام!! رحماك يا رب هذه الأمة الصابرة التي يذبحها أعداؤها ذبح النعاج.. رحماك يا رب دمشق وحلب وبغداد، رحماك يا رب بيت المقدس، رحماك يا رب كل بلاد العروبة والإسلام، رحماك يا رب هذا الكون!! هيئ اللهم لهذه الأمة من أمرها رشدًا، ومن مآزقها ونكباتها مخرجًا، وارزقها اللهم من يأخذ بيدها نحو شاطئ العزة والمنعة والرفعة والسلامة والسلام، ومُنَّ عليها بالوحدة والصلاح والفلاح والمحبة والوئام.
إنه العيد.. فسُحقًا للعبيد!! إنه العيد الذي لم يأتنا اليوم بجديد!! إنه العيد يزورنا اليوم والبؤس ملء يديه والتنكيد!! إنه العيد الذي تطل على هذه الأمة شمسه السوداء، وتفتك بأحرار هذه الأمة وبحرائرها وبأطفالها وأشبالها وزهراتها كل كلاب الأرض، وكل طيور السماء... لا بأس يا أمة العروبة.. لا بأس يا أمة الإسلام.. إن الشجاعة صبر ساعة.. فلتصبري، ولترابطي، ولتؤمني بأن النصر قادم، وبأن الطغاة الغزاة العتاة المتآمرين العابثين الفاسدين المفسدين المتواطئين إلى زوال.. والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.. والله أكبر والعزة للشعوب الصابرة المرابطة التي أقسمت على استرداد حريتها وانتزاع سيادتها على أرضها ومقدراتها ومقدساتها.. والله أكبر وأمة العروبة والإسلام بخير.. وكل عام وأنتم بخير.
التعليقات (0)