ماهر حسين.
قدم شعبنا الكثير من التضحيات منذُ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التاريخية عام 1948 ولاحقا" لذلك الاحتلال الإسرائيلي لأراضينا المُحتلة عام 1967 وارتبطت هذه التضحيات بوجود الاحتلال وما أوجده من مصاعب وقضايا جعلت حياتنا بعيده عن أن تكون طبيعية كباقي الشعوب .
المصاعب التي عاشها الفلسطيني بكل مكان وبِفعل الاحتلال انعكست على حياته ودفع جميع أبناء شعبنا ثمن الاحتلال وبغض النظر عن أي تمايٌز مرتبط بالدين أو الشريحة أو الطبقة التي ينتمي لها الفلسطيني فان كافة أبناء شعبنا دفعوا ثمن احتلال أرضنا وغربتنا عن الوطن وحدة معاناتنــا مع المقيمين بأرض الوطن وتحت الاحتلال وقد اقتضى هذا الواقع أن نعمل لتجاوز المصاعب بتضحيات كبيرة من أجل فلسطين ويرافقها تضحيات على مستوى الأسر لبقائها وصمودها وتأهيل أبنائها لمواجهة مصاعب الحياة حيثُ جاهد الآباء والأمهــات من أجل أن يقدموا لأبنائهم ما يجعلهم قادرين على مواجهة الحياة بعالم حرمنا من الوطن ..وأي وطن هو الذي حٌرِمنــا منه .. ..أنه فلسطين ..أرض الديانات وارض المقدسات مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وميلاد المسيح عليه السلام.
في تلك المسيرة الطويلة قدم الفلسطينيون للعالم قصص نجاح تجاوزت المعقول باعتبارها مرتبطة بواقعنا الفلسطيني الصعب فلقد قدمنا للعالم مٌفكرين وعٌلماء وأطباء وفلاسفة وشعراء وكتاب وأدباء وقدمنا للعالم سياسيين تحولوا إلى رموزا" لأحرار العالم ولكل أنصار الحق والعدالة والسلام في العـــالم .
كنت دائمـــا أردد مقولة للرئيس الرمز أبو عمار حيث قال :من عمق الآلام تتفجر الآمال ..بهذا المنطق خلًق الفلسطيني وجوده وخٌلق الوجودٌ الفلسطيني على قاعدة النضال والبقاء والنجاح وقد تفاعل أهلنا العرب والعديد من أحرار العالم مع هذه التجربة فكان لهم مساهمات لا يمكن لنا سوى أن نعبر عن احترامنــا لها حيث أنها منحة تجربتنا عٌمقها العربي والإنساني الحقيقي .
عندما نتحدث عن النجاحات وعن الآلام والآمال يطول الحديث وحيث أننا مازلنا نعيش نشوة الفخر بالتصفيق الحــار للرئيس أبو مازن من قبل العالم عندما تحدث عن قضيتنا والتصفيق وقوفا" عندما تطرق الرئيس بخطابه للرمز الفلسطيني الأول أبو عمار وللشاعر الكبير محمود درويش فإننا يجب أن نؤكد على أننا قدمنا للعالم نماذج خالدة ومنها الرئيس أبو عمار وهو رمز للثورة ولقد تعرض هذا الرمز بحياته للعديد من محاولات التشويه قادتها وللأسف دول ومنظمات تابعه لدول ومنظمات أخرى باعت انتماءها للوطن من اجل مصالحها الخاصة .
لقد قدمنا للعالم نماذج منها شاعرنا الكبير محمود درويش ومنها المفكر ادوارد سعيد والكاتب جبرا إبراهيم جبرا وغيرهم الكثير أما في فلسطين فلقد حفر البعض أسمه في العقل الفلسطيني والوجدان مرتبطا" بدور أو ببطولة ويطول المقــام لذكر الأبطال ممن أثروا بنـــا فما زِلنا نذكُرهم ونكن لهم كل الاحترام وبهذا السياق يأتي سيرة وذِكر فرقة أغاني العاشقين .
ففرقة العاشقين نجحت بأن تكون جزء" من العقل الفلسطيني وبل إنها تجاوزت العقل لتصبح راسخة في الوجدان الفلسطيني فتجد شعبنا يتوارث حُبها جيلا" بعد جيلا"..ومنذ 1982 سطع نجم هذه الفرقة لأنها عبرت بفنِها الراقي عن تجربة صمـــود غير مسبوقة فأستمع لها أبناء شعبنا فخرا" وحُبا" وولاء" لمقاومة ولثورة صمدت في عاصمة الصمود العربي بيروت ..وبهذا السياق أذكر بأننا كنا نسعى للحصول على فيديو (حفلة عدن ) لفرقة العاشقين وكان من يمتلك ذلك فهو يمتلكٌ كنزا " فلقد كانت هذِه الحفلة بحضور العديد من قادة الثورة وعلى رأسهم الرمز القائد أبو عمــار والحكيم جورج حبش والقائد نايف حواتمه بالإضافة إلى قيادات أخرى منهم من قضى نحبه شهيدا" بطلا" ومنهم من هو على العهد حافظا" للنهج .
