مواضيع اليوم

عيب يا أمريكا

بدر الشبيب

2009-12-16 16:36:11

0

أن يتم منع كتاب أو حجب موقع أو إيقاف بث قناة فضائية في عالمنا العربي، فهذا أمر مفهوم تعودنا عليه، منذ تم استحداث وظيفة الرقيب ليمارس دوره في ترشيد استهلاكنا الثقافي، فهو أدرى بالمصالح والمفاسد، وهو المخول بأن يمنع ما يشاء كيف يشاء؛ لا أحد يسأله لماذا يمنع، ولكنه قد يتعرض للسؤال: لماذا يسمح؟ وعلى الرغم من أننا بلغنا من الكبر عتيا، فإن الرقيب لم يأنس ولن يأنس منا رشدا أبدا.

 

أما أن يتبنى مجلس النواب الأميركي (الكونغرس) مشروع قانون بغالبية ساحقة ( 395 نائبا مقابل 3 نواب فقط ) يطالب بفرض عقوبات على مالكي الأقمار الصناعية التي تبث قنوات تحرض من وجهة النظر الأميركية على العنف ضد الولايات المتحدة، فهذا يعني أن أمريكا فهمت أخيرا أننا متقدمون عليها في بعض المجالات، وأن عليها أن لا تتأخر عن اللحاق بركبنا، ولكي تفعل ذلك ننصحها بأن تتبنى وثيقة تنظيم البث الفضائي العربي التي صدرت عن مجلس وزراء الإعلام العرب في 12/2/2008 م.

 

المصيبة أن القرار يعتبر مالكي الأقمار الصناعية مشرفين على منظمات إرهابية عندما يسمحون لقنوات تصنف أميركيا على أنها معادية للولايات المتحدة بالبث. ويطلب نصّ القانون من الرئيس الأميركي باراك أوباما، تقديم تقرير كل ستّة أشهر عن «التحريض على العنف ضد الأميركيّين» في تلفزيونات الشرق الأوسط. وذلك لمجابهة ما يراه الكونغرس تهديدا للمصالح الأميركية .

 

وقد أدرجت قناتا المنار التابعة لـحزب الله والأقصى التابعة لحركة حماس وقناتا الرافدين والزوراء العراقيتان على رأس قائمة القنوات المحرضة على الإرهاب حسبما تضمن مشروع القانون الأميركي، ويعتمد المشروع على قوانين أميركية صدرت في أعقاب هجمات سبتمبر وتسمح باتهام جهات بأنها إرهابية وفرض عقوبات عليها.

 

أعتقد أن الحضارة الغربية بشكل عام تمر في الوقت الراهن بأزمة حقيقية تتمثل في عدم قدرتها على المواءمة بين مبادئها الديمقراطية والعلمانية وبين مصالحها السياسية، حيث يتم دائما تغليب السياسي على المبدئي.

 

فحرية التعبير مبدأ ديمقراطي، وحتى عندما يتعلق الأمر بالمساس بمقدسات الآخرين، الإسلامية خصوصا، يتم التشبث بكون ذلك ممارسة ديمقراطية. لكن هذا المبدأ يتم إسكاته بكل الوسائل إذا تعلق الأمر بالهولوكوست مثلا، كما حصل مع المفكر الفرنسي روجيه جارودي والمؤرخ البريطاني دافيد أيرفنج اللذين شككا في أرقام المحرقة اليهودية.ففي فرنسا أقر البرلمان الفرنسي في العام 1990 م قانون "فابيو ـ جيسو" الذي يحظر مجرد مناقشة حقيقة وقوع الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، وفي ألمانيا، في العام 1994م، أعلنت المحكمة الدستورية الألمانية أن أي محاولة لإنكار حدوث الهولوكوست لا تتمتع بحماية حق حرية التعبير التي يمنحها الدستور الألماني، وفي النمسا يجرم القانون ويعاقب بالسجن كل من ينكر وجود غرف الغاز في الحرب العالمية الثانية.

 

حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية مبدأ ديمقراطي، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحجاب وبناء المآذن يتم استخدام الديمقراطية نفسها لحظر الحجاب كما حصل في فرنسا أو بناء المآذن كما حصل في سويسرا مؤخرا.

 

الانتخابات مبدأ ديمقراطي، ولكن عندما تأتي نتائج الانتخابات بما لا تشتهي سفن الغرب لا يصبح لهذا المبدأ قيمة أصلا، ولا يتم احترام النتائج، كما حدث في الجزائر في الانتخابات التشريعية عام 1991 م والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 م التي فازت فيها حماس.

 

حرية الإعلام مبدأ ديمقراطي، ولكن حين يكشف الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين ولبنان، وحين يحرض على مقاومة الاحتلال كحق مشروع تكفله كافة الشرائع والدساتير، يصبح هذا الإعلام إرهابيا، ويتعرض للقصف والتدمير كما حدث مع محطة المنار والأقصى الفضائيتين، أو للمنع بقانون بات يعرف بقانون المنار حين تم حظر بث القناة في فرنسا، ثم في أمريكا.

 

وفي نفس السياق يأتي مشروع القانون الأخير الذي يريد أن يوقف حملات التحريض ضد الولايات المتحدة، وهو خطوة في الطريق الخطأ، لأنه يحرض على قتل حرية الإعلام بحجج واهية، ولأنه يضع العربة أمام الحصان، فالمشكلة ليست في الإعلام، وإنما في أفعال وسلوكيات الحكومة الأمريكية التي تعطي المادة الإعلامية الدسمة بما يكفي للإصابة بكوليسترول كراهيتها.

 

لماذا يكرهوننا؟ سؤال طرحه مثقفو الغرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأجاب العديد من مثقفي العالم العربي والإسلامي على هذا السؤال إجابات مختلفة. وفي الحقيقة، كان يفترض أن يكون السؤال: لماذا يكرهون سياسات حكوماتنا؟!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !