للضرب بالقنادر تاريخ طويل يمتد للعهد البابلي. فاليهودي يطلق زوجته بضربها على رأسها بحذائه. وكذا يفعل بعض العرب عندما يكتشفون ان زوجتهم قد خانتهم. لا بد ان اقتبس اليهود هذا الاسلوب بعد سبيهم الى بابل. ومن المعروف ان نساء بغداد هجموا على المتنبي واشبعوه ضربا بأحذيتهن بعد ما قاله فيهن:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
افدي ضباء فلاة ما عرفن بها
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزن من الحمام ماثلة
اوراكهن صقيلات العراقيب
والظاهر ان البيت الأخير قد اثار غضب البغداديات. ومن المعتاد لنا ان نشتم الخصم بقولنا «ابن القندرة». وكان العراقيون قد هوسوا اثناء وثبة 1948 ضد معاهدة بورتسموث بقولهم «نوري السعيد القندرة وصالح جبر قيطانها»، اشارة الى ان المسؤول الحقيقي هو نوري السعيد وليس رئيس الوزراء صالح جبر.
ونحن نعتبر الجلوس رجلا على رجل بحيث تواجه الآخرين بحذائك، ولا سيما نعل حذائك، من اشد الاهانات. وهكذا ترك صدام حسين احد رجال الدولة الغربيين عند زيارته له وخرج من الصالون بزعل لأن الرجل جلس امامه وواجهه بنعل حذائه. لم يعد اليه الا بعد ان نبهه التشريفاتية الى فعله فصحح جلسته. ويعتقد أن صحافيين لاحظوا وأيدتهم كامرات التلفزيون ان معمر القذافي رفع رجله بحيث واجه توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية عندئذ، بنعل حذائه.
وبقي هكذا طوال المقابلة. وما زال المراقبون يتجادلون في الأمر. لماذا صبر توني بلير على ذلك؟ هل كان يجهل فحوى هذه الاشارة العربية المهينة؟ ام إنه كان توني بلير، الرجل المستعد لقبول وتحمل اي شيء من اجل الكسب.
جرت معركة كبيرة بهذا الشأن توقف عليها مصير العراق في العشرينات، لاحظ عمي القاضي احمد القشطيني، ان الضابط البريطاني الجالس امامه في المحكمة جلس بحيث وضع حذائه بوجه المحكمة. فطلب منه ان يتأدب. فأجابه بأنه لم يفعل شيئا مخلا بالأدب. فالتقاليد البريطانية لا تعتبر ذلك عيبا. فقال له ولكن تقاليد العراق تعتبره كذلك. فقال ان العراق بلد تابع لبريطانيا وبالتالي يخضع لسننها. اجابه ابومحمود، كلا. العراق ليس مستعمرة ومحاكمه تطبق الاعراف العربية. امتنع الضابط واضطر القاضي لتأجيل المرافعة. ودوت زوبعة العراقيين وتأزم الوضع بحيث اصبحت سيادة العراق مرهونة بالقندرة. وفي رأيي بقيت كذلك.
السؤال لماذا نعتبر نحن كشف نعل الحذاء عيبا ولا يعتبره الغربيون كذلك؟ ربما لأن احذيتنا ملطخة دائما بالأوساخ والنجاسة بسبب وساخة بيئتنا. رأي معقول ولكنني ارى غير ذلك. كثيرا ما يكون نعل حذاء غالبية مواطنينا مثقوبا ومشققا ومستهلكا. الكشف عنه يذكر المشاهد بأحوالنا ويجعله يشعر بالذنب. وهذه عادة مستحكمة فينا ان نتستر على العيوب فطالما يكون الحذاء على الارض لا احد يدرك انه مثقوب ومشقق. ولكن عندما اصر القذافي على مواجهة بلير بنعل حذائه فكان يقصد: «شوف! انا قندرتي ما منقوبة ولا مشقوقة. انا احسن منك! انا عندي نفط».
خالد القشطيني الثلاثـاء 09 محـرم 1430 هـ 6 يناير 2009 العدد 10997 جريدة الشرق الاوسط الصفحة: الــــــرأي
www.kishtainiat.blogspot.com |
التعليقات (0)