هي فرقة العاشقين ..فرقة فلسطين كلها ..فرقة منظمة التحرير الفلسطينية ..فرقة الثورة والدولة ..غنت للصمود في بيروت وغنت للشهيد وللمخيم وغنت للبطولة وللقدس وغنت التراث وها هي تغني للأمل فتقول لشعبنا (إعلنها )
في يوم الخطاب التاريخي للرئيس أبو مازن غنت فرقة العاشقين وبحضور ألاف الألاف في نابلس فقالت (أعلنها يا شعبي أعلنها) فها هي تغني للسياسة وعلى طريقتها وتغني للدولة وعلى طريقتها وتغني للشرعية وتستحضر الفرقة بفناِنها الأول والكبير (أبو علي) ذكريات الصمود والمقاومة وإثبات الهوية وبنفس الوقت الأمل بالدولة و هذا المزيج الفريد لا يمكن لأحد تجسيده كما هو فرقة العاشقين..هذه رسالة الفرقة وتظهر هذه الرسالة بكل لحظة فعلى خلفية المنصة أثناء أداء الفرقة لعرضها نرى القائد أبو عمار وهو يلقى خطابه بالأمم المتحدة ونرى الرئيس ابو مازن وهو يلقي خطاب..فالنهج واحد والحق واحدة والمطالب واحده ... وهذا يؤكد بأننا في فلسطين قد تتغير الأسماء لدينا في القيادة وقد تتغير الشخوص والطبائع ولكن الحق واحد والمطالبة به واحده .
تواجدت فرقة العاشقين في فلسطين وللمرة الثانية ففي المرة الأولى غنت الفرقة ما عَرفهٌ الناس من أغانيها وقال البعض إن نجاح الفرقة مٌرتبط بالحنين للماضي وللتاريخ !!! و الآن قدمت الفرقة مزيجها الفريد من الماضي والحاضر وغنت للإعلان وللخطاب وللشرعية فما هو تبرير النجاح لهواة الاصطياد بالمـــاء العكر ...إنها قصة العشق بين الشعب والعاشقين للشعب وللقضية ..هذا هو سر النجاح ..أنه المزيج الفريد من الحفاظ على اللباس العسكري وما يمثله من تاريخ وخيار والغناء للدولة وما تمثله من أمل ...أنه الغناء لبيروت ولمعركة بيروت في فلسطين حيث قاتلت بيروت وأهلها مع الفدائي من اجل فلسطين ...إن سر النجاح والتألق هو فهم حقيقة بان هذا الشعب لا يشعٌر بالتناقض بين ماضيه وحاضره لأنه يعي اختلاف أدوات التعبير عن الثورة والقضية ..فالمقاومة في بيروت والانتفاضة في فلسطين ِفعِل مقاوم ورفض الرئيس والقيادة للرضوخ للضغوط فِعِل مقاوم نفتخر بهِ كذلك ....هذا هو الشعب الفلسطيني وهذه فرقة أغاني العاشقين وهذا هو سر العلاقة والنجاح أما من لا يرغب في فهم ذلك فنقول له لتقل ما تشــاء ولتٌبرر الأمور وكما تشــاء ولكنك لن تنجح بإخفاء الحقيقية لأنك لست إلا أعمى بعيون الحقد والمصالح الحزبية الخاصة أو انك لا تفهم طبيعة شعبنا ..وهذا يُذكرني حقيقة" بتصريحين لاحقا" لخطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث علق احد دبلوماسي الولايات المتحدة الأمريكية قائلا" : بان علينا التفكير في ما بعد التصفيق !!!وهذا يؤكد عدم فهمه ووعيه لمعنى التصفيق وبنفس الوقت صرح وللأسف أحد قيادات حماس ممن انتقدوا خطاب الرئيس وقال بان التصفيق لم يكن لأبو مازن ولنهجه وإنما كان للشعب وتضحياته!!! ..هذه عيون أمريكا والآخرين هم من أعمَتهم مصالِحهم الضيقة عن رؤية الحقيقية .
عندما زارت فرقة العاشقين فلسطين بالمرة الأولى وصفنا الزيارة بأنها عودة فرقة العاشقين فكانت عودة حقيقة لزيارة الوطن وعودة للفن بعد انقطاع طويل لأسباب متعددة وكانت المرة الأولى التي تٌقدم بها فرقة العاشقين حفلات بالوطن والآن وللمرة الثانية يعود العاشقين لعٌشاقِهِم في فلسطين .. إنها عودة مباركة وحفلات موفقة وتفاعل غير مسبوق خلق حالة سياسة فريدة تعبر عن الدور الحقيقي للفن الملتزم .
شكرا" لكل من ساهم بهذا اللقاء ...وسيكون لنا مع العاشقين لقـــاء ...
التعليقات (0)